أقلام وأراء

مصر تستميل “الجهاد” لضبط علاقتها بإيران …!!

محمد أبوالفضل 29/10/2021

ضاعفت مصر تواصلها مع حركة الجهاد الفلسطينية مؤخرا، وعززت العلاقات معها بما يفوق التباحث حول الملفات التقليدية الخاصة بإنهاء الانقسام بين الفصائل والمصالحة والحوار الوطني والأسرى، بما انعكس في شكل زيادة في معدل زيارات وفود الجهاد إلى القاهرة، وآخرها وصول وفد رفيع المستوى من قياداتها مساء الأربعاء، ولقاء كبار المسؤولين في جهاز المخابرات العامة بمصر.

تهتم القاهرة بجميع الفصائل الفلسطينية بشتى أطيافها بحكم الجغرافيا السياسية وأهمية قضيتها للأمن القومي، وتحتفظ بعلاقة جيدة مع حركة الجهاد ليس فقط لإحداث توازن مع حركة حماس التي تهيمن على المفاصل الرئيسية في قطاع غزة، بل لأنها الأكثر قربا إلى إيران والأكثر تناغما مع خطابها الراديكالي نحو إسرائيل، ولا ينكر الطرفان ذلك.

عندما دخلت حماس على خط طهران لم تتمكن من تطوير علاقتها بالصورة التي وصلت إليها الجهاد، حيث أصبحت علاقتهما واضحة ولا تناور بها الجهاد، كما أن ولاءاتها السياسية ثابتة إلى حد كبير وتحتل فيها طهران أولوية متقدمة مقارنة بحماس التي تدمن القيام بعملية تبديل وتوفيق في علاقاتها مع قوى إقليمية مختلفة، تتراوح بين مصر وتركيا وقطر، ثم تأتي إيران.

تدرك مصر طبيعة الروابط بين الجهاد وإيران منذ فترة، ولم تكن منزعجة منها سوى في الحدود التي تمثل تهديدا للأمن القومي، وهي قليلة، لأن طهران تفهم قواعد اللعبة مع القاهرة ولا تريد أن تدخل في صدام معها، وتمتنع عن إحراجها في هذا النوع من القضايا، لأن العلاقة بين مصر وإيران هادئة وتعتمد على صيغة غير مباشرة يرتضيها الطرفان مفادها تجنب الاحتكاك السلبي، وإدارته بطريقة أشبه بالحوار الصامت الذي يقول كل شيء أحيانا، ولا شيء في أحيان أخرى.

حرصت الجهاد على ألّا تتسبب علاقتها مع إيران في قلق لمصر، والتي تستطيع تحجيم هذه العلاقة إذا أرادت من خلال تحكمها في مداخل غزة ومخارجها كمقر رئيسي لحركات المقاومة وأجنحتها المسلحة ومن بينها الجهاد.

وتعلم القاهرة أنه في اللحظة التي تشعر فيها بأن طهران على مرمى بصر منها في القطاع، أو لجأت إلى توظيف الجهاد في المناكفة مع إسرائيل بما يفضي إلى إشعال الموقف وفتح المجال لحرب جديدة، سوف تتدخل مصر بما يخدم مصالحها العليا.

لم يصل الأمر إلى هذه النقطة بعد، لكن مع تصاعد الأزمة بين إيران وإسرائيل وما يوجهه كل طرف للآخر من ضربات سيبرانية وأمنية قد تلجأ الأولى إلى الاستفادة من علاقتها التاريخية بالجهاد، لاسيما إذا بلغ التصعيد مستوى يصعب السيطرة عليه، وتسخين جبهة غزة بما تملكه الحركة من أدوات عسكرية تستفز بها قوات الاحتلال.

تستطيع إيران التعاون والتنسيق مع الجهاد بدرجة تفوق قدرتها على ذلك مع حماس التي لديها من الكوابح ما يفرض عليها عدم الانسياق تماما وراء أهداف طهران، وهو مكمن الأزمة التي بدأت تشعر بها القاهرة وجعلتها توسع نطاق حواراتها مع الجهاد وعدم قصرها على القضايا الفلسطينية، فإيران والجهاد من الملفات التي تحتل مساحة كبيرة في النقاش الدائر في القاهرة، والذي تراعي فيه الحركة مخاوف مصر.

بدأت طهران تحتل حيزا مع الحوارات بين الجانبين أكبر من ذي قبل، لأن العلاقة كانت قاصرة على الدعم المادي والتفاهم حول بعض الثوابت السياسية، لكن أن تتحول الجهاد إلى هدف لإيجاد نفوذ جديد لإيران أو استخدامها كوسيلة تساعدها على التسلل إلى قطاع غزة وتكوين ذراع عسكرية فيه فهذا ما ترفضه مصر بحزم، وتعمل على تقويضه قبل أن يتحول إلى واقع قد يهدم جدرانا أمنية شيدتها على الحدود مع القطاع.

يضرب رفع مصر مستوى التعاون أكثر من عصفور بحجر واحد، حيث يوجد توازن مع حماس التي تتعامل باعتبارها الطرف الأقوى حاليا على الساحة الفلسطينية وليس في غزة فقط، ويعزز قدرة القاهرة على التفاهم مع المقاومة، كما حدث في الحرب على غزة التي شنتها إسرائيل في مايو الماضي وتمكنت فيها مصر من وقف إطلاق النار، الأمر الذي يصب في خانة تعظيم دورها الإقليمي.

يأتي العنصر الجديد – القديم المتعلق بإيران، ويتعلق عنصر الحداثة فيه بتطلعات إيران إلى غزة ورغبتها في رفع درجة وجودها في القطاع وتحويله من الشق السياسي إلى العسكري من خلال استغلال علاقتها بالجهاد، وسط تبادل القصف المادي والمعنوي بين طهران وتل أبيب الذي يمكن أن تكون الجهاد طرفا فيه وأداة من أدواته.

ترفض مصر دوما أن تكون لإيران ميليشيا مسلحة على مقربة من حدودها، وزاد هذا الرفض مع ارتفاع مستوى الجاهزية العسكرية في الجيش المصري، واتساع نطاق التحديات الإقليمية على جبهات متعددة، وذلك تحسبا من أن تنتهي لغة الحوار الصامت معها إلى حوار صاخب يؤدي إلى انفراط عقد الهدوء الحاصل بين مصر وميليشيات إيران المنتشرة في المنطقة، فإذا نجحت طهران في تأسيس نواة لها في غزة سوف تتبدل أمور كثيرة، ويوضع ملف التعامل معها على طاولة معلنة.

في ظل تحولات إيجابية واعدة مع كل من الولايات المتحدة وإسرائيل لن تصبح لغة الحوار الصامت بين القاهرة وطهران مقبولة، وقد تكون مصر مضطرة إلى التعبير عن موقفها بوضوح، أو على الأقل تتبنى مواقف سياسية مغايرة لما هو سائد من انطباعات حول وجود حوارات غير مباشرة بينهما وفرت هذه الدرجة من الهدوء.

قد تجد مصر في تفكيك علاقة الجهاد بإيران خيارا صائبا في هذه المرحلة يمنع توغلها في غزة وتؤكد به أن هناك تغيرا حيال التعاطي معها يطمئن واشنطن وتل أبيب، وربما دولا خليجية ساورها عدم ارتياح تجاه موقف مصر من إيران.

يعتمد نجاح هذه المعادلة على رغبة القاهرة في تفكيك تحالف الجهاد – إيران وتيقنها من خطورة استمراره بالصيغة التي يمكن أن تمثل منغصا لها، ومدى ما تجنيه الحركة من مكاسب سياسية ومادية من عملية ميلها كثيرا إلى المنطق المصري على حساب إيران، والذي سوف يقود في النهاية إلى وقف الدعم بأنواعه الذي تتلقاه الجهاد من طهران، ويحمل دلالة على تغير لاحق في الحسابات الإقليمية التي أقامتها الحركة منذ سنوات.

يصعب أن يحدث هذا التطور بمعزل عن إدارة الصراع العربي – الإسرائيلي وتغليب حلوله السياسية على العسكرية، وبما أن هذا الطريق غامض وطويل سوف تكتفي مصر بضبط مفاصل العلاقة بين إيران والجهاد ووضعها في الحدود التي تبعدها عن التفكير في تحويلها إلى ميليشيا تابعة لها في غزة تنضم إلى سرب ميليشياتها.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى