أقلام وأراء

مروان كنفاني يكتب – فتح وحماس أمام الوباء

مروان كنفاني – 26/3/2020

الشعب الفلسطيني يدفع اليوم ثمن فشل التنظيمين الفلسطينيين الأكبر في التوصل إلى تفاهم يوحّد العمل النضالي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي، بما يمكّنه من التصدي لعاصفة كورونا التي لم تقذف بعدُ بأسوأ خطورتها ونتائجها المخيفة.

جرفت عاصفة كورونا أمامها كل الأحاديث المتعلقة بمصالحة فلسطينية بين الفصيلين الأكبر والأبرز على الساحة، فتح وحماس، وانهارت بوضوح المحاولات غير الجادة لتحقيق أدنى تقارب بينهما بعد أن فشلت مسبقا محاولات دول عربية لتحقيق ذلك. واختفت تماما الإشارات المتقطعة إلى إجراء انتخابات عامة.

تركت جائحة كورونا الشعب الفلسطيني في مهب رياح الرزايا التي تنتظر مصيره وبلدهم، وأضافت جرحا غائرا على جراح عديدة في مواجهة الداء المميت الذي يهدد العالم بأسره، وكأن الشعب الفلسطيني ورث وحده نيابة عن الإنسانية مسلسل العذاب والقهر والاضطهاد، وأخيرا المرض.

في غياب محرج للقيادة الحمساوية عن ساحة الوغى في قطاع غزة، تم تكليف المواجهة لهذا الخطر الذي تجنّد قادة دول العالم في التصدي له لمسؤولين محترمين من قيادات ثانية وموظفين ومحافظين وقادة أجهزة الشرطة والمباحث بالتصدي لمهمة وطنية خطيرة تتطلب السيطرة والتفرّد من القيادات العليا لحركة حماس الغارقة في الصراع على المناصب والصلاحيات على بعد مئات الكيلومترات من قطاع غزة المجروح.

تم تداول معلومات حول قرار “تبرّع” رئيس حركة حماس السيد إسماعيل هنية الذي يدافع عن استعادة منصبه في قطر بمبلغ نصف مليون دولار للفلسطينيين اللاجئين في لبنان.

بالطبع فإن هذا القرار محمود ومشكور في دعم صمود جزء مهم من الشعب الفلسطيني، لو كان قد صدر باسم حماس وليس شخصا كرئيس الحركة الذي قد يحمل معنى الاستفادة الفردية في مهرجان التنافس أو البازار السياسي الدائر في الدوحة، واستجلابا لأصواتهم وترضية لقيادات حماس في مخيمات لبنان المنهك.

يدفع الشعب الفلسطيني اليوم ثمن فشل التنظيمين الفلسطينيين الأكبر في التوصل إلى تفاهم يوحّد العمل النضالي والسياسي والمجتمعي والاقتصادي، بما يمكّنه من التصدي لعاصفة كورونا التي لم تقذف بعدُ بأسوأ خطورتها ونتائجها المخيفة.

إذا استمر الحال على ما هو عليه من السيطرة غير الشرعية لحركة فتح في الضفة الغربية، والسيطرة الانقلابية لحركة حماس في قطاع غزة فإن “كورونات” كثيرة سوف تصطدم بمسيرة الشعب الفلسطيني المنهك.

تمكّنت الأحزاب والفصائل الإسرائيلية، على الرغم من الاختلافات والصدامات بينها والاتهامات والعداوات العميقة، من الاتفاق على قيادة موحدة للتصدي لخطر يهددها جميعا. في ما يبدو أن التزام حركتي فتح وحماس بالتفرد في الحكم يتجاوز التزامهما بتحقيق التواصل والتوحّد بينهما، لأن التفكير لا يزال أحاديا.

إن هذا الموقف الفلسطيني لن يقود إلا إلى المزيد من التنازلات الفلسطينية والبعد عن تحقيق الأهداف الشرعية للشعب وزيادة النفوذ للإسرائيليين، وفقدان القدرة على الالتحام وما تحمله من انعكاسات سلبية على واقع لم يعُد يتحمل خسائر جديدة.

يشكّل الارتباط غير المقدّس بين كورونا والشعب الفلسطيني منعطفا خطيرا على مستقبل العمل الفلسطيني، لأن العالم بأسره لم يعرف ويدرك بعد مدى الخراب والفوضى اللذين صدما مستقبل الإنسان على هذا الكوكب البشري. ولا يزال قطاع من الفلسطينيين يدورون وراء حلقاتهم المفرغة.

الأسوأ لم يأت بعدالأسوأ لم يأت بعد

يتوقع المحللون لتصوّر طبيعة القوى العالمية في مرحلة ما بعد كورونا مدى الدمار الذي أصاب البنية الاقتصادية والسياسية والمجتمعية، وكيف يتاح للدول العظمى العودة إلى قيادة العالم ومتى، أو إذا تم القضاء على الفايروس القاتل؟

تتجه الإشارات نحو منطقة الشرق الأوسط بالذات وثرواتها النفطية ومخزونها الكبير من الأموال وما تملكه من عقارات وشركات ومشاريع في معظم أنحاء العالم. ليس في ذلك العالم الجديد مكان لدول أو كيانات ضعيفة أو فقيرة، وتتصف السلطة الوطنية الحاكمة في الضفة الغربية، وحماس في قطاع غزة بتلك الصفتين، الضعف والفقر معا.

يمثّل التفاف الدول المصدرة للنفط للدفاع عن ثرواتها ومصالحها خط الدفاع الأول لإعادة التوازن الاقتصادي والمالي والنفوذ الذي كانت تتميّز به في القرن الحالي، والفلسطينيون هم المستفيدون من ذلك الجهد بقدر ما يحشدون من تكاتف لتشكيل كيان واحد ومؤثر.

ولا يتوقع عاقل أن هناك مساحة لكيانين فلسطينيين للتأثير في منطقة ومشاكل الشرق الأوسط، أو أن التوحّد الفلسطيني، وحده، سوف يعيد لهما بلادهما أو يحررها أو يسترجع القدس. لكن التوحّد والالتفاف الفلسطينيين هو الطريق لكل ذلك. فلا يهدف التوحّد الفلسطيني حاليّا إلى التوصل للقوة الرادعة، لكنه ضرورة ملحّة للبقاء ولوضعنا، كفتحاويين وحمساويين وكافة الفصائل، في موقف أفضل ممّا نحن فيه اليوم.

من الواضح أن مستقبل الكرة البشرية يتراوح بين هزيمة كورونا أو إفلاس معظم دول العالم، إن لم يكن جميعها، أو اندلاع حرب عالمية أو حروب إقليمية، أو يتمكّن الداء من إنهاء وجود الإنسان على الكوكب البشري. غير أن الثابت هو قدرة الجنس البشري على العمل سوية للتخلص من الداء المهدد لبقائهم جميعا.

لذلك فإن بقاء الفلسطينيين في بلادهم أو بلاد مهاجرهم، مرتبط بتوحّدهم وتكاتفهم وتعاونهم للبقاء، وما تقوم به السلطة الوطنية وحكومة حماس المؤقتة من جهود في تأمين الأدوية والغذاء والاهتمام بوقف اندفاع كورونا مهمّ، لكن الاستمرار في ذلك يتطلب التعاون المشترك على نطاق واسع كي يمكن تقديم مساعدات أسرع وأكثر ديمومة لا تتوقف عند أفراد أو فصائل، وتشمل رؤية واضحة للتعامل مع القضايا الملحة.

حان الوقت لعودة القيادة الحمساوية، القديمة أو الجديدة، إلى مكانها المفروض للقيام بمسؤولياتها تجاه الشعب الفلسطيني في هذه الفترة الحرجة والخطيرة. وليس هناك تبرير لهذا الغياب الطويل الذي يترك آثارا سلبية على الأداء المطلوب من قيادة حماس تجاه الأزمة التي تعصف بالشعب الفلسطيني في غزة، وبلاد أخرى، لأن الأسوأ لم يأت بعد. فمسؤولية القيادة لا تتمثّل في الوقت فقط، بل محكومة بالتوقيت أيضا، ومحاولة استثمار الأجواء لصياغة منظومة متماسكة تجنب المواطنين المزيد من الأزمات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى