ترجمات عبرية

معاريف – بقلم جاكي خوجي – إطلالة على بواطن القصر الأردني بعد أحداث العائلة المالكة

معاريف –  بقلم جاكي خوجي –  9/4/2021

من أراد أن يعرف ما هو البلاط البيزنطي، فليذهب إلى عمان. الثلاثاء من هذا الأسبوع وتحديداً بعد أن كان واضحاً بأن النزاع في العائلة المالكة حُل، أُلقيت القنبلة. واحد من مقربي الأمير حمزة سرّب باسمه التسجيل الذي أجراه الأمير بنفسه في اللحظة التي صدرت فيها الإشارة لإحدى أكبر الاضطرابات التي شهدها القصر الهاشمي. لقد أرسل الملك الجنرال يوسف أحمد الحنيطي ليبلغ أخاه الأمير حمزة بن الحسين بالبقاء تحت الإقامة الجبرية من الآن فصاعداً. وكان الجنرال وصل إلى بيت الأمير ظهر السبت، وحظر عليه الحديث مع أحد أو كتابة البوستات في الشبكات الاجتماعية، وألا يتعدى خروجه زيارة الأقارب. وسرعان ما علم الأمير بقطع خط الهاتف في بيته مع خط الإنترنت. لم تكن محاولة لعزله عن العالم، بل ولإهانته أيضاً. تحدث الحنيطي ولم يعرف أن حديثه يُسجل. بعد ثلاثة أيام من ذلك، سُرّب التسجيل.

حمزة هو الأخ غير الشقيق لعبد الله الثاني، وهو بكر الملكة نور. أما عبد الله فهو ابن الملكة الراحلة منى التي سبقتها. قبل لحظة من وفاته، أمر الحسين بتعيين عبد الله ملكاً من بعده، وحمزة ابن الـ19 ولياً للعهد. بعد خمس سنوات من تتويجه، وحين شعر بأنه ثابت في كرسيه، أطاح الملك بأخيه غير الشقيق، وعيّن ابنه البكر الشاب مكانه. شعر حمزة بأن عبد الله سلب منه نصيبه في الحكم وأهان وصية أبيهما. انسكب الدم الفاسد في العلاقات بينهما منذئذ كالماء.

لقد كان تسجيل الحديث بين الأمير وقائد الجيش الأردني فرصة نادرة للإطلال على ما يجري في الغرف المغلقة في لحظات الذروة التي لم يشهد لها مثيل. هذا تسجيل أصيل، لا يمكن إخراج مثيل له أو تزييفه. الحنيطي يتحدث بهمس ويسمع كمن لا يستطيب هذه المهمة. “جئت لتهددني؟ ما هذا الكلام؟”، يقول له حمزة. يحاول الضابط الكبير تهدئته: “سيدي الأمير، الأمير…”. حمزة يعصف: “مشاكل إدارة الدولة ترميها عليّ؟ كل الفشل بسببي؟”. “لا، لا، سيادة الأمير”، يرد قائد الجيش بحرج، ولكن حمزة يثور أكثر فأكثر. “تأتي إلى بيتي وتقول لي إنك وقادة أجهزة الأمن تهددونني؟ خذ سيارتك واخرج من الباب! أحترمك، وأحترم المؤسسة التي تمثل، ولكن خذ سيارتك – وارحل”.

الحنيطي يطلب من الأمير أن يهدأ لأن أبناء العائلة سيسمعون الحديث. وهو لا يتصور أن هذه اللحظات المهينة ستكون قريباً من نصيب كل العالم. “لا تقل لي لا ترفع الصوت!” يقول له حمزة. “أنت تفهم ما تقوله لي؟”، يحاول الحنيطي تكرار التعليمات، فيقاطعه حمزة: “سيدي، أنا أردني حر، ابن أبي. أخدم وطني مثلما أقسمت على أن أفعل حتى موتي. أين كنت قبل عشرين سنة؟ كنت أنا ولي عهد هذه الدولة بأمر من أبي رحمه الله. أقسمت له بأن أخدم وطني وشعبي… وتأتي إليّ الآن بعد “التخبيصات” التي تمت، وتقول لي أن أطيع؟”.

بعد بضع ساعات من ذلك في يوم السبت، سُرب هذا التسجيل لأول مرة من الإقامة الجبرية على الأمير. وفي مساء ذاك اليوم، خرق حمزة التعليمات وسجل نفسه في فيديو تحدث فيه عن الأمر. وكانت حجته بسيطة ومقلقة. في عهد أبيه، قال، كان الأردن قدوة للتعليم والحريات والحكم السليم. ومنذئذ، تحولت إلى مملكة فساد، وإدارة فاشلة، وتكميم أفواه. مثلما ينكلون بكل من يتحدث ضدهم، هكذا هم ينكلون بي الآن.

ليست محاولة انقلاب

هذه القصة بعيدة عن محاولة انقلاب، بل ولا تقترب منها. ومع ذلك، فإن مثل هذا التحدي ضد عبد الله على لسان ابن العائلة لم يسبق أن حصل، ولا مدى كشف كهذا أيضاً. تعرف العائلة الملكية الأردنية كيف تحمي نفسها وتبعد أسرارها عن الجمهور، حتى لو كانت تتعلق به مباشرة. وبسبب قرب الدم بينهما، يشعر الملك بخطر كبير. فخيانة أخ مدعوم من كثيرين هي الأكثر خطراً. وقد شوش هذا تفكيره السليم مثلما يحصل للمرء عند الغضب الشديد. لو كان عمل برباطة جأش، كما هي عادته، لما وقع في الفخ الذي أعده لنفسه.

في الشطرنج هناك تعبير يسمى موت مدرج؛ تُغلق قلعتان على الملك، دون أن تكون هناك أحجار أخرى تفصل بينهما، وإذا ما فرّ من واحدة سيعلق بالأخرى. من اللحظة التي استعرض فيها حمزة العضلات ورفض إطاعة الإقامة الجبرية، قضى على الملك بموت مدرج، “إذا تنازل لحمزة عن الأمر فسيتخذ صورة الضعيف، وإذا ما ألقى به إلى المعتقل فسيعلل كل ما قيل عنه بأنه فاسد وكاتم للنقد”. لقد نسي عبد الله أن لحمزة حساباً طويلاً معه، وسيسعده أن يهينه على الملأ. لقد خرج الملك إلى المعركة واثقاً بانتصاره، وعندها وقع في كمين. واضح للجميع من انتصر في هذه الجولة دون أن يخرج متظاهر واحد إلى الشوارع، لقد نجح حمزة في غرس رسائله ونجح في أن يعرض الملك كمدير فاشل وطاغية.

لكل هذه الأسباب، سارع عبد الله إلى إنهاء الأزمة الحادة. فطالما بقي الحدث في العناوين الرئيسة، فإنه سيغذي النقد ضده على أدائه. تحولت المواجهة من اللحظة الأولى إلى صراع بين الخير والشر، بقبطان سفينة تهتز أطاح بأخيه الشاب كي يعين ابنه بدلاً منه، وهو الآن يفقد رباطة جأشه. حمزة ليس أميراً ككل الأمراء، يحبه الجمهور، ويذكّر بأبيه من حيث منظره وأسلوب حديثه، ويمثل للأردنيين ذكرى أيام الاحترام المتبادل والاستقرار.

غير أن الواقع معقد ولا ينقسم إلى أسود وأبيض مثلما في لوحة الشطرنج. من بين الاثنين، تلقى المسؤولية الثقيلة على كاهل أحدهما فقط. عبد الله الثاني يتصدى لجملة مشاكل آخذة في الاحتدام. البطالة تقترب من 40 في المئة بين الشباب، ولاجئون سوريون وعراقيون بالملايين، وصندوق يفرغ، ومياه تتقلص، ورؤساء عشائر غير راضين. وتضاف إلى كل هذا معدلات الإصابة بكورونا. في كل يوم يموت عشرات المرضى. والعدد تجاوز هذا الأسبوع 7.500 ضحية، ومن يدري أين يتوقف.

في 2004، عندما أطاح الملك بولي العهد الشاب ابن الملكة نور، عمل عبد الله بروح الساعة. كان هذا هو عهد ما قبل الربيع العربي. وكان يمكن للملوك أن يفعلوا ما يشاؤون. كانت نور وابنها من النظام القديم، وكان عبد الله في ذروة تموضعه في المنصب وبناء دائرة الموالين. وكان من الطبيعي أن يرغب في إحاطة نفسه بالموالين. في ثقافة القبيلة، وفي الغالب أيضاً في الحياة نفسها، الابن أكثر ولاء من الأخ. وكانت الإطاحة بحمزة في حينه ليست متوقعة فحسب، بل وطبيعية أيضاً. ولكن نور وأبناءها شعروا كأنهم أصحاب أسهم رُكل بهم إلى الخارج دون سبب منطقي. وهناك زُرعت بذور الانقسام. إن ضعف الأردن في السنوات الأخيرة يعزز إحساسهم بأن إبعادهم عن الطريق لم يكن ظلماً شخصياً فقط، بل وخطأ أيضاً. ومنذئذ، لاحقوا عبد الله في المفترقات الهامة، إلى أن وصلوا الذروة هذا الأسبوع. “ماذا يحصل في الأردن؟ حان الوقت لأن يتحمل الجميع المسؤولية”، غردت نور قبل نحو شهر في حسابها على “تويتر” وتناولت معدلات كورونا العالية. “أعداد متزايدة من الأصدقاء الأعزاء، الأصدقاء الذين هم أحبتنا، ومواطنونا الأعزاء – يحتضرون”.

الراشد المسؤول

تجسد هذه القصة بأن الملوك هم من بني البشر أيضاً. فهم هشّون، يحسدون، وأحيانا يفقدون رباطة الجأش. يشعر عبد الله بأنه يعمل ليل نهار للحفاظ على بقاء المملكة في وجه المخاطر. هذه مواجهة مفعمة بالتوتر. يحمل على كتفيه مسؤولية سلامة الوطن ومواطنيه، بينما المتفرجون أحرار في الانتقاد كما يحلو لهم، دون أن يعطوا الحساب لأحد.

رغم المصاعب، ينجح القصر منذ سنين في الحفاظ على استقرار السفينة، ويناور في بحر مزروع بالألغام… يكثر من الصراخ عن ضائقته، ولكن بعبث أحياناً أمام إخوانه العرب، والبيت الأبيض، وفي آذان الاتحاد الأوروبي، وفي واقع الأمر أمام كل من يمكنه أن يساعد، وها هو بينما ينفخ الملك أمام عقدة التحديات، يأتي حمزة ويسعى لإثارة احتجاج الجماهير ضده. ثار غضبه، ثارت حميته، فقرر أن يرد بقوة. في نظرة إلى الوراء، كان من الأفضل لو أنه أتاح لحمزة أن ينفذ بضع مظاهرات. فهو ورجاله خبراء لسنوات في معالجة احتجاجات الشارع. يوم الاثنين، جند الملكُ عمَّه الأمير حسن، للتوسط بين الطرفين. فوجد الراشد المسؤول طرفين تواقين للنزول عن الشجرة، وينتظران قوة تأتي لإنقاذهما من هناك. طُلب من حمزة وتفضل بكتابة تصريح يعرب فيه عن ولائه لوحدة العائلة ويعترف بالمساعي للحفاظ على استقرار الأردن. بعد يومين من ذلك، نشر عبد الله بياناً صادراً عنه. اتهم حمزة بمحاولة زرع نزاع عائلي يهز أمن الأردن، ولكنه هدّأ الروع بأن خطر الانقسام انقضى.

أشار الملك في بيانه إلى قرب استنفاد التحقيق، ونشر نتائجه. وأضاف إلى بيانه آية من القرآن “والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس” من سورة آل عمران. وهنا تكمن كل القصة. صحيح أنني غضبت كما يعترف الملك، ولكني جندت كل قواي وعفوت. وأجمل بأن “هذا التحدي لم يكن أخطر ما شهدنا، ولكنه كان أكثر إيلاماً”. والآن، أعزائي، سنتوجه إلى معالجة المشاكل الكبرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى