ترجمات عبرية

معاريف – البدء من جديد

معاريف – بقلم  البروفيسور آفنر بن زكان – 2/5/2021

” لقد اثبت الاحتجاج في  السنة الماضي بان اسرائيل هي مجتمع معافى، محجوز في جسد مريض. مؤسسة الدولة بحاجة لتغييرات بنيوية، حان الوقت للخروج في نداء لتغيير طريقة الحكم والبدء من جديد “.

في المعارك الانتخابية الاربعة الاخيرة برزت ظاهرتان غريبتان: الاولى هي أنه لم يتحدث اي سياسي عن أن أربع معارك انتخابية متوالية لم تحسم بوضوح هي دليل قاطع على أن طريقة الانتخابات الحالية لم تعد ناجحة. الظاهرة الغريبة الاخرى هي أنه منذ اكثر من سنتين تقف كتلتان سياسيتان تحملان فكرا مشابها جدا، تقفان الواحدة تجاه الاخرى وتخوضان حرب ابادة سياسية.

لقد أعطت الظواهر الغريبة مؤشراتها في الاحتجاجات الكثيرة التي جرت في السنة الاخيرة. فهتافات “فقط لا نتنياهو” استبدلت بـ “نتنياهو مذنب بالوضع”، والنقاش السياسي في اسرائيل يواصل التمترس على المستوى الشخصي. ولكن اذا ما عطلنا البعد الشخصي، فاننا سنبقى مع تفسير واحد – التفسير البنيوي. دولة اسرائيل تعيش في دوامة أزمة تاريخية أصلها في عدم التوافق بين عالم المفاهيم والواقع المتغير بسرعة.

في العام 1948، في أمر طاريء، اقيمت الدولة على اساسات مؤقتة في ظل ارتجال الترتيبات التي بين الدين والدولة، بين السلطات المختلفة وبين المواطن والدولة. ومع مرور السنين، البست المنظومة السلطوية رقعا فوق رقع من الحلول المؤقتة والسطحية. ولكن الحلول المؤقتة لم تعد تعمل، والساحة السياسية لم تعد قادرة على خلق  الحلول. بدلا من ذلك، فانها تتركز في سياسة قبلية وشخصية. كنتيجة لذلك، طافت الى السطح المشاكل العميقة في اثناء المعارك الانتخابية الاخيرة بكل شدتها، ومع أزمة الكورونا ادت بنا الى شفا حرب اهلية.

هذه الازمة التاريخية تضع الواحد امام الاخر معسكران ليست فقط افكار اليسار واليمين تفصل بينهما. عمليا تنقسم الخريطة السياسية الاسرائيلية بين معسكرين يمثلان مبان اجتماعية وتاريخية. من جهة، مؤيدو النظام القديم (ما يسمى يسار – وسط)، ممن يروجون للديمقراطية عبر مفاهيم مثل “حرية التعبير”، “سلطة القانون” و “حقوق الاقليات”. يدعي هؤلاء بان الديمقراطية ستدمر. في حقيقة الامر، فانه بالنسبة للكثير من الاسرائيليين ما سيدمر هو الديمقراطية المعوقة. إذ بالنسبة للعرب مثلا فان “سلطة القانون” هي التي دحرتهم الى ما وراء جدار الشرعية. بالمقابل فان مؤيدي دمار النظام القديم (من يسمون اليمين) يروجون للديمقراطية عبر “سلطة الاغلبية”، ويدعون بان الديمقراطية المعوقة عملت على مدى كل السنين ضدهم وان “ارادة الشعب” تسمح بتغيير قواعد اللعب وتحويل الديمقراطية المعوقة الى ديمقراطية معوقة أكثر فأكثر، الديمقراطية التي هي من نصيب أغلبية المواطنين.

في أزمة الكورونا انهارت امام اعيننا القشة التي قامت عليها مؤسسة الدولة الاسرائيلية. كل  واحد من الطرفين تمترس عميقا اكثر في مفهومه العليل للديمقراطية، ولم يقترح اي طرف بعد جمع وربط اجزاء الفكرة الديمقراطية في اطار فكري واحد يمكن صياغته في دستور فقط. الوضع الحالي هو فرصة تاريخية لخلق تغيير في التفكير. لهذا الغرض ينبغي ترك محجرات عالم المفاهيم القديم والانتقال من التركيز على ذنب زعيم واحد الى التركيز على طريقة الحكم نفسها التي لا تسمح لنا بان نتجاوز هذه الازمة.

هذه طريقة سياسية سيئة تسمح لرئيس وزراء واحد بان يحكم لزمن طويل جدا، وفي بعض الوقت حتى وهو تحت لوائح الاتهام؛ طريقة أدت لان تصمم مجموعات ضغط سياسة الصحة العامة؛ طريقة عمقت الاستقطاب. علينا أن نبدأ بالبحث في مسائل جديدة: اي نظام سياسي جديد نريد؟  اي طريقة انتخابات كفيلة بان تضمن تمثيلا لمصالحنا المدنية؟ كيف سيكون ممكنا خلق توافق وطني حول قواعد اللعب السياسية؟

لقد اثبت الاحتجاج في  السنة الماضي بان اسرائيل هي مجتمع معافى، محجوز في جسد مريض. مؤسسة الدولة بحاجة لتغييرات بنيوية، حان الوقت للخروج في نداء لتغيير طريقة الحكم والبدء من جديد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى