ترجمات عبرية

معاريف: السفير الأردني في الحرم القدسي: قصة متفجرة للعلاقة بين عمان والقدس

معاريف 20-1-2022، بقلم جاكي خوجي: السفير الأردني في الحرم القدسي: قصة متفجرة للعلاقة بين عمان والقدس

بطل أم مشعل نار؟ مثل كل شيء آخر عندنا هذه الأيام، تنقسم الآراء في هذه المسألة إلى قسمين. المقصود هو الشرطي المجهول من شرطة المبكى الذي أوقف سفير الأردن لدى إسرائيل، غسان المجالي، ورجال حاشيته. حصل هذا ظهر الثلاثاء، حين وصل إلى الحرم ليصلي في المسجد الأقصى. وكان يرافقه نائبه وعاملون آخرون في السفارة، وسار إلى جانبه مدير الأوقاف، الشيخ عزام الخطيب.

لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يأتي فيها المجالي للصلاة في المكان، ولم يسبق أن حدثت مشكلة في ذلك. منذ ثلاث سنوات ونصف وهو يخدم في منصبه، وهو يزور الأقصى مرة كل شهرين أو ثلاثة. وهذه هي إحدى مهامه بصفته مندوباً رسمياً للقصر الأردني في إسرائيل. اتفاق السلام بين الدولتين منح البيت الهاشمي مكانة خاصة في الحرم. هذا التعريف “مكانة خاصة” صاغتها طواقم السلام في 1994. وهي غامضة وتترك مجالاً للتفسير. ولكن سنعود لهذا مرة أخرى.

عند الساعة الواحدة، قبل وقت قصير من الصلاة، وصلت سيارة السفير الفاخرة إلى مشارف باب الأسباط. وكان الشيخ الخطيب كعادته ينتظره هناك. مدير الأوقاف ليس شخصية مجهولة، وهو معروف جيداً لدى كل عاملي مجال الأقصى، يهوداً ومسلمين. فهمت الشرطة ذلك، ومع وصول حاشية السفير، سمحوا لأعضائها بالدخول. سارت الجماعة بضعة أمتار إلى الداخل، وعندها بدأت الجلبة.

على شفا مشادة

شرطي واحد من أولئك الذين يرابطون في الباب توجه للسفير وطلب منه التوقف. واصل السفير السير، ورداً على ذلك سد الشرطي طريق السفير بجسده. يرى الأردنيون في الحرم منطقة إسلامية أودعت رعايته لهم، ولا يعترفون بإسرائيل كصاحبة السيادة على الحرم، لكن لا يمكنهم أن يتجاهلوا حقيقة أنها هي القوة التي تحوز الحرم. رأى الشرطي السفير يزور دون أن يعرف نفسه وفقاً للنظام، فتوجه لإصلاح الخلل. أما السفير بالمقابل، فرأى في الشرطي مرجعية غريبة تمنع دخوله إلى مُلك أردني. هذه الفجوة كادت تؤدي بالطرفين إلى مشادة.

“هذا حق دبلوماسي”، شرح للشرطي نائب المجالي، مد يده وأبعد الشرطي عن جسم السفير. رأى الشرطي في اليد الممدودة فعلة اعتداء، فدفع عنه النائب بالقوة، وبقي على موقفه. “قف هنا”، أمر السفير ومنعه من التقدم. “ابتعد عنه”، أجابه النائب بغضب. “سر إلى الوراء”، أجاب الشرطي، وأضاف: “خطوة أخرى وأطيرك من هنا”. هذه الكلمات (بالعربية: بحملك من هون) هناك من يترجمها كمجرد طرد، لكن آخرين سيرون في ذلك تهديداً أخطر: سأقتلك، وفي أفضل الأحوال – لن تخرج من هنا على قدميك.

وصل المكان ضابط أعلى، طلب بأدب من الحاشية أن تنتظر صدور الإذن. قرر السفير المجالي ألا ينتظر وخرج من المكان احتجاجاً. انتشرت القصة على الفور في مواقع الأخبار. حكومة الأردن تلقت تقريراً مفصلاً من سفيرها، وسارعت لاستدعاء السفير الإسرائيلي إيتان سوركيس إلى حديث توبيخ. شرطة القدس سارعت لنشر بيان. وجاء في البيان أن الزيارة لم تنسق مسبقاً مع الشرطة. “لم يتعرف الشرطي على الشخصية”، ادعت الشرطة، وعليه فقد أخر دخول الحاشية لزمن قصير. دخول السفير لم يمنع، كما جاء في البيان، هو الذي قرر في مرحلة معينة أن يغادر.

رغم ما جاء في البيان الشرطي، يثبت التوثيق بأن دخول السفير منع بالقوة. فإذا كان مطلوب له إذن فعلاً، فكيف اجتاز السفير ورجاله خلية حفظ النظام في باب الأسباط دون عراقيل. كما يمكن العجب من المجالي نفسه، لماذا رفض طلب الشرطي التوقف حتى وإن اعتقد بأن طلبه لا داعي له.

شكوك متبادلة

لكن الأساس في القصة التي أمامنا ليست هذا، بل عدم الثقة بين الطرفين. الأردنيون لا يصدقون رواية الشرطة بأنها فوجئت بوصول السفير. والدليل أن الشرطة في المنطقة سمحت لكل الحاشية المحترمة بالمرور عنهم. الأردنيون يقولون: هناك كاميرات، أنتم تعرفون كل شيء دوماً، وبالتالي كان هنا استفزاز ضد السفير، وهذا جزء من سياسة. واذهب لتشرح لهم بأن حتى للجندي البسيط عندنا، أو كما نسميه بالعبرية حارس الكتيبة، صلاحيات.

السفير غسان المجالي شخصية أديبة ولطيفة المعشر. من المفاجئ أن نراه في قلب جلبة كهذه. مرسلوه في عمان لم يعملوا أكثر من استدعاء السفير الإسرائيلي. بعد ثلاث ساعات من الجلبة، وصلت الحاشية إلى الحرم مرة أخرى. لكن الحادثة انتشرت جداً وأظهرت أي مسؤولية ملقاة على أكتاف شرطي واحد. كما علمتنا قدرة اللجم العالية التي لدى الأردنيين. لم تكن حادثة عادية؛ فهؤلاء هم مبعوثو الملك ممن تلقوا الإهانة علناً، بل وفي المكان المقدس ومن إسرائيلي في بزة رسمية.

عصفت الخواطر عبر الشبكات الاجتماعية، وتلقى الأردنيون والفلسطينيون في هذا الحدث تأكيداً على زعمهم بأن إسرائيل قوة تعسفية تسعى للاستفزاز. وصفق المتصفحون الإسرائيليون للشرطي المجهول. هكذا تستعرض السياسة، كما أخذوا الانطباع.

هذا التقسيم ليس من نصيب الفيسبوك والتويتر فقط، بل هو مثال على العلاقات كلها. أصدقاؤنا واثقون من أن إسرائيل آلة تعمل بلا خلل. ولن يصدقوا بأن الشرطي عمل بدافعية زائدة وبتمسك زائد بالأنظمة. وهم واثقون بأنها سياسة. وأن دولة إسرائيل بعثت به ضمناً أو صراحة للتحرش بالسفير. هذه هي الحال منذ سنين في العلاقات معهم، ومع المصريين أيضاً. مثلاً في كل ما يتعلق بالتدهور في “المناطق” [الضفة الغربية]، يبقى جيراننا واثقين من أن إسرائيل عملت على تصعيد الوضع عمداً، وأن الجيش الإسرائيلي أثقل يده على مسلحي نابلس وجنين بتأثير من بتسلئيل سموتريتش وايتمار بن غفير أو بأوامر أفيف كوخافي.

يمكنكم أن توفروا حياة الإنسان، هكذا يقولون لنظرائهم الإسرائيليين، فليس واجباً قتل فتيان يتظاهرون أو يرشقون زجاجات حارقة. أما في إسرائيل فيقولون: كل واحد من هؤلاء يمكنه أن يقتل. فيرد عليهم أبناء عمومتنا: يمكن إصابته فقط، بإطلاق النار على الأرجل.

هذه الفجوة في الشهر الأخير منذ أن تسلمت حكومة نتنياهو الجديدة مهامها. مبعوثون من كل مكان جاءوا وخرجوا وهاتفوا نتنياهو نفسه، والشباك، ووزارة الخارجية، ووزارة الدفاع. مسؤولون مصريون، وفلسطينيون، وأردنيون، كلهم سألوا نظراءهم في إسرائيل إذا كانت هناك نية لتصعيد الوضع في الحرم. فأجاب الإسرائيليون كالجوقة: لن يكون تغيير في الوضع الراهن. وعندها حج بن غفير إلى الحرم. في الأسبوع الأول لولايته كوزير.

سنلتقي في رمضان، بعد شهرين فقط.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى