ترجمات عبرية

معاريف – بقلم د. اوري ميلشتاين – صعقة برق – هكذا أخرجت الجيش الاسرائيلي من لبنان

معاريف – بقلم  د. اوري ميلشتاين  – 1/5/2020

” مقابلة مع رئيس الوزراء الاسبق ايهود باراك يشرح ملابسات الانسحاب الاسرائيلي السريع من لبنان قبل عشرين سنة “.

خطوتان استراتيجيتان عظميان بادر اليهما ايهود باراك وقادهما قبل عشرين سنة في فترة استغرقت سنة وتسعة اشهر تولى فيها رئاسة الوزراء: خروج الجيش الاسرائيلي من لبنان بعد 18 سنة، والثانية محاولة للوصول الى اتفاق دائم مع الفلسطينيين وانهاء النزاع من خلال مؤتمر كامب ديفيد. في العقدين الاخيرين نشر عدد لا يُحصى من التحليلات، الكتب والمقالات في كل اللغات عن هذين الحدثين، ولكنه لم ينشر وصف بهذه التفاصيل من زاوية نظر رئيس الوزراء في حينه، التي بدونها لا يمكن فهمهما وتقديرهما كما ينبغي. ولمفاجأتي استجاب ايهود باراك لتوجهي، رغم أني انتقدت خطواته بشدة في الماضي ووافق على الحديث معي لساعات طويلة والاجابة على اسئلتي وعرض تحليل معمق للاحداث عليّ، خطوة إثر اخرى، من الفكرة وحتى التنفيذ. نبدأ إذن بالفصل الاول: اخلاء الجيش الاسرائيلي من لبنان والذي نفذ في ايار 2000، قبل عشرين سنة. في الاسبوع القادم سننشر الحديث الثاني مع باراك، عن مؤتمر كامب ديفيد الذي جرى في تموز من تلك السنة وتفجر مع الانتفاضة الثانية.

صنوبر عملاق

لماذا لم ينسحب الجيش الاسرائيلي من لبنان الى الحدود الدولية مع نهاية حملة سلامة الجليل، او باسمها العسكري “صنوبر كبير” بعد أن خرج من بيروت في 29 ايلول 1982 واعلن عن نهاية الحرب بشكل رسمي؟

“بالنسبة لصنوبر كبير التي ذكرتها”، بدأ باراك، “كان لوزير الدفاع، اريك شارون، خيال استراتيجي متعدد الطوابق لم يبحث فيه صراحة. سمعت عن هذا من احد الاشخاص بحضوره قبل  الحرب واعتقدت أني وحدي أعرفه. لاحقا روى لي محرر “هعولام هزيه”، اوري افنيري انه هو الاخر سمع عن ذلك من أريك بل وكتب عنه في مجلته. كانت الفكرة هي استخدام ذريعة وفرها الارهاب الفلسطيني للانقضاض عليهم في جنوب لبنان وتحويل ذلك الى رافعة للوصول الى الارتباط بالمسيحيين في بيروت، وتتويج عائلة الجميل وطرد م.ت.ف من لبنان تماما. وكان الافتراض انهم سيضطرون للعودة الى الاردن، وبخلاف ما حصل في  ايلول 1970 سيكونون قد تعلموا الدروس فيسقطون الحكم  الهاشمي. وعندها يأتي الخلاف لصهيون: في الاردن تقوم دولة فلسطينية ويوجد حل للنزاع. فهمت ان هذا ليس صنوبر كبير بل صنوبر عملاق. لم نصل  الى هذا، علقنا في صنوبر كبير. بعد الحرب ادعى بعض الوزراء انه في اثناء المعارك، عندما اتسعت سلامة الجليل الى صنوبر كبير، خدعهم اريك. هذا ليس صحيحا. لقد كان أريك رجلا ذكيا جدا، عرض عليهم كل الخطوات على الخرائط وتحدث الى البروتوكول بتفاصيل وتوسع. اما هم فلم يفهموا او حبذوا الا يفهموا.

“بعد ثلاثة أسابيع من تسلم بشير الجميل رئاسة لبنان اغتيل، شقيقه أمين حل محله وذبحت الكتائب المسيحية الفلسطينيين في صبرا وشاتيلا. انسحب الجيش الاسرائيلي من بيروت الى جبال الشوف. وبعد سنة انسحب مرة اخرى الى خط نهر الاولي، حيث كان يتموضع هناك حتى الانسحاب التالي. في تلك الفترة حل اسحق شمير محل مناحم بيغن في رئاسة الحكومة وموشيه آرنس واسحق رابين حلا محل أريك شارون في وزارة الدفاع. خيال أريك لم يتحقق ولكننا كنا عالقين في لبنان مع خسائر  وبلا منفعة عملية ومسؤولين عن كل ما يحصل في  المناطق التي تحت سيطرتنا. لم يكن انسحاب كامل للجيش الاسرائيلي من لبنان لانه يوجد تخوف في الحقل السياسي من فعل جريء وواسع النطاق، قد يفشل وعندها يتهمونك. فاذا ما وقعت لاحقا تطورات سلبية، سيجد المنتقدون دوما صلة بينها وبين الخطوة الجريئة. وعليه فان لدى السياسيين ميلا للعمل بخطوات صغيرة لتقليص الاخطر الذي في كل خطوة.  الامر يشبه شخصا يخطط لقص ذيل كلبه لاعتبارات صحية أو جمالية، ولكنه لا يقصه دفعة واحدة بل قطعا، قطعا. وهذا هو الشر في كل العالم، كما يقول وولتر في “كنديد””.

خط بارليف جديد

في 1985 حين كنت رئيس شعبة الاستخبارات، انسحب الجيش الاسرائيلي مرة اخرى، ولكن هذه المرة ايضا ليس الى الحدود الدولية بل الى الحزام الامني القريب من الحدود، الذي لا يمكنه ان يحمي بلدات الشمال من الكاتيوشا بل فقط من السلاح الخفيف.

“وزير الدفاع اسحق رابين، رئيس الاركان موشيه لفي، قائد المنطقة الشمالية اوري اور وأنا أيضا، لم نجد في حينه معنى للبقاء في الخط الاولي. طرح السؤال الى أين الخروج. كانت مداولات كثيرة، ودخل القرار الى ما عُرف منذ ذلك الحين من عهد جيش لبنان الجنوبي بعد حملة الليطاني في 1978. فقد قرروا ان يقيموا مرة اخرى جيش جنوب لبنان جنوبي الليطاني، بقيادة الجنرال المسيحي انطوان لحد، مع سلاح أثقل وهيمنة مسيحية، في قاطع يشبه ذاك الذي نشأ بعد حملة الليطاني قبل سبع سنوات من ذلك. في  1985 كنت المعارض الوحيد في هيئة الاركان لهذه الخطوة. شعرت أني أفهم الالية التي ستنشأ، فزملائي لم يعيشوا عن كثب حرب الاستنزاف في سيناء وأنا كرجل سييرت متكال (الوحدة الخاصة) وكقائد سرية دبابات في القناة عشته. كان واضحا لي انهم يبنون “خط بارليف” جديد ستشبه نتائجه الثمن الباهظ لخط بارليف في القناة. في غضون وقت قصير سنجد أنفسنا متورطين في تصعيد متواصل، نحمي قوافل التوريد، الاستحكامات والجنود دون ان نساهم في ذلك لامن اسرائيل. هذا الخطا سعيت لان امنعه منذئذ، قبل 15 سنة من نجاحي في المهمة.

“حاولت اقناع قائد المنطقة الشمالية اوري اور، الذي كنت اعرفه منذ كان فتى. لم يقتنع. ذهبت الى رئيس الاركان موشيه ليفي وهو الاخر لم انجح في اقناعه.  ذهبت الى رابين وهو الاخر لم يقتنع. قال ان هذه حكومة وحدة، والامر معقد – توجد الكثير من الحساسيات. كرئيس شعبة الاستخبارات كنت اطلع رئيس الوزراء شمير على آخر التطورات مرة في الشهر. طرحت عليه في تلك الفرصة هذا الموضوع وهو الاخر لم استطع اقناعه”.

الجيش الاسرائيلي بقي في لبنان حتى عندما كنت رئيس اركان.

“في معظم الوقت الذي كنت فيه رئيس الاركان كان رابين رئيس الاركان ووزير الدفاع. عندما توجه الى الانتخابات تعهد بانه في غضون سنة سيحقق اختراقا إما مع الفلسطينيين أو مع السوريين. وكان سلم الاولويات: أولا السوريين وبعد ذلك الفلسطينيين. وقدر بانه اذا توصلنا الى تسوية مع السوريين، فان لبنان سيكون “نتاجا ثانويا” وقوة مساومة الفلسطينيين ستضعف بشكل دراماتيكي. لقد استخدمت سوريا لبنان كي تجعل اسرائيل تنزف. استخدموا الفلسطينيين من لبنان وبعد 82 منظمة شيعية أمل، وبعدها حزب  الله. اعتقدنا باننا اذا توجهنا قبل كل شيء للتسوية مع الفلسطينيين، سيجتهد السوريون لعرقلتها وفي كل الاحوال موقفهم المساوم لن يضعف.

“ان ابو “الوديعة” التي اودعناها لدى الامريكيين في المحادثات مع السوريين: في الاحاديث مع رابين صغت فكرة وشكل “الوديعة” التي قدمناها للامريكيين وهذا معناها: نحن نودع في جيب الامريكيين استعدادنا المشروط لتنازلات معينة. يمكن للامريكيين أن يقولوا للاسد انهم يؤمنون بانه في حالة الاستجابة للاحتياجات الامنية والسياسية لاسرائيل في الاتفاق، سيكون بوسعهم حمل اسرائيل على الاستجابة ايضا لاحتياجات الاسد الحيوية، بما في ذلك في موضوع هضبة الجولان. هذا في “جيب” الرئيس الامريكي ولكنه لا يمكنه أن يتعهد بأي شيء دون أن يتضح ان احتياجات اسرائيل ستتحقق هي ايضا. وكانت الصعوبة هي أنه لا يمكن اجراء مفاوضات مباشرة مع زعيم عدو، الاسد بخاصة، دون ان تتبلور التوافقات مسبقا، بعيدا عن عين الجمهور. الزعيم ملزم بان يبدي مرونة في المفاوضات ويعطي سببا للطرف الاخر بالبقاء. ولكنه عندما يبدي مرونة فانه يخرج عن نطاق الاجماع لشعبه. الاجماع هام ايضا للدكتاتور وليس فقط للزعيم في الديمقراطية. اذا كانت التنازلات المحتملة التي طرحت على البحث تتسرب، فهذا يعرض الزعيم كمن هو مستعد لتنازلات تتجاوز الاجماع ومن شأنه ان يفقد القدرة على مواصلة المفاوضات. هكذا كان ايضا مع السادات. لزيارته الى الكنيست ولكامب ديفيد مع بيغن سبقت اتصالات وتفاهمات مضمونها، بل واحيانا مجرد وجودها، لم يكن معروفا للجمهور. هكذا ايضا كان بعد سنوات طويلة من ذلك، مع الاردن والفلسطينيين.  

“خطوة رابين  هذه مع سوريا فشلت ورأينا هذا في معلوماتنا الاستخبارية: وزير الخارجية الامريكي وورن كريستوفر والمنسق الخاص في الشرق الاوسط دنيس روس تعهدا ظاهرا “باسم رابين” اكثر مما صغنا في “الوديعة”. عندما سمع رابين ما عرض على الاسد احمر غضبا وصرخ على كريستوفر في  الهاتف بصوت عالٍ. المحاولة الاولى مع السوريين فشلت، وهكذا رابين، الذي مقت عرفات جدا، ما أن لم ينجح في عقد مفاوضات مع وفد اردني فلسطيني أو حتى مع مندوبين فلسطينيين (من الداخل)، وصل الى اوسلو.

“رغم ذلك لم تتوقف محاولات للاختراق مع السوريين. وجدت نفسي فيحينه كرئيس الاركان في جولات محادثات مع السوريين. سافرت مرة الى واشنطن مع السفير في واشنطن البروفيسور ايتمار رابينوبيتش والسكرتير العسكري لرابين اللواء داني ياتوم للقاء شريك الاسد القريب، رئيس الاركان السوري حكمت الشهابي. قبل بضعة اسابيع من ذلك التقيت في واشنطن بالسفير السوري في الولايات المتحدة وليد المعلم، رجل ذكي ومعتدل نسبيا بدا مثل حبيس بين ايتان هابر واريك شارون. حتى بعد أن أنهيت منصب رئيس الاركان، سافر رئيس الاركان الجديد، أمنون ليبكن شاحك بتكليف من رابين للقاء الشهابي مرة اخرى. في كل هذه السنين كنا في مفاوضات ومحاولات لتحقيق اختراق مع السوريين، بعد اتفاق اوسلو وبعد الاتفاق مع الاردن ايضا، والذي بالمناسبة ما كان ليولد دون اوسلو.

“حاولنا الوصول الى تسوية مع الاسد. هذا الامر هو الذي منعنا من الخروج من لبنان. حتى عندما كان بيبي في الحكم حاول عقد تسوية مع الاسد بوساطة رون لاودر، الذي اطلعني بعد تشكيل  الحكومة على كل التفاصيل. انتقلت هناك من نتنياهو اقتراحات سخية للغاية الى الاسد. عندما طالب اسحق مردخاي نتنياهو “انظر لي في العينين وقل لي انك لم توافق على النزول من هضبة الجولان” كان يعرف عما يتحدث. وباختصار: لم نخرج من لبنان عندما كنت رئيس الاركان لان رابين اراد أن يعمل ذلك عبر المفاوضات مع السوريين. أما الخروج ليس كنتيجة للاتفاق فلم يكن على جدول الاعمال”.

اذا كانت مفاوضات مع الاسد لهذا الوقت الطويل، فهذا دليل على أنه كان يريد الوصول الى اتفاق. فلماذا في النهاية لم ينجح هذا؟

“تحتمل الكثير من الاسباب.  الاسد كان مستعدا ربما للاتفاق ولكن فقط بشروطه. الفجوات التي تبقت كانت واسعة، كما انه لم يكن سبيل لعمل ذلك معه مباشرة بل فقط برعاية الامريكيين. كل الاماكن التي نجحنا فيها كانت عندما تحدثنا مباشرة. مثلما مع المصريين ومع الاردن. عندما أدرنا مفاوضات برعاية الامريكيين – فشلنا. ليس لانهم أشرار، بل لانه كانت للاسد شكوك عظيمة وكانت له مطالب لم تنسجم مع فكرنا”.

خطاب الخراف الصامتة

في الانتخابات لرئاسة الوزراء في 1996، والتي كانت لاول مرة مباشرة، فاز نتنياهو على بيرس بفارق واحد في المئة. بعد سنة انتخبت لرئاسة حزب العمل. فهل منذ البداية خططت لاخراج الجيش من لبنان أم ان التصريح بانك ستخرج الجيش من لبنان في غضون سنة ولد فقط كحملة في الانتخابات؟

“الموضوع كان يشغل بالي بلا انقطع، كما رويت لك، على الاقل منذ 1985، فما بالك في 1997! تلقينا سنتين لاعداد الانتصار على بيبي. السؤال كان متى الاعلان عن ذلك وليس مجرد الخطوة.

“في ايار 1998، قبل عشرة اشهر من تصريحي، ألمحت بذلك في “خطاب الخراف الصامتة” الذي تناول أساسا الموضوع الفلسطيني. في مؤتمر صحفي في تل أبيب قلت: “نحن نصير الى مصيبة. لا أعرف متى سيحصل هذا وكيف. غدا، بعد اسبوع او حتى في السنة القادمة. ولكن احساس البطن والرأس عندي، نعم، الرأس ايضا – يقول لي اننا نقف على شفا مصيبة. والخراف في دار الحكومة – صامتة. عندما سيحصل هذا، لن يكون هناك من سيقول اننا لم نقل ولم نحذر ولم نرَ كلنا عنوان النار على الحائط… ونحن نتذكر حرب لبنان! فهل ظن احد منا، هل ظن مناحم بيغن، بانه بعد 15 سنة من ذلك سندفن الفتيان في الوحل اللبناني؟ مثل هذا الصباح؟ كفى للاقوال، كفى للمعاذير، كفى لصمت الخراف. حان وقت الحسم، حان وقت التوجه للعمل”.

“عن أننا سنخرج من لبنان في غضون سنة صرحت بعد زمن غير طويل من مصيبة المروحيتين وبداية عمل منظمة أربع امهات. أولا، لان هذا كان موقفي منذ البداية. وثانيا، للسماح للشعب بان يفهم باننا لا نخاف العمل،  واحداث التغيير والامل. وصلت الى مكانتي كرئيس للمعارضة وبعد ذلك كرئيس للوزراء بسبب اغتيال رابين، الذي اقمت معه علاقات وثيقة جدا. بدا لي طبيعيا وواجبا، موضوعيا واخلاقيا، مواصلة ما بدأ به رابين وقتل في اثناء تنفيذه: محاولة الوصول الى تسوية في غضون سنة مع الفلسطينيين أو مع السوريين وبالتوازي الخروج من لبنان. باتفاق او بدونه. إذ لم يكن منطق مواصلة البقاء في لبنان. عندما دخلنا لبنان قبل 17 سنة من ذلك، كنت لواء شابا واذكر السوريين بين الخنادق القصيرة التي حفرها رجال الاحتياط على تلال جبل عربا. وكنت أسأل وهم يجيبون انهم مستعدون للمهمة ولكنهم قلقون على اطفالهم في مهودهم. هذا هو رجال الاحتياط، اطفال صغار في المهد في البيت. بعد 17 سنة من ذلك وبعد قليل سأكون رئيس الوزراء واولئك الاطفال الصغار من المهود باتوا الان جنودا في لبنان، وهم يُقتلون هناك وانا لا ادري كيف أشرح لنفسي لماذا يُغتلون هناك.  على ماذا بالضبط نحن ندافع في الحزام الامني؟ فحتى الصواريخ قصيرة المدى تصل الى البلدات والمدن في الشمال من فوق رأس الحزام الامني”.

في الانتخابات لرئاسة الوزراء في 17 ايار 1999 هزمت نتنياهو. كيف بلورت خططك للخروج من لبنان وكيف نفذتها؟

“قلت مسبقا اننا سنسعى الى تسوية مع الفلسطينيين ومع السوريين، واذا تحقق  اتفاق سنطرحه على الاستفتاء الشعبي. كما أعلنت  اننا في غضون سنة سنخرج من لبنان. لم اربط الخطوتين. ولكن واضح ان الخروج من لبنان كان يرتبط بالتسوية مع سوريا. في اليوم الذين انتصرت فيه في الانتخابات كنت أمام المعضلة التالية: إما أن اشكل حكومة تستجيب لزئير ناخبي في الميدان “فقط بلا شاس”، حكومة وحدة وطنية – مدنية – ليبرالية مع الليكود الذي ترأسه في حينه ارئيل شارون، ولكن حكومة كهذه كانت ستوقف بالضرورة المسيرة السياسية. او كبديل حكومة مع الاصوليين وميرتس كانت ستسمح – رغم المصاعب المعروفة مسبقا – بالتقدم في المسيرة السياسية. اخترت الامكانية الثانية.

“الوضع السياسي كان كالتالي: نحن نوجد بعد ست سنوات من اوسلو، خمس سنوات بعد الاتفاق مع الاردن وثلاث سنوات بعد الموعد الذي تقرر في اوسلو، للبدء في البحث في الاتفاق الدائم. وكان نتنياهو قد تنازل عن الخليل، وعد الفلسطينيين بـ 13 في المئة من اراضي الضفة، و “وجد في عرفات صديقا” على حد قوله. الاوروبيون يهددون بانهم في السنة القادمة سيعترفون بدولة فلسطينية. كلينتون، الذي أيد اسرائيل، سينهي ولايته الثانية بعد سنة ونصف. ليس معروفا من سيكون الرئيس التالي وكم من الوقت سيستغرقه لبلورة مواقفه.  الاستخبارات تحذر انه حتى في غياب مؤشرات ملموسة، فان استمرار الوضع القائم ينطوي على مخاطر التدهور. بدا لي عديم المسؤولية على المستوى الوطني ترك المصيرة التي على تنفيذها اغتيل رابين. فقد اغتيل ليس بسبب عيونه الرمادية – الزرقاء أو لانه كان جدا طيبا للاحفاد، بل لانه حاول التوجه الى تسويات سياسية بخلاف ارادة قسم من الشعب وفي ظل اجواء تحريضية آخذة في الاحتدام. اعتقدت أنه سيكون من الخطأ التاريخي أن نترك وراءنا جهود رابين، التي توقفت بتدخل اجرامي. لهذه الاسباب قررت التوجه الى حكومة ضيقة، غايتها مواصلة ما بدأه رابين، واستنفاد فرص منع الصدام المحتم في الساحة الفلسطينية والتي حذرت منها في “خطاب الخراف الصامتة”.

“في تموز 1999 تشكلت الحكومة. اخذت على عاتقي، كما فعل رابين في حينه، منصب وزير الدفاع ايضا. في موعد قريب من تسلمي مهام منصبي جلست مع رئيس الاركان موفاز. سأل “ما نيتك في موضوع الخروج من لبنان؟” اوضحت له بانه اذا كان اتفاق مع السوريين، معقول ان يحل موضوع لبنان هو ايضا لاحقا للاتفاق، ولكن حتى لو لم يكن اتفاق – فأنا مصمم على قراري الخروج من لبنان حتى تموز 2000″.

افهم انه كانت لموفاز تحفظات وكذا لاعضاء آخرين في هيئة الاركان

“كان موفاز ضابطا مميزا. رجل مفكر، ولكنه مخلص. كانت له تحفظات، وطرحها علي بوضوح، اكثر من مرة، ولكنه فهم أنها قرارات بمسؤولية القيادة السياسية. لم يكن الوحيد. في جهاز الامن وفي الجيش كانت معارضة واسعة جدا للخروج. والتغلب عليها بات اصعب فأصعب كلما تبين على مدى السنة التالية بان التسوية مع سوريا لن تتم على ما يبدو وسيتعين علينا الخروج بلا اتفاق، اذا ما اتيح اسناد بقرار من مجلس الامن. التحدي في تنفيذ مثل هذه الخطوة هو أنه اذا ما تطلب الامر منا تنفيذه بلا اتفاق ستكون أهمية عليا لتنفيذه بمفاجأة تامة. سواء من ناحية فرص النجاح أم من ناحية التوفير في الخسائر. ولكن حقا ما كان يمكننا أن نعرف اذا كنا سننجح في الوصول الى تسوية. طالما استمرت المفاوضات، لم يكن صحيحا الايضاح علنا اننا سنخرج حتى بدون اتفاق. اولا، لان هذا يسمح لحزب الله وللسوريين بمحاولة احباط الخطوة حين تنضج. ثانيا، لان هذا من شأنه أن يعقد بل ويفشل المفاوضات. من جهة اخرى، يحتاج الجيش لان يستعد لكل الامكانيات، بما في ذلك الخروج بلا اتفاق. ولهذا فقد وجهت موفاز لان يطلع كبار الضباط فقط في المرحلة الاولى. قائد المنطقة غابي اشكنازي، رئيس شعبة الاستخبارات عاموس ملكا وامثالهما. والايضاح لهم اهمية حفظ السر والاستعداد ايضا لامكانية الخروج بلا اتفاق، رغم أن هذا لن يكون في المرحلة الاولى جزء من التعليمات الرسمية من أجل منع التسريب الذي يعرض للخطر فرص الخطوة.

“موفاز فهم ولكنه لم يتحمس. آخرون ايضا لم يتحمسوا ولكنهم بدأوا بالعمل. منذ بداية آب 1999 أمر رئيس الاركان، لاحقا لتعليماتي، باجراء دراسة تحت عنوان “افق جديد” تعنى بأمرين مركزيين: الاول، الخروج من المنطقة الامنية بلا اتفاق على خلفية التصعيد وأزمة المفاوضات. والثاني، الخروج من لبنان في ضوء الاتفاق مع سوريا ولبنان. في منتصف تشرين الاول 1999 عرضت علي خطة افق جديد وفي الختام وجهت تعليماتي لاعدادها تحت فرضية عمل ان ينفذ الخروج حتى تموز 2000. في ذاك اليوم عدت واوضحت لموفاز باننا سنبذل جهدا أعلى للوصول الى تسوية،  وانه اذا لم تكن تسوية سنسعى للخروج بمفاجأة تامة. ولكن على الجيش الاسرائيلي أن يستعد ايضا لامكانية ان يتم الخروج تحت النار. في 24 كانون الاول تعرض عليّ مرة اخرى خطة افق جديد مع التشديد على جوانب الخروج باتفاق، وفي بداية كانون الثاني نخرج في تجربة، قد تكون الاخيرة، للوصول ا لى اختراق مع السوريين في شبردزتاوم”.

¬النشر الذي اغلق الاسد

لماذا فشلت المحادثات مع السوريين؟

“من فشل رابين بواسطة الامريكيين وفشل بيبي بواسطة رون لاودر استخلصت درسين: يجب الحديث معهم مباشرة، واساسا – بعيدا عن وسائل الاعلام. لانه اذا تسرب ما يبحث في المحادثات بينما هي جارية، فان المفاوضات ستفشل وتتوقف. وكان الاسد بات في مرحلة متقدمة من لوكيميا عنيفة وبادر الامريكيون لمؤتمر بمشاركة وزير الخارجية السوري فاروق الشرع. على مدى أسابيع، في حديث مباشر مع كلينتون وعبر السفير اينديك عدت  وطلبت ان تجري في مكان منعزل بشكل تام عن وسائل الاعلام. في كامب ديفيد ما كان يمكن اجراؤها لان الاسد عارض. طرحت سلسلة اقتراحات لاماكن منعزلة في المنطقة وفي العالم. اقترحت على الامريكيين مساعدة اسرائيلية في عزل المكان الذي يتم اختياره من ناحية الكترونية. قرر الامريكيون اجراءها في فندق في بلدة شبردزتاون في ولاية فيرجينيا الغربية، من 3 كانون الثاني الى أن يصعد دخان ابيض – على مدى نحو عشرة ايام.  وعدوا المرة تلو الاخرى بان البلدة مجاورة لنهر جانبي مع 800 من السكان، وان المنشأة معزولة عنها وانه اتخذت كل الخطوات اللازمة كي يكون البحث بالفعل سريا.

“حتى قبل الهبوط في قاعدة أندروز، تلقيت معلومات في هاتف القمر الصناعي في الطائرة بانه وصل الى البلدة عشرات الصحافيين الاسرائيليين، السوريين، الامريكيين وغيرهم وطواقم الاخبار، وهؤلاء يجلسون في المقاهي ويتبادلون الانطباعات والتقديرات مع اعضاء في الوفود الاولية للطرفين. شيء ما في التنسيق تشوش بين البيت الابيض والسفير الامريكي الجديد – القديم مارتين اينديك. تميزت غضبا. كان واضحا لي بان احتمال الاسيتضاح الحقيقي للمواقف تلقى ضربة قاسية. وزيرة الخارجية الامريكية مادلين اولبرايت والسفير اينديك اشتكيا لاحقا من أن “باراك ارتعدت فرائصه”. ولكن “الرأس الحامي” كان وصفا أكثر صحة. راوحت المحادثات في المكان على مدى اسبوع مع فجوات واسعة في المواقف، وتغطية اعلامية ولدت مخاوف للتقدم في الطرفين. وقد اغلقت بخيبة أمل، ولكن مع نية محاولة استئنافها في غضون بضعة اسابيع.

“بعد يومين من ذلك تسرب للصحافي عكيفا الدار تفصيل عما كان السوريون مستعدون للبحث فيه ونشر كل شيء في صحيفته “هآرتس”. وفور ذلك تسربت تفاصيل اخرى لصحيفة عربية في لندن”.

المعنى أن هآرتس أفشلت اتفاق سلام مع سوريا؟

“لا سبيل لقول هذا على هذا النحو. شروط البدء كان صعبة مسبقا. الاسد المريض، شبه ينازع الحياة، كان مركزا على نقل الحكم الى بشار ابنه، اكثر من استنفاد الفرصة للتسوية مع اسرائيل. وفي نهاية اليوم، الدار، لشدة احباطنا، فعل ما يفعله الصحافي. كان الامريكيون ونحن الذين لم نتمكن من ايجاد مكان يمكن أن نبحث فيه بهدوء. تقصير زائد. الصحيح هو أن التسريب لـ “هآرتس” أفشل  استمرار المسيرة. اغلق النشر الاسد على الفور. فقد “اغلق  الرفوف” ولم يتحرك. كان هذا هو اليوم الذي فهمت فيه بانه سيتعين  علينا الخروج من لبنان بلا اتفاق. عدت من شبردزتاون وعلى الفور اطلعت موفاز. اتفقت معه على أننا في الاسابيع القريبة القادمة سنبدأ بالمباحثات اللازمة لتحريك الخروج بلا اتفاق. كان يفترض بكلينتون ان يلتقي الاسد في جنيف في نهاية اذار وأملنا بانه قد ينجح في اعادة تحريك المسيرة مع سوريا، ولكننا علمنا باننا لا يمكن التعويل على ذلك. موفاز تحفظ من الانسحاب بلا اتفاق، ولكنه عمل في ظل فهمه بان هذا قرار القيادة السياسية الذي يجب تنفيذه بافضل شكل ممكن.

“في 7 شباط وجهت موفاز للبدء بالتخطيط الملموس، تحت ستار من السرية التامة للخروج من لبنان بمفاجأة وبلا اتفاق. مداولات مفصلة عن الخروج بلا اتفاق تجري لدى موفاز ابتداء من منتصف شباط. مداولات سياسية أولية في الحكومة على تنفيذ الخروج من لبنان جرت في 2 27 شباط وتواصلت في 5 اذار. رئيس شعبة الاستخبارات عاموس ملكا الذي قدرته جدا ادعى بشدة، خطيا ايضا بانني لم اشرك شعبة الاستخبارات في المداولات في الحكومة. ولما كنت في الماضي رئيس شعبة الاستخبارات فقد تفهمت قلبه. “هذا مشروع وهذا واجبه”، قلت لسكرتيري العسكري، اللواء غادي آيزنكوت. في اجمال المداولات في الحكومة كتبت: “أ. الجيش الاسرائيلي سينتشر على الحدود مع لبنان حتى تموز 2000 ويؤمن من هناك أمن بلدات الشمال. ب. الحكومة تعمل على أن ينفذ الانتشار المذكور باتفاق. في حالة عدم نشوء الظروف للاتفاق، يجري في الحكومة، في الموعد المناسب لذلك، نقاش في شكل تنفيذ القرار الوارد في البند أ”. في البحثين في الحكومة كان انتقاد. لم يكن سهلا على بعض من الوزراء اقرار الخطوة. كما كان من سمعوا تقديرات مختلفة وتخوفوا من ان القتال مع حزب الله ليس فقط لن يهدأ بل سيتعاظم ويتصاعد الى داخل اسرائيل. لم اقبل هذه التقديرات.

“بعد المداولات في الحكومة في 10 اذار وقفت امام اعضاء هيئة الاركان. التقطت احاسيس الاحتجاج لبعض الالوية. عرضت عليهم خلاصة جلسات الحكومة. اجبت على أسئلة عديدة من اعضاء هيئة الاركان. وفي ايجاز اللقاء المشحون شددت على أنه “يوجد عدم يقين كثير وأنا اعرف كل الاسئلة التي ترافق مثل هذه الخطوة: ماذا اذا ما حصل هكذا؟ وماذا اذا ما حصل غير ذلك؟ لا يمكن تبديد الشكوك بشكل مطلق. ولكني اقول: لا سبيل لتحقيق نتائج بعيدة المدى واستقرار يغير الواقع من الاساس، بدون اخذ مخاطر في المراحل الانتقالية والعمل بتصميم لتقليص هذه المخاطر”. لست واثقا من أن كل من سمعني احب ما قلت وما أجملت من حديث. ولكن هذا كان موقفي. في هذه الحالة تبين أيضا انه صحيح. اوضحت لاعضاء هيئة الاركان بانه عندما تحين اللحظة سيكون بحث في الكابينت وسيطرح رجال الاستخبارات هناك بالطبع تقديراتهم وملاحظاتهم.

“في 22 اذار اقرينا خطة الخروج من لبنان بلا  اتفاق،  والتي تغير اسمها ليصبح “همسات الصباح”. وقررت ان تنفذ تحت قرار مجلس الامن 425. درس  موفاز  موضوع تنفيذ  القرار واوصى بالتنسيق مع قيادة المنطقة الشمالية البدء بالاخلاء  التدريجي للعتاد الثقيل من 13  استحكاما للجيش الاسرائيلي في لبنان. أقريت التوصية.

“في 26  اذار  التقى كلينتون والاسد في جنيف. جاء كلينتون من الهند وكان مسهولا وليس في حال طيبة. ولكنه كرجل شاب نسبيا، واصل اداء مهامه. اما الاسد بالمقابل فكان في آخر ايامه، مريض باللوكيميا الشديدة التي كانت تستوجب تغيير كل دمه في اوقات محددة ومست بقدراته المعرفية.  وهو كما أسلفنا كان يركز في حينه اساسا على نقل  الخلافة الى ابنه بشار. رغم ذلك  كان بدا مستعدا لفحص امكانية التسوية مع اسرائيل اذا كانت هذه بشكل جارف وفقا لشروطه. في  محاولة لاستنفاد الفرصة الاخيرة للاختراق،  وجهنا مسبقا كلينتون في مواضيع كانت تثقل على السوريين مثل تبادل الاراضي  ومشكلة بحيرة طبريا.  فقد طلب الاسد ان تكون له امكانية ان يغطس قدميه فيها كأرض سورية. بعد اللقاء، اتصل كلينتون بي هاتفيا من جنيف وروى لي بان الاسد لم يسمح له بانهاء جملتين، بل سأل على الفور: “ستكون لي ارضي؟ هذا كل ما اريد ان اعرفه”. فقال كلينتون: “هذا معقد!  ستكون  لك،  ولكن ليس بالضبط كما اردت. أردنا أن نريك خرائط كي  تأخذ الانطباع”. نظر الى الاسد ورأى أنه انطفأ. ولغرض المجاملة استغرق اللقاء ساعة اخرى ولكنه لم يتقدم الى اي مكان”.

“قرار 425”

“ما أن تبين أن الخيار السوري سقط، كان واضحا اننا نتجه الى الخروج من طرف واحد. في اعقاب حوار نشأ في بداية اذار بين داني ياتوم – مساعدي الكفؤ – وبين اوري لوبراني وروفكا ارليخ، اتفقنا على تنفيذ الخطوة على اساس قرار مجلس الامن 425 الذي اتخذ بعد حملة الليطاني في 1978وقضى بان ينسحب الجيش الاسرائيلي الى الحدود الدولية. اطلعت موفاز ووثقت ذلك في خلاصة عرض “همسات الصباح” في 22 اذار. في  بداية نيسان بدأت المسيرة في الامم المتحدة. وزير الخارجية دافيد ليفي التقى في هذا الشأن مع الامين العام للامم المتحدة كوفي عنان وقام بعمل جيد جدا.

“في 27 نيسان عقدت الكابينت للبحث للخروج من لبنان، واستدعي الى البحث كبار شعبة الاستخبارات كما وعدتهم. وصف عاموس ملكا بشكل نقدي ولكن متوازن الوضع والتطورات المحتملة. بعده تحدث عاموس جلعاد بلغة اكثر دراماتيكية واعطى وصفا ملونا لمخاطر الخروج. ومرة اخرى كان بين الوزراء من طرح مخاوف من الخروج تنتهي بتواصل فوري للنار على بلدات الشمال. في موعد قريب من ذلك شددت مرة اخرى لموفاز على أن الهدف هو تنفيذ الخروج في ليلة واحدة، لانه من اللحظة التي سيلاحظ حزب الله باننا نخرج سيفتح النار ويمكننا ان ننتهي بخروج تحت النار.

“لم نقرر موعدا دقيقا للخروج لان هذا كان منوطا بانهاء اعمال المسح واقرار مجلس الامن او على الاقل برفع تقرير بالموضوع للامين العام. اردت ايضا ننفذ الاخلاء بمفاجأة تامة لانه كان واضحا باننا اذا اعلنا مسبقا الموعد الدقيق، فسيهاجم حزب الله في اليوم نفسه وسنعلق في جولة واسعة بما في ذلك ادخال الشمال كله الى الملاجيء، وبعد ذلك سيدعي بانه هربنا تحت النار. كان واضحا لي اننا سنخلي قبل تموز، ربما في بداية او حتى منتصف حزيران.

الاخلاء

“في عرض عملياتي اسبوعي في يوم الخميس، 11 ايار، طلبت قيادة الشمال ان تنقل الاسبوع القادم استحكامين للجيش الاسرائيلي هما الطيبة وروتم الى جيش لبنان الجنوبي. أقر الطلب رئيس الاركان ورفعه لاقراري. اقريت مبدئيا النقل وارفقت توجيها باطلاعنا قبل نقل الطيبة لجيش لبنان الجنوبي والذي كان استحكاما مركزيا وقريبا من الحدود غربي المطلة. في يوم الاحد 14 ايار بلغت بنقل الطيبة. سكرتيري العسكري، اللواء غادي آيزنكوت، الذي كان في الماضي رجل قيادة الشمال، ضابط متماسك كالفولاذ، اوصاني الا اقر. فقد كانت حالات في الماضي نقل فيها الجيش الاسرائيلي استحكامات لجيش لبنان الجنوبي، لم تصمد واضطر الجيش الاسرائيلي العودة اليها. قررت الا أتدخل في اعتبارات قيادة الشمال. ولكني أمرت بالاستعداد لدعم جيش لبنان الجنوبي. في 18 ايار جاءتني عبر رئيس  الاركان توصية قيادة الشمال بتقديم موعد الخروج الى ايام قريبة كون الوضع في موقعي الطيبة وروتم اللذين نقلا الى جيش لبنان الجنوبي يهتز. لم يكن ممكنا تقديم موعد الاخلاء فورا لان ترسيم الحدود لم يكن خرج الى حيز التنفيذ، والامين العام للامم المتحدة لم يرتفع تقريره بعد الى مجلس الامن. الكابينت عندنا لم يقر الخروج بعد. وجهت الجيش بمواصلة البقاء في المنطقة ولوبراني وياتوم لتسريع العملية  مع الامين العام. يوم السبت، في 20 ايار، ترك رجال جيش لبنان الجنوبي استحكامهم في القنيطرة”.

في يوم الاحد، 21 ايار، في الساعة 11:00  جرت جنازة في قرية القنيطرة. وجاء الى الجنازة مسيرة كبيرة  نسبيا من قرية غندورية، وفي المسيرة كان  مسلحون من حزب  الله.  وفي ختام الجنازة لاحظوا، وربما كانوا يعرفون مسبقا، بان استحكم جيش لبنان الجنوبي في  القنيطرة هجر فدخلوا اليه. وهكذا بدأ السقوط.  في غضون خمس – ست ساعات  سارون  باتجاه الطيبة ومسيرات اضافية دخلت من خارج منطقة الحزام الامني الى منطقة القنيطرة التي  في داخلها. هكذا في  مساء ذات اليوم، 21 ايار، استحكام الجيش الاسرائيلي في الطيبة ايضا، الذي نقل  قبل  اسبوع من ذلك الى جيش  لبنان الجنوبي، هجر. في اثناء اليوم سيطر عليه رجال حزب الله ورفعوا عليه اعلامهم.  اللواء الغربي  لجيش لبنان الجنوبي كان يوجد في عملية  انهيار”.

متى تلقيت  معلومات عن  هذه التطورات؟

“تلقيت معلومات متواصلة من آيزنكوت  وموفاز. في الغداة، في 22 من الشهر، رفع آيزنكوت الي طلبا من موفاز  في ان نلقتي ربما على حدود لبنان. صعدت الى الشمال واستجبت للطلب.  حددنا اللقاء  في محمية، في استحكام قريب  من الحدود.  عندما وصلنا الى هناك قال لي موفاز  “يحصل امام  ناظرينا  ما تخوفنا منه”. مناورة قيادية كبيرة  في  قياة الشمال جرت في ذاك اليوم في المنطقة اوقفها موفاز قبل وقت قصير  من ذلك عندما تبين له بان قائد الفرقة المناورة لا يعرف ما يجري في المنطقة في  نفس الوقت، على مسافة مئات الامتار خلف  الحدود. فهو يعيش في المناورة. كان واضحا لي على الفور باننا امام انهيار، على الاقل لواء جيش  لبنان الجنوبي اياه، وسيتعين علينا أن نخرج في اقرب وقت ممكن. بل وربما هذه الليلة، وليس  بعد ثلاثة اسابيع او ستة اسابيع.

“سألت “هل  قدرتم  وضعا كهذا؟”. قالوا: “لم  نعتقد، احد لم يعتقد بانه سيحصل بهذه السرعة.  وعمليا بدون اي قتال”.  سألت: “ماذا تحتاجون اذا اردتم العودة الى الطيبة؟” قالوا: “الدخول بلوائين”.  كان واضحا لي فاننا اذا احتلينا الطيبة من جديد فستكون مناوشات شاملة مع حزب الله. هذا سيلغي الخروج أو سيكون خروج تحت النار. في ضوء علائم التفكك في بعض ألوية جيش لبنان الجنوبي، كانت توصية كل الحاضرين انه يجب الخروج في أقرب وقت ممكن. وكما أسلفنا كان هذا واضحا لي ايضا. عرفت ايضا انه في غضون ساعات قليلة ستنقل رسالة الامن العام الى مجلس الامن والتي تؤكد ان اسرائيل تعود الى حدود يبدأ مساحو الامم المتحدة في غضون ايام في ترسيمها. هذا سيمنحنا ختم الشرعية الذي نحتاجه في المستقبل. شرعية الخروج وفقا لقرار 425. يتبقى فقط اقرار  الكابينت. ولكن من الحيوي الابقاء على المفاجأة في  التنفيذ. اعود الى الكريا  ومن  المكتب أدعو موفاز وأساله: “برأيك هل هم قادرون على الخروج الليلة؟”  فيقول “اعتقد أن نعم”. الحقيقة  هي أن  هكذا فهمت ايضا عندما كنا في المحمية. ولكنه طلب الاستيضاح وعاد لي بعد ربع ساعة بعد أن تحدث مع اشكنازي وقائد الفرقة موشيه كابلنسكي. وقال: “يحتاجون الى يوم آخر”.

“عقدت جلسة كابينت سريعة في ذات الليلة واخذت عهدا من الوزراء للابقاء على السر. هذا يساوي حياة الانسان. تلقيت موافقة من الكابينت على أن تقرر مع رئيس الاركان موعد التنفيذ. اقريت لرئيس الاركان ان يقر لقيادة الشمال نهائيا باننا سنخرج غدا وفي ليلة واحدة. الليلة التي بين 23 و 24 أيار. تأكدنا في سياق الليل بان الامين العام للامم المتحدة رفع الى مجلس الامن الكتاب الذي يقول ان اسرائيل تعمل وفق قرار مجلس الامن وستخرج الى الحدود التي سيرسمها مساحو الامم المتحدة. 23 ايار بدا لي يمتد كالابد. اللواء الغربي لجيش لبنان الجنوبي انهار أول أمس. والشرقي انهار أمس. وفي هذه الاثناء لا نار. ولكن يمكن لهذا ان يتغير في كل لحظة. ولا يتحرر التوتر الا عندما يهبط الليل وتبدأ تقارير التنفيذ بالتدفق من كل الجبهات. بقي قليل من عتادنا ودبابات جيش لبنان الجنوبي. كانت منشآت ووسائل كان يفترض بنا أن ندمرها ولم نتمكن. ولكن الخروج نفذ بنجاح استثنائي. بلا أي مصاب. لا يمكن اخذ الحظوة على هذا التنفيذ من اشكنازي، كابلنسكي وغانتس”.

حزب الله

لماذالم نصفِ حزب الله في حرب استمرت عدة سنوات، حتى عندما كنت رئيس الاركان؟

“منظمة حزب الله ما كان يمكن تصفيتها! هذه حركة مقاومة اصيلة توجد داخل القرى بغطاء مدني. ليس لديك اي سبيل لتصفيتها دون الدخول عميقا في لبنان بما في ذلك الى صور وصيدا والقاء هناك. هذا هو الاخر جردناه ايضا، وليس بالذات بنجاح.  بين كل منتقدي الخروج لم أجد من يريدون العودة الى لبنان، حتى اولئك الذين وعدوهم بان الدخول سيكون هو ايضا دون اي مصاب. يمكن توجيه ضربة قوية ولكن لا يمكن التصفية. يمكن في ظروف معينة تصفية جسم ارهابي في داخل ارض تكون بين سيطرتك الكاملة. يجدر بالذكر اننا لم ننجح في أن نصفي  تماما ايضا خلايا الارهاب التي تنمو بين الحين والاخر بين السكان الفلسطينيين في المناطق. لا اعتقد انه كانت امكانية عملية لتصفية حزب الله. كان اناس في القيادة مثل تشيكو تمير وعميرام لفين ممن طالبوا باعمال اشد واكثر عدوانية للجيش الاسرائيلي. هذا من التكتيكي والمبهج العمل مع اناس كاؤلئك ممن يسعون الى الاشتباك دوما. ولكنهم قللوا من معنى حقيقة أن مثل هذه الضربات تخلق ظلما ومعاناة لمواطنينا، لان حزب الله كان يرد بالكاتيوشا وسكان الشمال هم الذين يدخلون الى ايام طويلة الى الملاجيء”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى