ترجمات عبرية

معاريف – بقلم زلمان شوفال – التاريخ يكرر نفسه

معاريف – بقلم  زلمان شوفال – 11/1/2022

السحب القاتمة التي تشير الى امكانية حرب باردة جديدة بين القوى العظمى لا تبشر بالخير للاعبين الثانويين ايضا، بمن فيهم اسرائيل “.

من الطبيعي والمفهوم من ناحية الطابع الانساني أن الانتشار غير المنضبط للاوميكرون والرد المشوش من الحكومة عليه – هما في راس الاخبار في هذه الايام، إذ ان هذا خطر واضح وفوري لكل واحد منا، ولا غرو أن الجمهور وحتى في الاعلام تثور اشواق ليد موجهة. ولكن في نفس الوقت تقع في محيطنا القريب والبعيد ايضا  امور اخرى ينبغي أن تقض مضاجعنا. الخبر الاول من هذه الناحية هو ايران؛ رغم الستار الدخاني، المقصود على ما يبدو، تجاه القدس، تواصل الولايات المتحدة، برفقة الاتحاد الاوروبي، الاندفاع، سواء في المحادثات غير المباشرة في فيينا أم في قنوات اخرى نحو استئناف الاتفاق النووي مع ايران – ويحتمل حتى مع بعض التحسينات لطهران – الامر الذي يمسك بلباب اسرائيل دون سياسة واضحة باستثناء التصريحات التبجحية الزائدة.  

الخبر الثاني: يكاد يكون دون أن ننتبه تنتشر في العالم أجواء، وربما واقع من الحرب الباردة، حيث تقف في طرف ما امريكا مع حلفائها (الاوروبيين يبدون انبطاحهم المعتاد)، ومن الطرف الاخر تقف اساسا الصين وروسيا. في هذه اللحظة يتركز الاهتمام الدولي على المواجهة بين روسيا واوكرانيا، لكن رغم ان النشاط الروسي في هذا السياق يركز ظاهرا محليا وبشكل محدود، فان آثاره المحتملة تضع في اختبار ملموس  علاقات القوى ومدى التصميم للطرفين، ومنه يستخلص لاعبون آخرون الاستنتاجات ايضا. صحيح ان المواجهة ليست ايديولوجية بالمعنى الذي كان في الماضي بين الشيوعية والديمقراطية، ولكنه يتعلق بالذات في كيف يعرف كل طرف جوهر الحكم؛ الصين تعطي النبرة في الجانب المناهض للديمقراطية، وروسيا وبضع دول اخرى في اوروبا، في آسيا وفي امريكا اللاتينية تقف خلفها. هذا النهج يرد مباديء الديمقراطية  الليبرالية. قواعد السوق الحرة، حكم القانون، حقوق الانسان وما شابه، القيم التي كانت الخط الموجه والهدف المعلن لمعظم العالم في الـ 75 سنة بعد الحرب العالمية الثانية. بدلا من ذلك تتطلع الصين لقيادة نظام عالمي جديد في مركزه تقف الدول وحكامها – بالطبع ليس بمفهوم الفيلسوف الالماني يوهان هيردر الذي رأى في الدولة اطارا لضمان حرية الفرد بل كنهج يفرض إمرتها على كل مستويات الحياة، بما في ذلك المؤسسات الثقافية والاجتماعية، القوانين، التكنولوجيا وما شابه. بمعنى ان الكل هم اداة لخدمة الحكم المركزي.

عندما ينظر زعماء الصين وروسيا الى ما يجري في واشنطن، وفي الخلفية الاجتماعية، الثقافة والسياسية في امريكا، اضافة الى قضية الانسحاب من افغانستان فانهم على ما يبدو يصلون الى الاستنتاج بان ايام امريكا كقوة عظمى متصدرة في العالم انتهت وان المستقبل لهم، وفقا لشعار “الشرق يصعد، الغرب يهبط”. حتى لو كان هذا الاستنتاج مغلوطا ومتسرعا (هتلر ايضا ارتكب في حينه هذا الخطأ)، فان من شأنه ان يؤدي الى  نتائج تعرض للخطر السلام العالمي. بالنسبة للمسألة الاوكرانية، وكذا بالنسبة لعدة مواضيع اخرى، جرت في هذه الاثناء مكالمتان هاتفيتان بين الرئيسين بوتين وبايدن، يمكن تعريفهما تلخيصا كحوار الطرشان، ولكن في اعقاب ذلك بدأت في اوروبا محادثات بين وفود دبلوماسية للطرفين للبحث في الازمة الاوكرانية وفي جملة مواضيع موضع خلاف. وعلى اي حال، كما أسلفنا، في رأس سلم الاولويات العالمي يجب ان تكون ليس روسيا واوكرانيا، بل الصين وخططها الجغرافية السياسية وذات الهيمنة، بما في ذلك امكانية السيطرة العنيفة علىتايوان التي تعهدت الولايات المتحدة للدفاع عنها.

اذا عدنا الى روسيا، فان احدى نتائج الانسحاب الامريكي من الشرق  الاوسط، والذي بدأ في عهد اوباما ونال الزخم في عهدي ترامب وبايدن، كان تموضع آنفة الذكر في منطقتنا. استغلت حكومة اسرائيل السابقة الوضع الجغرافي السياسي الجديد بنجاح كبير لتحقيق مصالحها الامنية في سوريا وفي اماكن اخرى – روسيا ليست حليفة مثل امريكا، لكنها شريكة براغماتية – وفي هذه المرحلة، على الاقل، لم تفوض الحكومة الحالية هذا الانجاز. لكن الوضع قد يتدهور اذا ما اصبح الشرق الاوسط مرة اخرى موضوعا في حرب باردة محتملة مثلما كان في عهد الاتحاد السوفياتي. وبالنسبة للصين، بالمناسبة، هذه الاشكالية موجودة منذ الان. مثال على ذلك هو التعهد الاسرائيلي بان تبلغ واشنطن مسبقا باتفاقات اقتصادية معينة مع الصين. وبين هذا وذاك فان السحب القاتمة التي تشير الى امكانية حرب باردة جديدة بين القوى العظمى لا تبشر بالخير للاعبين الثانويين ايضا، بمن فيهم اسرائيل.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى