ترجمات عبرية

معاريف– بقلم الون بن دافيد – انتقامات صغيرة

معاريف– بقلم الون بن دافيد – 11/9/2020

الازمة في لبنان تفترض من نصرالله التصرف ببراغماتية وبلجم، ولكن حتى من عزلته اللامعة في خندقه في بيروت يصر على ابقاء الشمال على الاقدام“.

قبل ثلاثة ايام من نهاية سنة “تشف” ونقماتها، سنحظى ببضع لحظات من الراحة في احتفال التوقيع على اتفاق السلام مع الامارات، لحظات تحلي قليلا نهاية السنة المريرة هذه. بالتوازي معنا وبمتعة اقل بكثير، سيشاهد الصور من ساحة البيت الابيض الناس في رام الله وفي غزة، في طهران وفي دمشق ايضا، وسيتساءلون من ستكون حجر الدومينو التالي الذي سيسقط في العالم العربي ويعترف باسرائيل، وهل هذا سيصل في النهاية لصديقهم قطر ايضا.

من مكان مقره العميق تحت الارض في بيروت سيشاهد الاحتفال حسن نصرالله ايضا وسيشعر كيف تصبح عزلته لامعة اكثر فأكثر. فقبل اسبوعين فقط دخل الى العقد السابع من حياته، ومنذ الان لم يعد كل شركائه في الطريق معه: يد يمينه ومفكره الاستراتيجي، عماد مغنية، صفي في 2008؛ بعد سبع سنوات من ذلك بعث الى الموت بالابن ايضا، جهاد مغنية؛ يد مجهولة اقتطفت له حسن لقيس، رجل التكنولوجيا والمشتريات في 2013؛ هو نفسه صفى شريكه في الطريق مصطفى بدر الدين في 2016؛ وفي بداية السنة فقد سيده الداعم – قائد جيش القدس الايراني، قاسم سليماني. ليس له منذ الان مع من يتشاور.

ايران المنهارة تحت العقوبات تجد صعوبة في الدعم الاقتصادي لاعضاء المحور، والبديل الذي عينته لسليماني – اسماعيل كآني، عديم القدرة والروح لتثبيت التوسع الايراني مثل سلفه. في هذه الوضعية، ادعيت هنا قبل اسبوعين، بان نصرالله يجد نفسه هو الراشد الوحيد بين زعماء المحور، والوحيد الذي اصطدم باسرائيل، ولكني شككت في أن يكون هو ايضا راشد مسؤول. في شعبة الاستخبارات “امان” كما تبين لي، يعتقدون ان نعم.

في جملة من المقالات التي ستنشر في الايام القريبة القادمة يكتب باحثان كبيران العقيد غاي ود. كيرن بان نصرالله يتطلع لان ينسق نفسه الراشد المسؤول للبنان، الذي يحرص على مصلحته ومصلحة مواطنيه، اكثر مما يحرص على الطائفة الشيعية وايران. بزعمهما، فان الشرخ الاقتصادي في ايران الذي قطع بالنصف ميزانية حزب الله الى جانب الاحتجاج المتزايد في لبنان ضد التنظيم، اديا الى تغيير في مفاهيم نصرالله وهو اليوم براغماتي اكثر وحذر من المخاطر.

ان الاحتجاج الذي اندلع في لبنان في تشرين الاول 2019، ردا على “ضريبة الواتس اب” يعكس بزعمهما تشكل وطنية لبنانية جديدة، تفك ارتباطها عن الانتماء الطائفي. انطفأ الاحتجاج مع تفشي الكورونا، ولكنه عاد ليتفجر مع الانفجار في ميناء بيروت، حدث يطوي في داخله كل امراض الدولة اللبنانية: 2.750 طن من نترات الامونيا (التي لا تعود لحزب الله) صودرت وابقيت في الميناء الى جانب 15 طن من الالعاب النارية، حاويات نفط والاحماض – خليط يصبح قنبلة كاملة.

ضرب هذا الانفجار لبنان وهو يعاني من 40 في المئة بطالة، ويعلن عن انعدام القدرة على تسديد الديون ويعاني من تضخم مالي بمعدل 112 في المئة. يقدر الضرر جراء الانفجار بعشرات مليارات الدولارات، وليس هناك من يساعد. عرض صندوق النقد الدولي المساعدة، ولكنه اشترطها بتنفيذ سلسلة من الاصلاحات العميقة في الدولة اللبنانية الفاسدة.

الكثير من المتظاهرين الذين خرجوا مرة اخرى الى الشوارع كانوا شيعة، وليس مسيحيين او سُنة. ويدعي الباحثان العقيد غاي ود. كيرن بانهم يعكسون تطلعا واسعا في لبنان لنظام جديد، لخلق دولة فوق طائفية، نموذج القدوة لها هو اوروبي وليس شرق اوسطي. ويفهم نصرالله بان الخلاص لن يأتي له من السعودية، التي تبعد يديها عن لبنان، ولا من الصديقة الجديدة لاسرائيل – الامارات. وكان الرئيس ماكرون هو الوحيد الذي وقف في بيروت بعد الانفجار وهو ايضا سيطلب لجما وبراغماتية من نصرالله. دليل على ذلك كان يمكن أن نراه هذا الاسبوع في المحادثات على ترسيم الحدود البحرية بين اسرائيل ولبنان، حيث طرأ تقدم مفاجيء، وثمة احتمال جيد بان تنتهي بالتوافق.  

ضوء جديد في الافق

ومع ذلك، يصر نصرالله على حقه في قتل جندي اسرائيلي كانتقام  على موت لبناني في دمشق، لبناني ولد في السعودية ومشكوك أن يكون يعرف احد ما في حزب  الله.

فلماذا يحتاج نصرالله لان يخاطر بمواجهة مع اسرائيل بسبب موت مجهول في دمشق، بل وعلى خلفية الازمة الاقتصادية – الاجتماعية – السياسية – الصحية في لبنان؟ في شعبة الاستخبارات “امان” يؤمنون بانه يرى كيف تضرب اسرائيل الايرانيين والاسد في سوريا، ويريد أن يطلق الاشارة بانه لن يوافق على امتصاص الضربات دون رد. بتقديري، يشخص ضعفا اسرائيليا ويؤمن باننا مردوعين من أن نرد بحزم. في هذه الاثناء يستمتع بابقائنا متحفزين، نقف “على رجل ونصف” مثلما يقول. شمالنا يتصرف ظاهرا كالمعتاد، في جانبه المدني. ولكن 50 يوما من التأهب في قيادة المنطقة الشمالية تبدأ بلمس المدنيين. فالسكان في الشمال يشتكون من أنهم لم يعودوا يروا جنودا ودوريات على الحدود وان احساسهم بالامن الشخصي تضرر. وبتأخير ما، اعلنت اسرائيل بان ضربة ذات مغزى للجيش الاسرائيلي ستستجاب في ضربة للبنى التحتية في لبنان، ولكن نصرالله لا يزال يقدر بانه اذا اصاب جنديا – سيكون الرد الاسرائيلي منضبطا. وهو على ما يبدو محق: حزب الله سينجح في النهاية في اصابة جندي، واسرائيل سترد بشكل محدود.

في الجيش الاسرائيلي يؤمنون بان الرد على نار  القناصة نحو قوة في منيرا – هجوم على موقعي رقابة – فاجأ حزب الله وأوضح له بان اسرائيل مستعدة لان تعزز الردع. بتقديري، قد يكون الرد مفاجئا، ولكن نصرالله مستعد لان يأخذ المخاطرة ويتحدانا.

ما يقلقه اكثر من أي شيء آخر هو الازمة الاقتصادية. مع ميزانية 600 مليون دولار، نحو نصف الميزانية التي كان معتادا عليها، يصعب عليه دفع الرواتب ودعم المعاقين والعائلات الثكلى من الحرب في سوريا. وبينما سيرمز احتفال السلام مع الامارات الى ضوء آخر انطفأ  بالنسبة له، فان 18 تشرين الاول هو موعد سيشتعل فيه ضوء جديد. هذا هو اليوم الذي ينتهي فيه حظر الامم المتحدة على بيع السلاح لايران.

لا تزال الولايات المتحدة تحاول اقناع اعضاء مجلس الامن على اعادة فرض العقوبات على ايران، ما يسمى “سناب باك”، ولكن دون نجاح. الصين وروسيا تريا منذ الان كيف  تبيعان اسلحة متطورة للايرانيين، وهذا السلاح سيصل في النهاية الى حزب الله. ويعتزم ترامب ان يصل هو نفسه ليتحدث امام الجمعية العمومية الجديدة للامم المتحدة، التي ستعقد في معظمها بالفيديو، ولكن مشكوك أن يغير هذا ميزان القوى – هذه المعركة تبدو ضائعة.

يمكن للولايات المتحدة دوما ان تفرض بنفسها مزيدا من العقوبات على كل من يتاجر مع ايران. ولكن انتهاء الحظر سيبث ريحا في اشرعة الجمهورية الاسلامية وتطلعاتها النووية. العالم كله سينتظر نتائجالانتخابات في الولايات المتحدة قبل أن يقوم بخطوات هامة مع ايران. اذا انتخب لولاية اخرى، يمكن لترامب بعد أن يتحرر من اعتبارات اعادة انتخابه ان يفرض على ايران اتفاقا نوويا جديدا وجيدا. اذا انتخب المرشح الديمقراطي جو بايدن، الذي يعد منذ اليوم بالعودة الى الاتفاق النووي لاوباما، سنعود كلنا الى شرق اوسط قديم وغير جيد.  

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى