ترجمات عبرية

معاريف – بقلم جاكي خوجي – ليس في مدرستنا

معاريف – بقلم  جاكي خوجي – 23/4/2021

اسرائيل تدفع من خلف الكواليس نحو الغاء الانتخابات في السلطة كي تمنع انجازا انتخابيا عن حماس. عندما تنفذ دولة ديمقراطية اغتيالا لديمقراطية جارتها، سيكون لهذا ثمن“.

منذ سنين ونبيل شعث لا يتبوأ منصبا نشطا في السلطة الفلسطينية. السياسي المحنق (82) الوزير السابق في حكومات السلطة، يتولى اليوم منصب مستشار شخصي لصديقه ابو مازن. هذا الاسبوع تحدث شعث مع صحافي لبناني وتناول انتخابات المجلس التشريعي، البرلمان الفلسطيني، الكفيلة بان تجرى في 22 ايار. لماذا “كفيلة” بلهجة الشك؟ إذ غير قليل من اللاعبين في الساحة يعملون على احباطها، وكلما مرت الايام، تعاظم الاحتمال في أن ينجحوا ايضا.

“بالطبع توجد امكانية لان تؤجل الانتخابات”، قال شعث، “الاحتلال يواظب على عدم اعطاء جواب على طلب السلطة اجراء الانتخابات في القدس المحتلة”. واضاف بانه بدون شرقي القدس لا معنى للتصويت، إذ انه “هكذا يـأتي التعبير عن ارادة اسرائيل – في عزل القدس عنا”.

ظاهرا يوجد هنا تفسير معلل. فلا يمكن اجراء انتخابات بدون التصويت في العاصمة. اما عمليا، فامامنا مناورة في التذمر السياسي. فالتصويت في شرقي القدس وان كان هاما، ولكن بعد 15 سنة بدون انتخابات، فان الفلسطيني العادي سيفضل انتخابات بدون القدس، اذا كان البديل هو الغاؤها. في الوقت الذي كان يسر فيه اسرائيل عن تتخلى عن بضع حملات انتخابية مرت بها (وستمر بها)، فان الفلسطينيين يموتون على حملة انتخابات واحدة.

هم يعرفون بان وضعهم لن يتغير دراماتيكيا بعدها. فبالاجمال سينتخبون تشكيلة المجلس التشريعي، الذي هو البرلمان الفلسطيني وفي 132 نائبا. قضاياهم الملحة ستواصل السلطة ادارتها، ومن فوقها اسرائيل، في المدى القريب على الاقل. ولكن جمال الانتخابات الحرة ليس فقط في النتيجة. عندهم على نحو خاص، بقوتها ان تعطي الجماهير احساسا بالديمقراطية والحياة الطبيعية. ستسمح لزعماء جدد ان يبرزوا، بان تقام تجمعات تنظيمية. وان يعرب الناس على ارائهم وان يضخوا دما جديدا الى واقعهم السياسي، الذي يضرب جذوره منذ عقدين وثلاثة عقود  مضت.

صحيح أن القدس رمز، وهكذا ايضا مسألة اذا كانت ستجرى فيها انتخابات ولكن عمليا يمكنهم أن يتخلوا عن التصويت في شرقي القدس. فعدد اصحاب حق الاقتراع الفلسطينيين في القدس هو 180 الف، وهم يحق لهم ان يصوتوا اينما شاءوا، بما في ذلك خارج المدينة. مثلا، في البلدات القديمة، مثل ابوديس والعيزرية. واذا ما اتيح مع ذلك التصويت في نطاقها، فهو سيجري في بريدين او ثلاثة فقط. عدد المقترعين الذي يمكن لهذه الصناديق ان تحتويها هو 6.300 (من اصل نحو مليونين من اصحاب حق الاقتراع). وعندما تنتهي حفنة الالاف هذه من التصويت ستغلق الصناديق، وستكون كالذبابة على الفيل.  

في قمة السلطة يسود خلاف هذه الايام. يميل ابو مازن الى لاجراء الانتخابات كي تساهم في الارث الليبرالي الذي سيخلفه وراءه. اما الناس حوله، بالمقابل، فينشغلون في تصميم مستقبلهم القريب، وهذه الانتخابات تشكل بالنسبة لهم مشكلة كبيرة. فتح لم تتمكن من الاتحاد في قائمة واحدة تضمن النصر بل انشقت الى ثلاث. واحدة بالهام ابو مازن، الثانية متماثلة مع مروان البرغوثي والثالثة اقامها محمد دحلان. خصوصهم في حماس بالمقابل يتنافسون في قائمة واحدة. رجال مطبخ ابو مازن، كلهم ذوو صلاحيات وقدرة تأثير يخشون من الا تنجح قائمتهم بل ان تكون ضحية تصويت احتجاج من الجمهور. هزيمة كهذه مثلها كتصويت حجب ثقة عن السلطة بكاملها.

في اسرائيل ايضا يعتقدون انه محظور على هذه الانتخابات ان تتم. ويتصدر الموقف الاسرائيلي جهاز الامن العام. والذريعة الرسمية لاسرائيل هي سيادية. ما الذي يجعلنا نسمح لحماس بان تخوض دعاية انتخابية في العاصمة الخالدة لدولة اسرائيل.ولكن جهاز المخابرات الاسرائيلي لم يسبق أن خاف من عدة بوسترات لحماس. ولا من نشاط سياسي قصير الاوان يوجد تحت السيطرة. التخوف هو من الميل الزاحف. فنجاح حماس في الانتخابات الى جانب رحيل ابو مازن في اثناء الولاية هما حقنتا تشجيع جميلتين. بوسعهما أن تدفعا حماس لان تعود لان تنقض على الضفة.

لقد وجد جهاز الامن العام “الشاباك” شركاء في الرأي في رام الله. وسارع لان يمنحهم حبلا واسمه التصويت في شرقي القدس. اسرائيل لا تعلن عن موقفها علنا، كي لا تبدو كمن تمنع عن الفلسطينيين اجراءاً ديمقراطيا. ولكن مثلما رأينا في اقوال شعث، يكفي السلطة التسويف الاسرائيلي كي تستخلص الاستنتاج “السليم”.

بانتظار القرار

في الجمهور الفلسطيني يعرف الجميع بان اسرائيل تعارض اجراء التصويت في شرقي المدينة. والمح اسرائيليون يرتدون البزات بذلك علنا، وحتى لو لم يلمحوا، فليس صعبا جدا فهم ذلك. تلتف اسرائيل بصمت صاخب، والناطقون بلسان السلطة يهجمون على ذلك كالغنيمة الكبرى ويسارعون الى الاعلان بانه بدون القدس لن تجرى الانتخابات. التوافق بين رام الله وتل أبيب واضح.

بعد شهر يفترض بالجماهير ان تتوجه الى صناديق الاقتراع. وحتى ذلك الحين يتعين على رام الله أن تقرر اذا كانت تريدها على الاطلاق. في الميدان نشأ منذ الان واقع انتخابي. 36 قائمة سجلت للتنافس. العالم كله ينظر الى الفلسطينيين وينتظر ان يرى كيف سيلعبون امامنا. والان كل شيء متعلق بابو مازن، وباثنين أو ثلاثة آخرين هامين الى جانبه.

للسياسة الاسرائيلية في هذه المسألة تداعيات مستقبلية عميقة اكثر مما يبدو. فهي لا تنتهي بـ 6.300 مقترح ولا بمسألة  التصويت في شرقي المدينة. جربوا ان تضعوا انفسكم محل رجال الطبقة الوسطى الفلسطينية، العمود الفقري للمجتمع. شبان ابناء 20، 30، 40. وسواء كانوا متعلمين، اكثر أو اقل. هم ينظرون الى اسرائيل، الهائجة، الميسورة، ذات القانون والنظام، المؤسسات الديمقراطية، وهي تأخذ منهم أملهم في حياة ديمقراطية. فهي ليست فقط تمسك بكل المفاتيح لاقتصادهم، لحقهم في الحركة اليومية، بل وحتى لخروجهم للاستجمام في خارج البلاد. الان هي ايضا تمنع عنهم حياة سياسية تتمتع هي نفسها بها.

لو كانت اسرائيل دولة ضعيفة وقريبة من التفكك، لكان من الطبيعي ان تحمي نفسها من كل عدو. ولكن مما هي تخاف. يتساءل بينه وبين نفسه الفلسطيني المشارك. وبالنسبة له، بخلافنا، هذه الانتخابات ليست منافسة بين حماس وكل الباقين، وليس مناورة لانقلاب سلطوي في رام الله. هذا هو أمله في ان يشعر للحظة بانه مواطن في دولة ديمقراطية. أن يشعر ما هي حرية التنظيم، التمثيل السياسي، وكيف يمكن تحديد هدف  شخصي في الحياة وتحقيقه. الاف المتنافسين في جملة القوائم التي تقدمت للانتخابات هم شبان، رجال ونساء، ذوو قدرات وارادة للانخراط في العالم الكبير، والسلاح الوحيد الذي رأوه في حياتهم يحمله جنود الجيش الاسرائيلي. لاحساسهم، هذه الانتخابات هي مشروع بناء مستقبل للمجتمع الفلسطيني. وهذا المستقبل  تمسك به اسرائيل بشدة وترفض تحريره. لهذا الفهم يوجد تأثير سلبي على مستقبل العلاقات بين الشعبين هنا. يحتمل أن يكون فيه بذور الاضطراب.

ما الذي سيعتقده الفلسطينيون بعد عقد او اثنين عن اسرائيل كقوة عظمى جارة؟ هل سيقولون لانفسهم انهم علمونا ما هي الديمقراطية ام سيقولون، تكبدوا عناء ان تنمو ديمقراطيتهم ولكنهم خنقوا ديمقراطيتنا. هذه اسئلة تحاول اسرائيل أن تهرب منها. وكذا من اسئلة اساس ولدتها: ماذا ستكون مكانة الفلسطينيين في ختام سنوات جيل؟ هل س يعيشون في دولتهم وسلام على اسرائيل، ام في دولة واحدة من البحر المتوسط وحتى نهر الاردن. واذا كانوا في دولة واحدة، فهل سيكونون مواطنين متساوي الحقوق ام مواطنين من الدرجة الثانية؟ واذا كانوا مواطنين من الدرجة الثانية، فكم من الوقت يمكننا ان نبقيهم تحت الكفة؟

يوجد بيننا كثيرون لا تريحهم هذه الاسئلة. كما أنها ليست مريحة بالنسبة لي انا ايضا. ولكن ما العمل. لسنوات دحرناها تحت البساط، ولكنها احيانا تصر على ان تطل علينا من هناك. سنلتقي في صناديق الاقتراع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى