معاريف: التطورات الأخيرة تسمح للرياض الدفع بتغييرات تؤثر بشكل دراماتيكي على المنطقة

معاريف 9/10/2024، ميخائيل هراري: التطورات الأخيرة تسمح للرياض الدفع بتغييرات تؤثر بشكل دراماتيكي على المنطقة
“الربيع العربي أحدث تغييرات دراماتيكية في المنطقة، آثارها واضحة حتى اليوم. احد التطورات المثيرة للاهتمام يتعلق بالفراغ الذي نشأ عقب ضعف اللاعبين العرب التقليديين، ودخل اليه السعودية (واتحاد الامارات)، واندمج مع السياسة الطموحة لولي العهد السعودي، والتي احد تعابيرها يتعلق بـ “التسكع” الذي جرى مع إسرائيل بتطبيع ممكن، بالطبع كجزء من اتفاق استراتيجي مع الولايات المتحدة. هذه الامكانية لم تشطب عن الطاولة، على الأقل ليس تماما وحتى في اثناء الحرب في غزة.
ان التطورات في الأسابيع الأخيرة، مع التشديد على تصفية نصرالله (ومعظم قيادة المنظمة)، مثلما أيضا في المواجهات المباشرة، غير المسبوقة، بين إسرائيل وايران خلقت شروطا جديدة من ناحية السعوديين. وتجدر الإشارة الى عدة خطوات هامة على نحو خاص من جانبهم: تصفية نصرالله والاعمال البرية الإسرائيلية في جنوب لبنان خلقت ظروفا جديدة كفيلة بان تساعد على تقدم خطوات معينة في الساحة السياسية اللبنانية، لم تكن متاحة من قبل. وعلى رأسها، انتخاب رئيس. هكذا، في الأيام الأخيرة يبرز نشاط دبلوماسي مكثف في بيروت تقوده الولايات المتحدة وفرنسا وبدعم حماسي من السعودية. الهدف، كما اسلفنا، هو استغلال ضعف حق الفيتو من جانب حزب الله لاجل الدفع قدما بانتخاب رئيس ما سيشق الطريق الى إقامة حكومة، وربما إعادة الثقة بالتدريج بمؤسسات الدولة. رئيس الحكومة المؤقتة ميقاتي أشار الى أن في نيته عمل ذلك، ونبيه بري، زعيم أمل الشيعية يحظى بمغازلات مكثفة لاجل الدفع بهذا قدما. المرشح المتصدر، المقبول من الغرب والسعوديين، هو قائد الجيش جوزيف عون. مفهوم من تلقاء ذاته بان هذه الخطوة تتعارض والمصلحة الإيرانية، وينبغي التوقع بان ترد طهران الحرب الصاع بالصاع في هذا السياق.
حيال إسرائيل، اطلق السعوديون ايضاحا لا لبس فيه بالنسبة للشرط المسبق والضروري لاقامة علاقات معها. فقد أوضح وزير الخارجية السعودي بان “السعودية ستعمل بلا كلل على إقامة دولة فلسطينية عاصمتها شرقي القدس، ولن تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل دون تحقيق هذا الشرط”.
خطوة مشوقة بقدر لا يقل تلوح في مجال الطاقة. تقرير مشوق في “فايننشال تايمز” (26/9) يفيد بان السعودية تتوسط لزيادة انتاج النفط بمليون برميل آخر في اليوم، خطوة ستستكمل في كانون الثاني 2025. وهكذا تغير الرياض بشكل كاسح سياستها التي تطلعت للإبقاء على سعر برميل النفط في محيط مئة دولار. واضح من تلقاء ذاته ان هذا سيدخل مالا اقل في صندوق الدولة، لكن السعوديين يمكنهم ان يسمحوا لانفسهم بهذا سواء في ضوء وسائل مالية من مصادر أخرى، وكما اسلفنا ربما كجزء من تغيير اتجاه استراتيجي. فضلا عن ذلك، فان خطوة من هذا القليل ستمس بشكل جوهري بدول أخرى مصدرة للنفط مثل ايران وروسيا، والتي لا يمكنها أن تسمح لنفسها بانخفاض بسعر النفط. يدور الحديث عن إشارة واضحة لا مثيل لها نحو واشنطن.
كل هذا كفيل بان يشير الى الإمكانيات الجديدة التي نشأت في الرؤية السعودية لتحقيق عدة تغييرات كفيلة بان تؤثر بشكل دراماتيكي على المنطقة. ينبغي الافتراض بانهم في الرياض راضون عن الضربات التي تلقتها ايران وحلفائها في الأسابيع الأخيرة وان كانوا علنا لا يعبرون عن ذلك ويدعون الى وقف النار. ليس للسعوديين مصلحة لاشعال المنطقة. توجد مصلحة في اضعاف ايران. لا يمكن أن نعرف كم يمكن لهذه الخطوات أن تتوج بالنجاح، والكثير منوط بخطوات إسرائيل واهميتها للمدى البعيد اكثر من اليوم التالي. وبالطبع بنتائج الخامس من تشرين الثاني.