معاريف: إزالة حكم حماس آخذ في الابتعاد عنا برعاية الولايات المتحدة و “صديقات” آخريات
معاريف 24/10/2025، ألون بن دافيد: إزالة حكم حماس آخذ في الابتعاد عنا برعاية الولايات المتحدة و “صديقات” آخريات
منذ سنين لم تسمع هنا كلمة “السلام” بمثل هذا التواتر مثلما في الأسبوعين الأخيرين. الكلمة، التي في العقود الأخيرة كادت تكون مشينة ونزعت من القاموس السياسي الإسرائيلي، عادت الى هنا مع الأمريكيين وبقوة. لكن كلما تعمقنا في غياهب الاتفاق الغامض لانهاء الحرب، سنرى أنه اذا كان هنا سلام – فهو سيكون سلاما مع حماس، وليس بدونها.
لقد نصبت المبادرة الامريكية المباركة لانهاء الحرب سداد شرايين من فوق الجرح النازف للمجتمع الإسرائيلي وادت الى تحرير المخطوفين. وعلى هذا يستحق دونالد ترامب ورجاله كل الشكر والامتنان اللذين حظوا بهما. لكن عندما تتضح خطة المعالجة التي سجلوها لمسبب الجرح – فانها تتضمن كل العلاجات التي جربنا دوما الامتناع عنها: تدويل النزاع ومرابطة قوة متعددة الجنسيات بيننا وبين الفلسطينيين.
قبل سنوات عديدة، حين كان الليكود لا يزال حزبا مبدعا وفاعلا وليس رعاع خدمة خانعين، درجوا هناك على أن يصفوا بنيامين نتنياهو كتاجر يقف في الطابور ويساوم ويخرج للجميع روحهم وفي النهاية يدفع أيضا الثمن الأعلى بل ويخرج بلا بضاعة. شعب إسرائيل هو الذي دفع الثمن الذي لا يحتمل لهذه الحرب، والمقابل الأدنى الذي يمكننا ان نتوقعه – ابعاد حكم حماس عن غزة – آخذ في الابتعاد عنا.
سنتان من إنجازات عسكرية مبهرة، تحققت ببطولة وبثمن ضحايا جسيم، والى جانبها صفر فعل أو مبادرة سياسية، خلقتا فراغا في المكان الذي كان يفترض بنا فيه ان يترجم الإنجازات العسكرية لخلق واقع افضل في غزة. الى هذا الفراغ دخلت صديقتنا الولايات المتحدة و “صديقات” اخريات، مثل قطر وتركيا. ليس للامريكيين أي فكرة كيف سيعتزمون نزع سلاح حماس، لكنهم يعرفون جيدا كيف يتحكمون بإسرائيل كي لا يستأنف القتال. نائب الرئيس الأمريكي فانس صب هذا الأسبوع الأسئلة عن تحول إسرائيل الى دولة مرعية أمريكية، لكن في الكريا في تل أبيب لا يتذكرون متى في أي مرة وصل مبعوثو الرئيس الأمريكي وجلسوا الواحد تلو الاخر مع جنرالات هيئة الأركان. الثنائي كوشنير – ويتكوف لم يأتِ الى الضباط كي يستمع فقط. هما جاءات ليوضحا بالضبط ما الذي يتوقعانه من الجيش الإسرائيلي.
كما أن القاعدة التي أقامها الامريكيون بين ليلة وضحاها في كريات غات غير مسبوقة. رجال الجيش الأمريكي اصروا على الا يعملوا من داخل قاعدة للجيش الإسرائيلي بل من قاعدة أمريكية مستقلة. هذا الأسبوع، في اثناء زيارة نائب الرئيس، تجول هناك منذ الان نحو 200 جندي امريك واطلقوا الأوامر. جنرالات الجيش الأمريكي تجولوا بينهم مرتبكين. كان واضحا لهم من هنا رب البيت. من الان فصاعدا الولايات المتحدة هي التي تدير سياسة إسرائيل في غزة.
على اللوح كتب احد ما على عجل المهام الأولى لمركز التنسيق العسكري – المدني (CMCC) الجديد: إقامة الالية لتوزيع الغذاء والبضائع، بناء معبر جديد في رفح، رقابة على ادخال المنتجات ثنائية الاستخدام الى القطاع، خلق صورة عملياتية مشتركة مع منسق اعمال الحكومة في المناطق، مساعدة للشباك في ترشيح الغزيين الذين ينتقلون الى ما وراء الخط الأصفر. كل المهام تتعلق الان بمنطقة القطاع التي تحت السيطرة الإسرائيلية. في الجانب الاخر من الخط الأصفر يوجد رب بيت آخر عاد ليثبت حكمه – حماس.
اعمار غزة أم حماس
سيتركز الجهد الأمريكي في المرحلة الأولى في المنطقة التي بسيطرة الجيش الإسرائيلي. هناك ستبدأ جهود الاعمار، والغزيون الذين يرغبون بالعودة الى مناطق مثل رفح أو شرق خانيونس – يسمح لهم بالعودة بعد أن يجتازوا ترشيحا يفحص بانهم ليسوا من رجال حماس. نوع من المشروع التجريبي الذي يفترض أن يشكل نموذجا للغزيين الذين يختارون فك الارتباط عن حماس. غير أنه اذا ما تواصل بالتوازي ضخ الغذاء ومواد البناء للقسم الثاني من القطاع أيضا – فان حماس ستتعزز حتى أكثر وتبدأ بنفسها باعمار غزة. غربي الخط الأصفر يفترض أن تعمل قوة الاستقرار الدولية (ISF)، التي مهمتها تحددت كـ “تدريب ومساعدة قوات شرطة فلسطينيين اجتازوا ترشيحا”. من سيقيم هذه الشرطة؟ أي دول ستشارك في القوة الدولية؟ ومن على الاطلاق يريد ان يدخل جنوده الى بلاد حماس؟ كل هذه أسئلة لم يقدم الامريكيون جوابا لها بعد. يوجد فقط فيتو واضح واحد ومبرر من إسرائيل: جنود أتراك لن يدخلوا الى غزة.
يبدو أننا نسير الى وضع انتقالي طويل في غزة، تسيطر فيه إسرائيل في نحو نصف القطاع، وحماس في النصف الاخر. من شرق الخط الأصفر الجيش الإسرائيلي سيسيطر أمنيا، والقوة الدولية مع منسق اعمال المناطق سيعالجون الجوانب المدنية. مثابة نوع غريب من الحكم العسكري الإسرائيلي والدولي. كم غزيا سيختارون الانتقال الى المنطقة التي بسيطرة إسرائيل؟ هل توجد لنا على الاطلاق مصلحة في إعادة توطين أولئك الغزيين؟ في إسرائيل لا يجيبون على هذه الأسئلة.
بدلا من هذا ينشغلون عندنا في التصنيفات. “حرب الانبعاث” – اسم كله قامة مرفوعة، بعيد جدا عن المذبحة التي يريد رئيس الوزراء أن ينسيها. وكأنه يمكن بتزيين الصورة شطب بقع الدم وتجاعيد الاسى، تجميل الكارثة الرهيبة وتسويقها كنجاح. الكارثة ستكون اكثر مرارة اذا ما في نهاية الامر انتهت “حرب الانبعاث” بانبعاث حماس.



