ترجمات عبرية

معاريف: إسرائيل بحاجة إلى إستراتيجية ردع نووي تجاه إيران

معاريف 2022-06-21، بقلم: حاييم تومر

يظهر قطع الإيرانيين لكاميرات المراقبة بموقع التخصيب في كاشان، وإعلانهم بدء بناء موقع محصن جديد في نتناز، أن وجهة طهران ليست نحو التسوية.

وفقاً لمنشورات مختلفة، فإن إيران تملك منذ اليوم كمية يورانيوم مخصب بمستوى منخفض تكفي – إذا ما خصبت لمستوى أعلى – لإنتاج مادة لثلاث قنابل أولى.
في السطر الأخير، إذا قررت إيران البدء بتخصيب اليورانيوم لمستويات عالية (60 في المئة فما فوق) في الوقت القريب القادم، فإنه سيكون أمام إسرائيل تحد لم تشهد مثيلاً له منذ حرب “الأيام الستة”، عندما ستضطر عملياً مرة أخرى إلى أن تواجه خصماً أيديولوجياً ذا قدرة كامنة على تشكيل تهديد لوجودها.
فأي خيارات مفتوحة، ظاهراً، تمنع هذا التهديد من أن يصبح واقعاً؟ ثمة من يتحدثون عن خيار عسكري مستقل، يسمى “أزرق أبيض”. حسب المنشورات، تدرب الجيش الإسرائيلي في الأسابيع الأخيرة في مناورة جوية واسعة النطاق بدت شبيهاً لمسار هجوم في إيران.
ثانياً، واحدة من منشأتَي التخصيب المعروفة لديها، التي تسمى فوردو، توجد في باطن الأرض، الأمر الذي يجعل من الصعب جداً إحداث إصابة ناجعة لهذا الموقع من الجو.
يطرح السؤال التالي: ما جدوى هجوم يؤدي إلى إصابة جزئية فقط لمنظومة التخصيب، وثمنه المحتمل هو معركة عسكرية شاملة تنطوي أغلب الظن على ضربة ذات مغزى للجبهة الإسرائيلية الداخلية؟
يجدر بالذكر أن لدى إيران قدرة على الرد على الهجوم من خلال تفعيل منظومة متعددة الجبهات، استناداً إلى قدرات المسيّرات والصواريخ الموجهة التي لديها هي نفسها، وكذا هذه القدرات لدى مرعييها، “حزب الله” في لبنان و”الجهاد الإسلامي” الفلسطيني في غزة.
في كل ما يتعلق بخيار الهجوم العسكري، بالتعاون مع جهات أخرى، أولاً وقبل كل شيء مع الولايات المتحدة، فإن احتمال هذا الخيار يبدو محدوداً للغاية، وذلك في ضوء نهج إدارة بايدن التي تعارض بالقطع استخدام القوة العسكرية وتتمسك بمحور عمل دبلوماسي – سياسي، كما ينعكس في سياسة واشنطن تجاه الحرب في أوكرانيا.
فضلاً عن ذلك، فإن الحرب هناك، إلى جانب الارتفاع في أسعار الطاقة في أعقابها، هما كابح آخر في وجه الساحة الدولية الغربية في كل ما يتعلق بتأييدها لهجوم عسكري في إيران، التي هي منتجة طاقة مهمة بحد ذاتها.
نشدد على أن إسرائيل لا تحتاج إلى الأميركيين فقط في سياق هجوم في مسار التعاون، بل أيضاً في المسار “أزرق – أبيض”. وذلك في ضوء تعلقها بتوريد العتاد الأميركي لحمايتها، مثل صواريخ الاعتراض وغيرها. بمعنى أنه في كل حال فإن إسرائيل مطالبة بأن تنسق خطوة كهذه مع الإدارة الحالية في واشنطن قبل الأوان، الأمر الذي يشكك بالتوفر الحقيقي لخيار الهجوم بالتعاون وبقدر ما أيضاً بالنسبة لذاك الخيار الذاتي.
كما أن الخيار السياسي، البديل ظاهراً، يبدو متهالكاً. ينبغي القول بشكل واضح: إن إدارة بايدن والغرب تكبدا حتى الآن فشلاً ذريعاً في محاولتهما للضغط على إيران لقبول إطار الاتفاق كذاك الذي كان سابقاً، وبالتأكيد المخاطرة بإطار أكثر إلزاماً يتضمن إضافات مثل تقييد تصدير الإرهاب وتطوير منصات حمل الصواريخ.
هذا الفشل محكوم مسبقاً بنجاح طهران في إقامة مسارات نحو الصين، روسيا، بل الهند، ونسج منظومات علاقات اقتصادية معها لا تتأثر بالعقوبات. منظومة العلاقات هذه، إلى جانب الصراع بين الولايات المتحدة وروسيا من جهة، والصين من جهة أخرى، تضعف جداً قوة واشنطن في الساحة الدولية عامة وفي الساحة الإقليمية خاصة.
إضافة إلى ذلك يبدو أن وزن الضغوط التي تقدمها دول الغرب الأخرى، على رأسها فرنسا وبريطانيا وألمانيا، يوجد في انخفاض كبير. وذلك أساساً بسبب الصراع ضد روسيا ومقتضياته الاقتصادية. يبدو أن طهران على وعي جيد بهذه المعادلة، ورفضها الحالي يعكس إحساساً بقوة نسبية، عقب ارتفاع أسعار الطاقة، وبقدر لا يقل عن ذلك عقب العلاقات الإستراتيجية التي طورتها مع خصوم الولايات المتحدة والديمقراطيات الأوروبية.
إذاً، ما الذي يمكن لإسرائيل أن تفعله؟ يبدو أنه في غياب خيار عسكري وسياسي حقيقي، من الصواب لإسرائيل أن تستعد لإستراتيجية الردع. وذلك بالتوازي مع استمرار سياسة الإحباط المتداخل التي مارستها حتى الآن. لقد تطور الردع النووي، بحث فيه وطبق في عهد الحرب الباردة والسباق النووي بين الشرق والغرب. ويبدو أنه في ضوء الميول الراهنة، على إسرائيل أن تطور إستراتيجية ردعية خاصة بها، وذلك استناداً إلى الفرضية المعقولة بأن إيران ستواصل التقدم في السنوات القادمة نحو قدرات عتبة نووية، ليس فقط في مجال المادة، بل أيضاً في مجال مجموعة السلاح ومنصات حملها.
مبادئ الردع النووي، التي تقوم على أساس القدرات المنسوبة لإسرائيل في المنشورات الأجنبية، تستوجب بلورة مفهوم عملياتي جديد وحديث، بما يتناسب وتطوير صندوق أدوات عملياتي لتحقيقه. وينبغي لهذه الإستراتيجية أن تقوم على أساس الفضائل العملياتية، وعلى قدرة الضربة الثانية، وليس أقل من ذلك، على معركة وعي تجعل هذه الخطوات أساساً لنظام الردع المتبادل الذي يجب أن يقوم بين إسرائيل وإيران.
النظام في طهران، الذي يتعلق استمرار وجوده باقتصاد النفط لديه ويتصدى لمقاومة شعبية واسعة، حتى لو كانت محبوسة حالياً، يجب أن يفهم أن لدى إسرائيل قدرة على إيقاع ضربة وجودية به، بحيث يبقى الاستخدام المحتمل للسلاح النووي من ناحيته خارج قواعد اللعب.
ليس المقصود هنا فتح هذا النقاش الحساس إلا لدعوة أصحاب القرار في القدس وفي الكرياه لهجر الشعارات الداعية لفرض عقوبات حادة كوسيلة لمنع إيران من تطوير قدرات نووية، أو تلك الشعارات التي تلمح إلى نية إسرائيلية للعمل عسكرياً بشكل مستقل.
من الأفضل من ناحية إسرائيل أن تستعد جداً ومسبقاً لبناء رد إستراتيجي في المستوى المناسب لمواجهة إمكانية أن تصبح إيران قريباً دولة عتبة نووية، من خلال تطوير مفهوم ردع عملياتي بكل ما ينطوي عليه ذلك من معنى من ناحية إستراتيجية الأمن العامة لديها.

 

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى