أقلام وأراء

مصطفى الفقي يكتب – الإسلام المفترى عليه

مصطفى الفقي *- 9/11/2020

تشدد تياراته السياسية وعنف التنظيمات الإرهابية أسهما في التجني على جوهره الحنيف    

أثارت العاصفة الأخيرة التي هبت رياحها من الدولة الفرنسية مشاعر متباينة وأفكاراً مختلفة لدى المسلمين وغير المسلمين، تجاه الإسلام ديناً وأمة وأفراداً، فالإسلام يمثل لدى أصحاب الديانات الإبراهيمية الثلاث كلمة الله الأخيرة إلى البشر من خلال نبي الإسلام محمد، وتتمة لرسالات سبقته وتأكيداً لمعنى التفرد الإلهي بالخلق، وأحقيته سبحانه في أن تعبده مخلوقاته وتسبح باسمه وحمده، فالرسالة المحمدية شاملة وتتجه إلى الإنسانية جمعاء من دون تفرقة بسبب عقيدة أو لون أو جنس، لذلك انتشرت في القارتين الآسيوية والأفريقية وأجزاء من القارة الأوروبية، وكان انتشارها في العالم كاسحاً وسريعاً مثل انتشار النار في الهشيم.

وعندما تكونت جاليات مسلمة في دول ذات أغلبية غير مسلمة ظهرت المشكلات، خصوصاً خلال العقود الأخيرة التي أدت إلى معاناة شديدة للمسلمين في تلك البلاد، فمرة تثور أزمات بسبب الرداء الإسلامي، بخاصة الحجاب، ومرات بسبب الطقوس الإسلامية من صلاة وصيام وصولاً إلى نحر الأضاحي، فضلاً عما لحق بالإسلام ظلماً خلال الـ 50 عاماً الأخيرة، من افتراءات وأكاذيب وادعاءات قامت على مفهوم خاطئ نتيجة التعميم الأعمى، وانعدام القدرة على التفرقة بين الإسلام والسواد الأعظم المعتدل من أتباعه، وبعض الخوارج عليه من عناصر اعتمدت العنف أسلوباً، واختارت طريقاً يعادي الإسلام في باطنه ويرفع شعاراته في ظاهره.

هكذا بدأ الأغلب الأعم من المسلمين في دفع فاتورة باهظة لفزاعة جديدة تحت مسمى “الإسلاموفوبيا”، بكل النتائج السلبية التي لحقت بذلك من جرائم وتجاوزات تجاه ذلك الدين الحنيف وأتباعه في أنحاء الدنيا، ولقد كانت الكلمات الصادمة من الرئيس الفرنسي ماكرون نموذجاً لسوء الفهم لدى من لا يعرفون حقيقة الإسلام، بينما هناك شخصيات عالمية وكتابات راقية أنصفت الإسلام وأعطته قدره، وأتذكر هنا المحاضرة التاريخية التي ألقاها الأمير تشارلز ولي عهد بريطانيا في جامعة أكسفورد مطلع تسعينيات القرنالماضي، والتي أنصف فيها الإسلام بالقول الصادق والحجة السليمة والأمثلة الأمينة، وأظنه كررها في صحن الأزهر الشريف بعد ذلك بأكثر من عقد كامل.

ولقد سألته شخصياً أثناء لقاء معه في الجامعة البريطانية في مصر، التي تشرفت برئاستها خلال سنواتها الأولى، قائلاً، ترى يا سمو الأمير ما الذي شدك إلى دراسة الإسلام وفهمه بإنصاف وعدالة؟ فأجاب بأن الأمر بدأ بإعجابه بالعمارة الإسلامية وطرز المساجد فشدته القباب والمآذن، ومن هنا بدأت قراءاته المكثفة حول الإسلام، واستعان في ذلك بعالم مصري جليل وهو زكي بدوي رحمه الله، مدير المركز الإسلامي في لندن، إذ بدأ ولي عهد بريطانيا يفهم حقيقة الإسلام من دون تزييف أو مغالطة، وشأن الأمير البريطاني شأن كل من يدرس الإسلام على حقيقته بعيداً من الضجيج والصراخ والادعاءات المغرضة، والتراشق المتبادل أحياناً بين أتباع الديانات، ويهمني هنا أن أرصد بعض الظواهر في ما يلي:

أولاً ظل الإسلام لما يقرب من 14 قرناً يعيش في سلام نسبي مع الديانات الأخرى، ولكن الصحوة الإسلامية مطلع القرن الماضي ثم ظهور الإسلام السياسي بعد ذلك، أديا إلى حال قلق لدى الطرف الآخر، خصوصاً أن ذلك تواكب بعدها مع سقوط الكتلة الشيوعية واختفاء الخطر الأحمر الذي كان الفزاعة التي أدت إلى التعاون بين الغرب والإسلام، إذ حل خطر الإسلام بديلاً عن الشيوعية في الاستهداف والتآمر لدى مرضى العقول وأصحاب الأوهام في الغرب، بل وفي مناطق أخرى من العالم، وانتهى الأمر بمواجهة غير مبررة بين أتباع الإسلام في جانب، والعالم كله في جانب آخر، ولا زلنا نتذكر كلمة الرئيس الأميركي الأسبق أيزنهاور عند افتتاح المسجد الإسلامي في واشنطن، حين كان مدير المركز الشيخ عبدالرحمن بيصار، الذي أصبح شيخاً للأزهر بعد ذلك بسنوات، ويومها تحدث رئيس الولايات المتحدة الأميركية بشكل إيجابي عن الإسلام والمسلمين.

ثانياً، يجب أن نفكر نحن العرب بانعكاس الصورة السلبية للإسلام علينا، فالظلم يأتينا مزدوجاً متجهاً نحو الإسلام مرة ونحو العروبة مرة أخرى، خصوصاً وأنهما صنوان متكاملان، فلقد نزل القرآن عربياً وكان نبيه العظيم عربياً أيضاً، ومن هنا اقترنت صورة العربي بكل السلبيات الظالمة التي تلصق بالإسلام والمسلمين، وأتذكر أن البعض في الغرب سُئل عن صورة العربي في ذهنه، فكانت إجابته أنها تبدأ بحرف الباء في الأبجدية اللاتينية، فالعربي في خيالهم هو الملياردير الإرهابي الذي يهوى الملذات ويعيش على البداوة ويساوم في السياسة بلغة البازار، وهذا النمط الذهني لشخصية العربي أثر كثيراً على دوره في العالم المعاصر، وعزله بشكل أو بآخر عن روح العصر وتجلياته.

الإسلام السياسي وإسرائيل

ثالثاً لا شك أن ميلاد الإسلام السياسي مع ظهور حركة الإخوان المسلمين عام 1928 ترك أثراً سلبياً في الجانب الآخر، نتيجة توالد المخاوف وتراكم القلق من تنامي تلك الظاهرة الدينية التي تسعى إلى حيازة الحكم والسيطرة على كل ما يمكن أن تحصل عليه، ولو على حساب الإسلام وجوهر الدعوة وصفاء العقيدة.

رابعاً، لقد كان ظهور دولة إسرائيل نتاجاً للمشروع الذي بدأ في بازل بسويسرا على يد هرتزل نهاية القرن الـ 19 مقدمة لاحتدام الصراع، لأن المسلمين رأوا أن قضية القدس ليست سياسية فقط، لكنها دينية أيضاً، وانتهى الأمر إلى محاولة تديين الصراع تحت مسمى كبير وجذاب هو الجهاد، وكم نشعر نحن المسلمين بالأسى والحزن عندما يستخدم الخصوم عبارة الإرهاب الإسلامي لإلصاق الإسلام بالتطرف والتعصب والعنف، والإسلام من كل ذلك براء.

خامساً، ليس من شك في أن الموجات الإرهابية التي اجتاحت العالم خلال العقود الأخيرة تركت بصماتها على صورة الإسلام في مخيلة المواطن العادي خارج العالم الإسلامي، إذ أصبح يراه عدواً جديداً، لأنه وفي غياب العدو الحقيقي، فيمكن استبداله من خلال عملية صناعة عدو جديد بحيث يستمر الصراع وتظل الخلافات مسيطرة، حتى ولو كانت إقليمية الطابع وليست بالضرورة عالمية الانتشار، ومع ذلك نسمع الآن عن معاناة الأقليات الإسلامية في الصين والفيليبين وميانمار وغيرها من الدول الآسيوية، مع بروز منظمات إرهابية حول التجمعات البشرية الإسلامية في كل مكان.

إن الإسلام في الحقيقة دين المساواة والتسامح وإعمال العقل، واحترام التفكير الذي أعتبره فريضة من فرائض ذلك الدين الوسطي المعتدل الذي يحترم الديانات الأخرى، ويتعايش مع غير المسلمين كما فعل نبيه العظيم خلال سنوات حياته، فقد كان يوازن بين الدعوة في جانب والتسامح في جانب آخر، وهو الذي قال للصحابة من حوله، أليست الجنازة لنفس بشرية؟ وذلك عندما سألوه لماذا وقف احتراماً لجنازة تمر أمامه وهي ليهودي! فالإسلام دين عقل وحكمة وتسامح، وليس دين غلو وتشدد وعنف، ولذلك فإن صورته الحالية تؤكد لنا بحق أنه الإسلام المفترى عليه!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى