ترجمات عبرية

معاريف  – بقلم ألون بن دافيد -هكذا تضيق فرص إسرائيل ويتحول لبنان إلى “غزة الشمال” 

معاريف  –  بقلم  ألون بن دافيد –   9/7/2021

هذا الأسبوع، ومن الحدود الشمالية، كان يمكن أن نرى بالعين المجردة الظلام الذي يخيم على لبنان. فبعد غياب الشمس، غرقت قرى الجنوب في ظلام شبه دامس. وفي ظل استحكامات حزب الله، واصلت الفوانيس تضيء بنور قوي. الدولة التي أملت ذات مرة بأن تكون “سويسرا الشرق الأوسط” تبدو الآن أكثر شبهاً بغزة، حين غدت الحمير البضاعة الأكثر طلباً في الدولة، بغياب الوقود لتحريك وسائل مواصلات أخرى.

يميل الجيش الإسرائيلي برؤية أزمة لبنان الاقتصادية على أنها تهديد. والرأي السائد هو أن الأزمة كفيلة بأن تشكل فرصة لإيران للظهور كمخلص للبنان أو لتشجيع حزب الله على السيطرة علناً على ما تبقى من الدولة اللبنانية. غير أن خطوات كهذه ستنهي أي احتمال لمساعدة دولية وتدفن لبنان عميقاً في الأرض. بالمقابل، في إسرائيل من يرى في هذه الأزمة فرصة لدحر أقدام حزب الله من مكانته كمتوج الحكومات في لبنان، بالتعاون مع ضغط دولي وداخلي.

في نصف القرن الماضي مرت معظم الأيام على لبنان وهو يتنقل من مصيبة إلى أخرى. فمن نتائج اتفاق سايكس بيكو على خريطة الشرق الأوسط كان هو أول من تفكك. بين حروب أهلية، وتلال من قوات أجنبية وتوتر طائفي دائم، حرص لبنان على حفظ تراث حكم فاسد وغير ناجع. أما الآن، كما يدعي البنك الدول، فإنه يشهد إحدى حالات الركود الأكثر حدة التي شهدها العالم في الـ 200 سنة الأخيرة. مع 7 مليون مواطن، نجح لبنان في ذروته (في العام 2018) في تحقيق إنتاج محلي بمقدار 55 مليون دولار – نحو ثمن ما تنتجه إسرائيل التي هي ليست أكبر منه بكثير. في السنتين الأخيرتين انخفض هذا الإنتاج بـ 40 في المئة، إلى 33 ملياراً. والأخطر من هذا، فقدت الليرة اللبنانية 90 في المئة من قيمتها.

الحكومة اللبنانية التي أخذت القروض على مدى السنين بلا غطاء وأعادت جدولتها بلا انقطاع، كانت تعرف أن سيكون هناك أحد ما في النهاية يمنحها حقنة مطيلة للحياة. ولكن بعد سنة من الحكومة الانتقالية وبغياب قدرة على إقامة حكومة جديدة، اكتشف لبنان أن الفرنسيين والأمريكيين بل والسعوديين ملوا في عصر كورونا من إلقاء المال إلى الثقب الأسود الذي فتح في المكان الذي كانت فيه دولتهم ذات مرة. مع راتب يساوي اليوم عُشر ما كان يساويه قبل سنتين، فإن مواطني لبنان العاملين أيضاً يجدون صعوبة لإطعام أنفسهم، فما بالك أن يملأوا خزان وقود السيارة. يختنقون في بيوتهم تحت الحر الشديد بدون مكيف، ونفدت حتى الأقراص المضادة لآلام الرأس من الصيدليات.

جنود الجيش اللبناني الذين عملوا كعنصر لجم على طول الحدود في حملة “حارس الأسوار” مطالبون الآن بأن يجمعوا لانفسهم المواد الغذائية الأساسية. فالراتب العسكري الذي كانت قيمته في الماضي نحو 500 دولار، يساوي الآن نحو 50، وينظرون بعيون تعبة إلى رجال حزب الله الذين يتلقون أجرهم وغذاءهم كالمعتاد.

يتابع الجيش الإسرائيلي الأزمة المتعمقة بقلق، ويرسم سلسلة من سيناريوهات الخروج منها، وكلها مقلقة: من توسيع مناطق حكم ذاتي تحت سيطرة حزب الله، إلى سيطرة علنية مطلقة على كل مؤسسات الحكم، بإسناد إيراني. غير أن ليس للاقتصاد الإيراني المتعثر قدرة على أن يرفع لبنان المتحطم ويوقفه على قدميه. في أقصى الأحوال، يمكنه توزيع السكاكر عليه في شكل مساعدة موضعية بالمال أو بالنفط.

حزب الله هو الآخر يبدو كمن يهرب من هذه الأزمة. فأساس خطابه هذا الأسبوع كرسه نصر الله بدروس المعركة الإعلامية حيال إسرائيل في أثناء حملة “حارس الأسوار”. لقد فقد نصر الله نزعة المغامرة التي عنده تجاه إسرائيل كما كانت قبل 15 سنة، حين أنزل سلاح الجو 24 طناً من المواد المتفجرة على حي الضاحية. ولا يبدو أنه يشتاق لاستعادة التجربة، والوضع الداخلي في لبنان يفرض عليه المزيد من ضبط النفس. يعرف نصرالله بأن الغضب المتصاعد في الجمهور اللبناني كفيل بأن يتفجر ضده قريباً أيضاً كمن يشكل العائق الأساس في وجه تلقي المساعدة والاستثمارات من الولايات المتحدة والسعودية. وبدا أن الفرنسيين كمن فقدوا الاهتمام؛ فماكرون، الذي سارع لأن يمتثل بقميص مكوي في مرفأ بيروت بعد الانفجار، يبعث الآن بوزير خارجيته بدلاً منه، ولن يسارع إلى استثمار المال الفرنسي في دولة أجنبية بينما يدخل سنة الانتخابات. كما أن العالم العربي يئس من الاستثمار في الدولة الفاشلة.

كبادرة طيبة علنية، اقترح وزير الدفاع هذا الأسبوع المساعدة على لبنان، ولكن هذا كان مجرد اقتراح لفظي. في الغرف المغلقة تطلب إسرائيل من كل أصدقائها –الولايات المتحدة، وفي أوروبا والخليج، ألا ينقلوا إلى لبنان أي دولار طالما بقي حزب الله يقيم مشاريع الصواريخ الدقيقة في قلب بيروت. إسرائيل تؤيد المساعدة الإنسانية للجيش اللبناني الجائع، ولكنها تسعى ألا يزود بوسائل قتالية أخرى يمكن أن توجه ضدنا. تبدو السياسية الإسرائيلية منطقية، ولكن كفيلة بأن تكون لها نتيجة غير مرغوب فيها. ففي غياب مساعدة غربية، تدخل روسيا والصين إلى الفراغ، وتعرض على لبنان استثمارات في إعادة بناء المرفأ، وإقامة محطات توليد طاقة ومصافي نفط. منذ اليوم، تمتنع إسرائيل عن العمل علناً ضد حزب الله في لبنان، وإن دق وتد روسي في هذه الدولة أيضاً كفيل بأن يضيق علينا خطانا أكثر فأكثر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى