ترجمات عبرية

معاريف: العاب الجوع

معاريف – آنا برسكي – 28/7/2025 العاب الجوع

مثل أسطوانة مشروخة، تجد إسرائيل نفسها مرة أخرى في مركز حملة وعي فتاكة ومرة أخرى في وضعية الخاسرة الدائمة. صور أطفال غزيين، مياه عكرة وفتات خبز تحتل عناوين الصحف في العالم، لكن من خلف الصور يوجد صراع آخر، اعمق، يجري ليس فقط على ارض غزة بل في قلب الاجماع الأخلاقي الإسرائيلي – صراع تلعب فيه حماس الشطرنج وإسرائيل ترد وكأنها تلعب الداما.  

النقاش المتعاظم عن التجويع في غزة يحظى بحضور بارز وسائد جدا في الساحة الدولية لكنه يبقي خارج الصورة نقطة المخرج – حماس لا تزال تحتجز 50 مخطوفا، اقتطفوا بوحشية من بيوتهم في 7 أكتوبر. وبدلا من أن يدور الحديث حول مطلب تحريرهم الفوري، يتركز على الوضع الإنساني في غزة – وضع تعمل حماس على إخراجه لأغراض الدعاية. 

هذا ليس قدرا. هذا ليس وضع “لا يوجد ما يمكن عمله، الأغلبية ضدها”. هذا قصور فكري واعلامي صارخ. حماس تستغل معاناة السكان التي خلقتها وتبقيها هي نفسها كي تحرف الاهتمام عن الجرائم التي تنفذها بمنهاجية. والنتيجة – إسرائيل تعرض كمسؤولة حصرية عن الضائقة. اما المخطوفون، السبب الحقيقي للحرب فيختفون عن الخطاب الجماهيري.

ظاهرا، كان يمكن لهذا ان يبدو بشكل مختلف. فقد حسمت إسرائيل المعركة ضد حماس كقوة عسكرية للمنظمة. الزعماء لذين قاموا بالمذبحة في أكتوبر صفوا. حماس في غزة لم تعد تحكم بحجوم وبقوى مثلما كانت تريد ومثلما تحاول أن تعرض. ماذا تفعل اسرائيل في هذا الوضع؟ هي لا تفعل. 

بدلا من بلورة سياسة واضحة لليوم التالي – بالاعمار، بالاعلام، بالسعي الى تسوية سياسية او بوقف النار – إسرائيل اختارت ان تغرق في نوع من الغيهب الاستراتيجي، الذي تجري فيه الخطوات بقوة القصور الذاتي والضغوط السياسية وليس انطلاقا من الرؤيا.  هذا ادعاء يبدو كنسخ مخيف للانباء من يوم أمس. هذا بالضبط ما كتبناه قبل سنة، قبل نصف سنة – واليوم أيضا. لم يتغير شيء. ولماذا يتغير، اذا كانت هذه هي السياسة التي تأتي من فوق. 

البيت الأبيض أيضا، وعلى رأسه الرئيس دونالد ترامب، ليس معفيا من المسؤولية، رغم أنه اعرب بضع مرات عن رغبته في انهاء الحرب في غزة اختار ترامب ان يصدق وعود نتنياهو بان “حماس بعد لحظة تنهار”. ان الفهم بان حماس مستعدة لان تدفع ثمنا دمويا هائلا كي تبقي على حكمها، ببساطة لم يتغلغل عميقا حتى الأيام الأخيرة، مع تفجر الاتصالات في قطر. 

لقد فهمت حماس منذ زمن بعيد نقطة ضعف الغرب – الاخلاق والرحمة. وهي تستغلهما ليس كي تحمي شعبها بل كي تمارس الضغط على إسرائيل. كل صورة رضيع يبكي او عجوز مجوعة هي صاروخ وعي يخترق الرأي العام العالمي. هذه استراتيجية معروفة، وهي تنجح. لا يهم كم مرة يعرض فيها الناطقون العسكريون شاحنات المساعدات التي تنتظر على الحدود – حين تكون الصورة هي صورة جوع، تكون القصة قد رويت. 

في عالم سليم، الطلب الاولي كان ينبغي أن يكون واضحا – تحرير المخطوفين، وفقط بعد ذلك مساعدات إنسانية كاملة وتحسين الوضع الإنساني في القطاع. عمليا، الترتيب معاكس. إسرائيل تعرض كمن ينبغي لها أن تشرح مجرد وجودها، وحماس – منظمة إرهاب تحتجز مدنيين كرهائن تصبح الضحية. النتيجة خطيرة ليس فقط على المستوى الإعلامي بل أيضا على المستوى العملي. حماس تحصل على مزيد من الوقت. على مزيد من ريح الاسناد. مزيد من الحوافز لمواصلة النهج إياه. والمخطوفون – يدحرون جانبا. فما الغرو انه رغم الجوع في غزة، رد حماس يبدو كصفعة اكثر مما هو رد من منظمة تشم الهزيمة. 

اذا كانت إسرائيل تريد ان تعيد نفسها الى المسار السياسي والإعلامي، فان عليها أن تتوقف عن الرد والبدء للمبادرة الى حملة إعلامية جدية، ومرغوب فيه أيضا منحى لصفقة بلا مراحل، يضع حدا للحرب التي تواصلت لزمن اكثر مما ينبغي. طالما كان هذا لا يحصل سنواصل دفع الثمن في صورتنا والغرق في مستنقع العزلة الدولية.

المستوى السياسي في إسرائيل لا يزيح عن موقفه. إحساس الحماية السياسية الذي يعتقد بان “ترامب معنا” هو وهم خطير. بالفعل، ترامب مع إسرائيل ومع نتنياهو، لكن الرئيس الأمريكي لا يعيش في جزيرة منعزلة. هو ورجاله أيضا يرون ويسمعون الجوع في غزة وتأثيره على الرأي العام بما في ذلك في داخل الولايات المتحدة.

توجد طرق عديدة للرد على حملة التجويع في غزة باستثناء الإعلان عن التأييد لدولة فلسطينية. بغياب استراتيجية دبلوماسية إعلامية واضحة، حادة وعملية – ذات يوم من شأننا ان نكتشف ان العالم انتقل من الاقوال الى الأفعال وعندها حقا سيكون فات الأوان. 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى