ترجمات عبرية

معاريف – بقلم البروفيسور آريه الداد – لمَ العجلة؟

معاريف – بقلم   البروفيسور آريه الداد – 5/3/2021

القرية العتيقة مي نفتوح، لفتا، لا تزال تنتظر احياءها. غير انه يوجد على ما يبدو كثيرون يفضلون ان تبقى بخرائبها “.

في المداخل الغربية للقدس تقع القرية العربية لفتا، المتماثلة مع البلدة العتيقة مي نفتوح التي تذكر بسفر  يهوشع كمن تقع على الحدود بين مُلك يهودا وبنيامين. في أواخر البيت الثاني كانت في المكان قرية تدعى “بيت لفتافي”. كما ان الصليبيين اقاموا هناك وفي العهد العثماني اقيم حول النبعة الوفيرة القرية المعروفة لنا اليوم.

في بداية حرب الاستقلال أمرت اللجنة العربية العليا النساء والاطفال باخلاء القرية وفي بيوتها تمترس مقاتلو “النجادة”. ومن هناك راقبوا وقنصوا القوافل في الطريق الى القدس. هاجم مقاتلو الهاغناة، الاتسل والليحي القرية، وانسحبت العصابات. بعد قيام الدولة انزل في البيوت الفارغة مهاجرون جدد من كردستان واليمن.  كما أن غزاة دخلوا دون إذن سيطروا على بعض من بيوت القرية. في جهود قضائية طويلة وباهظة الثمن جدا اخلي هؤلاء السكان. واعلن عن المكان محمية طبيعية. ولكن لا يوجد فراغ في الطبيعة. وبالتأكيد ليس في بلاد اسرائيل. فالقرية الفارغة وقفت كرمز في عيون انسال اللاجئين العرب الذين هربوا منها. بعضهم  سيطر على بيوت حارة اليهود فيالبلدة القديمة – وبعد حرب الايام الستة اخلوا وانتقلوا الى ابوديس. وهم يرون في القرية الفارغة من السكان علما وامكانية تعبير عن “حق العودة” الخاص بهم. جمعيات من اليسار المتطرف تدعم مطلب العرب للعودة الى القرية. وتحاول، بنجاح كبير، التخريب على كل خطط الترميم والبناء في القرية.

دولة اسرائيل، وكل مواطنيها اليهود الاسوياء يعارضون بالطبع عودة انسال اللاجئين. فالعرب هم الذين رفضوا مشروع التقسيم وشرعوا بهجوم اجرامي ضد الحاضرة اليهودية منذ غداة قرار الامم المتحدة. واستجابت الدول العربية لدعوة عرب البلاد وغزت دولة اسرائيل في يوم قيامها. ولكن اولئك الذين املوا بالقاء اليهود في البحر – وجدوا انفسهم في نهاية الحرب لاجئين في بلادهم او في دول مجاورة. حفرة حفرت – فوقعت فيها. ما بيتوا عمله لنا – حصل  لهم. هذه هي العدالة التاريخية. عشرات الاف قليلة فقط من اولئك اللاجئين بقوا في ايامنا، ولكن أنسالهم، بمن فيهم ابناء الجيل الخامس، لا يزالون يطالبون بالعودة. اكثر من خمسة ملايين منهم مسجلون في وكالة الغوث (الانروا) كلاجئين. سنت دولة اسرائيل في العام 1950 قانون أملاك الغائبين الذي يصادر ممتلكاتهم. معظم البلدات العربية دمرت في الحرب او بعدها، وتلك التي بقيت على حالها،  سكنها في معظمها مهاجرون جدد. وبالاساس لاجئون يهود من البلدان العربية.

هكذا حصل ايضا في لفتا، ولكن بيوت القرية كانت في وضع سيء. البنى التحتية الحديثة لم تكن فيها على الاطلاق، ودولة اسرائيل أخلت بالتدريج المهاجرين وكذا الغزاة الذين دخلوا الى بيوتها. الدولة لم تهدم القرية الجميلة، ولكنها ايضا لم ترممها مثلما فعلت في المالحة او في عين كارم). وبقيت الخرائب في قفرها.

***

في المجلة القديمة “الأمة” (العدد 221، شباط 2021) نشر مقابل يئير غباي، الذي كان عضوا في مجلس بلدية القدس وفي اللجنتين (المحلية واللوائية) للتخطيط والبناء. ويصف المجال قضية مخططات البناء في القرية العربية المهجورة.

بتأخير طويل، ولكن قبل 15 سنة نشرت مديرية اراضي اسرائيل خطة حماية، ترميم وبناء جديد للسكن وفنادق في لفتا. رفع بعض من انسال لاجئي القرية اعتراضا على الخطة، وطالبوا بالبيوت والاراضي. بحثت اللجنة اللوائية – وردت ادعاءاتهم.  جمعية اليسار المتطرف “نتذكر” اعترضت هي ايضا بدعوى ان الخطة “تتجاهل تماما حقوق اللاجئين  في العودة الى بيوتهم”. واعتراض كارهي اسرائيل رد هو ايضا. وفي ختام هذه الاجراءات نشرت مديرية اراضي اسرائيل عطاء لتأجير قطع الاراضي للبناء. ولكن العرب وجمعية اليسار المتطرف (حاخامون من اجل حقوق الانسان) رفعوا التماسا الى المحكمة لالغاء العطاء الى أن تستكمل كل مخططات الحماية والتخطيط المفصلة.

كل من تابع الاعتراضات لترميم لفتا فهم بان النية هي لابقاء القرية في وضعها كي تتاح في يوم من الايام عودة العرب اليها. ولكن المحكمة المركزية في القدس اغمضت عينيها عن ان ترى بانها هي ايضا تعطي يدا لتعزيز “حق العودة” للعرب. في العام 2012 الغت العطاء، وقضت بانه يجب اجراء ونشر “استطلاع حماية شامل” كشرط لنشر عطاء جديد. وبتقدير المحكمة – كانت حاجة لنحو ثلاثة اشهر لاستكمال العملية.

ثماني سنوات مرت منذئذ. ثماني سنوات باهظة. في بداية سنوات الدولة أملت الفكرة الصهيونية، العدالة الطبيعية وسياسة حكومة اسرائيل (مباي بن غورويون، كما تتذكرون) استيطانا يهوديا سريعا في الاحياء والقرى التي  هرب منها  العدو العربي. وحدة الهدف الصهيوني وطرق تحققه كانت مقبولة على كل اجزاء شعب اسرائيل، من اليمين ومن اليسار. ولكن ما كان يمكن عمله في تلك السنين بات اصعب بكثير بعد خمسين سنة. الفكرة الصهيونية للاستيطان في كل اجزاء البلاد – وكأن بها انطفأت. كارهو اسرائيل من الداخل قاموا علينا. متضامنون مع العدو العربي لحرب الاستقلال ومع انسال انساله. وجعلوا انفسهم جنودا في خدمة العرب. والمحاكم في عهدنا لم تعد تلقي بهم عن كل الدرج. فهي منصتة لادعاءاتهم وتساعدهم على دق العصي في الدواليب.

***

غير أن الموظفين العموميين ايضا لم يعودوا مفعمين بالحماسة لخلافة العدو والسيطرة على الارض مثلما كان اباؤهم. ثماني سنوات مرت. عطاء جديد للفتا – لم ينشر بعد. في العام 2013 بدأت سلطة الاثار بتنفيذ استطلاع شامل، كما طلبت المحكمة. استطلاع يمكن ان ينتهي بثلاثة اشهر – جر لثلاث سنوات. كل حائط وكل خربة من 80 بيت في القرية وثقت ورسمت وتلقت علامة عالية بسبب “القيمة المشهدية” لها. القرية في معظمها ان لم تكن  كلها من العهد العثماني. بعض من بيوتها بني  على بقايا بيوت اقدم، ولكن بقايا اثرية هامة لم يعثر عليها، ربما لانه جرى اعادة استخدام لها فيكل العهود. بقايا بيت مزرعة صليبية، ربما على اساسات من العهد الروماني، بقايا بيوت بد، مبنى استخدم مسجدا، النبعة الوفيرة واكثر من 80  بيتا او خربات بمستويات هدم مختلفة.  يوصي الاستطلاع بحماية كل القرية كوحدة واحدة. وفي واقع الامر استعادة القرية ورفعها الى الوضع الذي كانت عليه قبل 70 سنة. مثابة نصب  تذكاري للقرية العربية.

استكمل الاستطلاع الشامل قبل خمس سنوات ولكنه لم ينشر بعد عطاء تسويق جديد. توجهت لسلطة اراضي اسرائيل كي افهم لماذا. وكان هذا جوابهم: ” وفقا لقرار المحكمة، عينت  سلطة اراضي اسرائيل كجزء من الخطة ملحق حماية للقرية بكاملها، اعدتها سلطة الاثار… ولاحقا وضعت خطة تدمج 169 وحدة سكن جديدة ومئة اخرى للحماية، وكذا فنادق بحجم 120 غرفة. في اطار الاعداد للانطلاق  الى تسويق الخطة تستكمل سلطة اراضي اسرائيل هذه الايام معالجتها بسلسلة من الموانع (التسجيل، الاخلاءات، معالجة الغزوات). كما يشار الى أن العطاء يفترض ان ينطلق بالتنسيق مع بلدية القدس. صحيح حتى هذا الوقت لم تصل موافقة من البلدية للتسويق”.

ولما كانوا دحرجوا الكرة الى بلدية القدس، توجهت ايضا  اليها، وهكذا رد لي الناطق بلسان البلدية: “المنطقة موضع الحديث هي منطقة طبيعية ذات متطلبات حماية متشددة تجعل من الصعب الدفع الى الامام بخطط البناء. في ضوء قلة الاراضي الخضراء في المدينة، تعمل البلدية على حمايتها وعلى الدفع الى الامام بخطط بناء في  ظل اعطاء تشديد على خطط التجدد البلدي  وتقليص  المس بالبيئة وبالاراضي الخضراء”. جملة مغسولة على نحو عجيب ليست كفيلة بان تخفي الحقيقة في أنه حتى بعد مرور 15 سنة لم تقر البلدية خطط البناء.

القرية العتيقة مي نفتوح، لفتا، لا تزال تنتظر احياءها. غير انه يوجد على ما يبدو كثيرون يفضلون ان تبقى بخرائبها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى