أقلام وأراء

مروان كنفاني يكتب ماذا تريد فتح وحماس من الانتخابات الفلسطينية

مروان كنفاني – 24/4/2021

حماس أثبتت جدارتها لتكون ركنا أساسيا يستحق المشاركة بالقيادة في التجربة القادمة لانتخاب رئيس الدولة والمجلس التشريعي لكن هذا مرهون بالأبعاد الجديدة لمفهوم المشاركة والعمل في نظام ديمقراطي والخضوع لمبادئه.

في نهاية الأسبوع الماضي قامت حركة حماس بإطلاق صاروخ باتجاه إسرائيل لأسباب لم تشرحها، وسقط في أرض بوار دون خسائر بشرية أو عسكرية، وكالعادة ردّت إسرائيل بزخات صواريخ من الطائرات الحربية التي لم تسبّب خسائر أيضا.

من المفروض أن الهجوم الحمساوي والرد الإسرائيلي جاءا نتيجة فعل أو لرد فعل أو لترتيب وخطط تهدف لتقوية الموقف السياسي والعسكري. وحتى الآن لم تفصح حماس عن أسباب هجومها، وتركت الساحة مفتوحة لاجتهادات وتفسيرات الفلسطينيين وغيرهم، ولم تحتج إسرائيل على العدوان، وقامت بقصف دقيق بعيدا عن مكاتب حماس.

الغريب في الأمر أن الهجوم والرد عليه لم يُدن أو يرفض من أيّ دولة غربية أو شرقية أو مؤسسة دولية، ربما لعدم الرغبة في فتح أوراق الموقف في الشرق الأوسط في تصاعد سخونة الأحوال في البحر الأسود وإيران وتحشيدات روسيا وكرواتيا.

في التفسير السياسي يمكن القول إن الخطوة الحمساوية جاءت لتأكيد تمسك الحركة بثوابتها في حق استمرار المقاومة، سواء أكانت هناك انتخابات فلسطينية أم لا.

تندفع حماس باهتمام نحو مشاركة جادة وفعّالة في الانتخابات وتقترب شيئا فشيئا نحو أن تكون جزءا من الكيانية الفلسطينية المرتبطة باتفاقات وتعاهدات معترف بها دوليا، وسوف تصبح وفق التقدير العام مكونا من مكونات الدولة القادمة. ولذلك أرادت حماس من الهجوم الأخير التذكير بالأسس والأهداف التي قامت عليها، ولا زالت، تجاه الاحتلال والمقاومة.

ينطوي الصاروخ الحمساوي على إشارة للجميع بعدم الرغبة الحقيقية في إجراء الانتخابات، وهو ما تظهر تجلياته في تصريحات قادة الحركة المتضاربة بالموافقة تارة والتأجيل تارة أخرى.

لن يفيد حماس الفصل الأخير بين الداخل والخارج، في وقت تصمم فيه إسرائيل ومعها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي على التزام حماس باتفاق السلام الفلسطيني الإسرائيلي عام 1993 والتوقيع على ذلك علانية

أثبتت حماس جدارتها لتكون ركنا أساسيا يستحق المشاركة بالقيادة في التجربة القادمة لانتخاب رئيس الدولة والمجلس التشريعي. لكن هذا مرهون بالأبعاد الجديدة لمفهوم المشاركة والعمل في نظام ديمقراطي والخضوع لمبادئه وأهدافه.

وتدرك حماس اليوم أن التغيير الحقيقي في مفهوم الشعب، خاصة بعد تجربة حكمها لقطاع غزة السنوات الماضية، أعطى لشعار المقاومة بعدا يتجسّد في الثبات على الأرض وإعطاء الشعب حقه في العمل والسفر وإعالة عوائله.

حققت المقاومة التي شهدها شعبنا خلال السنوات الماضية، أهدافها المرحلية ولم تعد حاليا تفيد فلسطين ولا المواطنين ولا حماس، فقوة الحركة اليوم في الداخل وليس في الخارج.

يريد الشعب الفلسطيني أن يحرر أرضه وارتضى توافق الفصائل على هدف تحقيق دولة فلسطينية، مستقلة ومتصلة وعاصمتها القدس العربية على حدود عام 1967، تكون وطنا يعيش فيه بحرية وتؤيده في ذلك كل دول العالم.

من المتوقع أن تحوز حماس ومعها فتح على معظم أصوات الناخبين، لكن لا أحد منهما سوف يحصل على الأغلبية في المجلس التشريعي، حيث تتناثر الأصوات على القوائم من أحزاب منظمة التحرير والمنشقين والغاضبين من أعضاء فتح.

في هذا الصراع والنتائج فإن فتح مؤهلة لانضمام العديد من الناجحين في الانتخابات، من أحزاب منظمة التحرير، لتصل إلى الأغلبية الحاكمة، بينما لن ينضم هؤلاء لحركة حماس. وهذا يقود للسؤال الذي لا يريد أحد طرحه، ما هي مصلحة حماس وفتح في خوض انتخابات قد تأتى بنتائج ليست في صالحهما؟

نجاح فتح النسبي في الانتخابات القادمة سوف يغيّر الحركة، ويزيد من انقسامها ويسقط الكثير من قياداتها، فالتزاحم الفتحاوي والتسابق على الأولويات في القوائم الانتخابية والانسحابات التي ظهرت من قبل متقدمين من أعضائها الذين هاجموا الحركة في حملاتهم الانتخابية، في نفس السرديات التي استعملها أعداء الحركة، من الفردية والفساد والظلم والتفرد بالوظائف.

كشف الترتيب للانتخابات التشريعية عجز فتح عن السيطرة على أعضائها وفرض قراراتها واختيار الأفضل وطرح برنامج سياسي جديد يعتمد على الشباب، وفشلت في كسب الدعم الشعبي لجهودها لإرساء الدولة الفلسطينية، والتغوّل في تمسّك أعضائها بمعظم الوظائف والمراكز العليا والسفارات.

تتمتع فتح في الوضع الحالي بالمركز الأفضل في حكم الضفة الغربية، وفي ترؤس الوزارات والوظائف العليا، وتقود أجهزة الأمن والمخابرات، وتسيطر على العلاقات الدولية لفلسطين، ويمثّل أعضاء فتح فلسطين في الأمم المتحدة وكافة إداراتها، وتحكم الضفة الغربية دون شرعية دستورية منذ حوالي 12 عاما، لكن بشرعية توافقية لم يوافق عليها الشعب وإن توافقت عليها الفصائل الوطنية التي تموّل من خزينة السلطة الفلسطينية.

وتتنعّم حماس في حكم قطاع غزة دون شرعية أيضا، لكن بقوة السلاح والانتصار في الحرب الأهلية الفلسطينية.

وعلى الرغم من الهدوء، وربما الرضا، الذي غلّف العلاقات الفتحاوية الحمساوية في العقد الماضي، فالفارق بين المشاكل التي تواجهها فتح في الوقت الحالي، هو أن المشاكل والعقبات التي تنتظر حماس، فيما لو كسبت الانتخابات أو خسرتها، ستكون ذات تأثير على هيكليتها وتحالفاتها وعلاقاتها المحلية والإقليمية والدولية.

لدى حماس فرص لتحقيق نجاح ملحوظ قد يتساوى أو يتجاوز نصيب فتح دون انضمام ناجحي فصائل منظمة التحرير الذين سوف ينضمّون للجمع الفتحاوي.

وفي الجزء المتعلق بالمجلس التشريعي الجديد، إذا تمت الانتخابات، فإنه سوف يختلف عن سابقه الذي لم يعمّر سوى أيام معدودات قبل الانقسام.

ومن الطبيعي القول إن المجلس التشريعي الجديد سوف يجرؤ على مراقبة الحكومة وفرض القوانين على موظفي الدولة وأغلبيتهم ينحدرون من فتح.

سوف تكتشف حماس أن أسهل الأمور فوز أو تقدم في الانتخابات التشريعية، لأن الهدف هو الدولة الفلسطينية التي دون تحقيقها تضيع تضحيات العشرات من السنين والآلاف من الشهداء والجرحى والأسرى، لأن الدولة ليست خيارا للفلسطينيين بل هي حتمية لبقائهم ومستقبلهم.

العقبة الأساسية التي تقف في وجه حماس هي شعار “المقاومة فقط” الذي استعملته بنجاح في الماضي، وسوف تستعمله إسرائيل لتحجيم نشاط الحركة داخليا وخارجيا، وتدعمها في ذلك الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي ودول عديدة أخرى. كما أن تغيير المواقف المتسارع فيما يتعلق بالتحالفات الحمساوية الإقليمية والدولية يرتب التحرك نحو علاقات مقبولة.

تتقدم المحادثات بين الأوروبيين وبين إيران، وتتغيّر المواقف، ومن المتوقع أن يتم التوصل إلى اتفاق قريبا، يتضمن بنودا واضحة حول التسليح والدعم الذي يهدد دول الشرق الأوسط.

من المحتمل أن تعود الولايات المتحدة إلى اتفاق عام 2015 مع إيران بتعديلات متفق عليها، وليس من المستبعد أن تبدأ بمرور الزمن اتصالات واتفاقات بين إيران وإسرائيل. أين حماس من كل هذه التطورات؟

تصرّ إسرائيل على عدم وجود نفوذ لحماس خارج القطاع الخاضع لسيطرة وحشية من إسرائيل، وسوف تمنع نواب المجلس التشريعي من الذهاب إلى رام الله لحضور الاجتماعات وتمنع نواب الضفة من الوصول لغزة.

لن يفيد حماس الفصل الأخير بين الداخل والخارج، في وقت تصمم فيه إسرائيل ومعها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي على التزام حماس باتفاق السلام الفلسطيني الإسرائيلي عام 1993 والتوقيع على ذلك علانية.

كما تعارض إسرائيل انضمام الحركة لعضوية منظمة التحرير الفلسطينية دون موافقتها على اتفاق السلام المذكور الذي وقّعته عن الفلسطينيين منظمة التحرير. وإذا حددت إسرائيل والأطراف الغربية أغراضها فمن الضروري أن تحدد كل من فتح وحماس أهدافهما السياسية بوضوح من الانتخابات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى