أقلام وأراء

مروان سمور يكتب – القوّة الناعمة الأمريكية وتصدير النموذج

بقلم  مروان سمور – 16/7/2020

يعرِّف «جوزيف ناي» عالِم السياسة الأمريكيّ «القوّة الناعمة» بأنّها «القدرة على تحقيق الأهداف المنشودة عن طريق الجاذبيّة أو السحر أو الإقناع بدل الإرغام أو الإغراء بالأموال». وموارد القوّة الناعمة لأيّ بلد هي ثقافته وقيمه السياسيّة، فضلًا عن السياسة الخارجيّة، وتنوع استخدامها، من وسائل الضغط الاقتصادي والدبلوماسي والنفسي، وأيضًا هناك أساليب الإغراء والجاذبية، من الفنون على اختلافها، بما فيها الأدب والمسرح والسينما. ولا نغفل أن أساس القوة الناعمة الأمريكية هو: السياسات الديمقراطية الليبرالية، واقتصاديات السوق الحرة، والقيم الأساسية مثل حقوق الإنسان وغيرها.

وفي ضوء قراءتنا للقوة الناعمة الأمريكية لا بد أن نتعرّف على «محاور القوة الناعمة الأمريكية الأساسية» التي تغذيها، والتي تصب بالنهاية في خدمة السياسة الكلية لأمريكا ومصالحها، فهي كالتالي:

السياسة الخارجية: إن اتباع سياسات خارجية مُصمّمة بشكل جيد سيدفع الدول الأخرى إلى أن تحذو حذو الدولة التي تستخدم القوة الناعمة. إضافة إلى المساعدات الاقتصادية للدول الأجنبية.

الدبلوماسية العامة: فمن خلالها يمكن النفاذ إلى قلوب وعقول ونفوس الناس، والتأثير على الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة. وذلك من خلال المنح الدراسية، واتفاقيات التبادل، والبرامج التدريبية، والحلقات الدراسية، والمؤتمرات، والوصول إلى القنوات الإعلامية.

النفوذ السياسي: هناك من يقول بأن نفوذ أمريكا الكبير يرجع في معظمه لقوتها العسكرية، لكن هذا ليس صحيحًا على إطلاقه، فمنطقيًّا لن تغزو الولايات المتحدة كل دولة لا تعجبها أو تتمرّد على سياستها، ولكن لديها أدوات قوة أخرى تستخدمها وتحقق بها أهدافها بنفوذها السياسي العالمي.

التحكم بمؤسسات التمويل العالمية: وهذه المؤسسات بالطبع، البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والاثنان يشكّلان معالم السياسة الاقتصادية العالمية ، والاثنان تتحكّم فيهما أمريكا بشكل شبه كامل.

التحكم بمؤسسات صنع القرار في العالم: أمريكا هي أحد الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن وهي أهم عضو مؤسس في حلف شمال الأطلسي «الناتو».

السيطرة على الدولار: إن وجود الدولار كعملة العالم التجارية الرسمية، وعملة الاحتياطي العالمي لمعظم دول العالم يُعطي أمريكا كثيرًا من الزخم والنفوذ كمرجعية اقتصادية أساسية ووحيدة. فان حصة الدولار من الاحتياطات العالمية في يونيو عام 2020 بلغت 61.9%.

النجاح الاقتصادي والتكنولوجي: تتميز الولايات المتحدة باقتصادها القوي ، وإضافة لذلك فهي تهيمن تجاريًا على المجالات الاقتصادية الرئيسية في العالم، من التكنولوجيا والسلاح والدواء والغذاء والنقل والطاقة.

وكذلك لا نغفل قوتها المُتمثلة في علاماتها التجارية المُنتشرة في شتى أنحاء العالم، والتي تدعم انتشار النموذج الأمريكي على مستوى العالم. والتي تعد عنصرًا مساعدًا على تزايد جاذبية أمريكا في العالم.

صناعة الأعلام: تمتلك الولايات المتحدة إعلامًا مُسيطرًا حول العالم، سواء كان إعلامًا مرئيًّا «تليفزيون/ سينما/ إنترنت» أو إعلامًا مقروءًا .

فهي تمتلك القنوات الإعلامية الأمريكية المشهورة مثل: (سي إن إن، سي بي اس، فوكس نيوز، سي إن بي سي، إن بي سي، آي بي سي)، ووكالات أنباء مثل (وكالة أسوشيتد برس، بلومبيرغ).

وإعلام مقروء كالواشنطن بوست والنيويورك تايمز، وصناعة السينما التي تسيّرها «هوليوود» وشركاتها مثل (وارنر برذر – ديزني لاند – بارامونت – ام جي ام – يونيفيرسال – سينشيري فوكس القرن 20)

بالإضافة لشركة ديزني لاند لصناعة الرفاهية، وأيضًا أغاني البوب وغيرها.

وأيضًا مراكز الأبحاث التي يُقدّر عددها 1183 مركزًا بحثيًا.

المؤسسات التعليمية الأمريكية: – الجامعات الأمريكية: حيث تعتبر مؤسسات التعليم العالي الأمريكية من أرقى المؤسسات التعليمية في العالم ، وتصنّف كأكثر الدول أستقطابًا للطلاب الدوليين في العالم. وتعتبر البلد الأم لأفضل الجامعات في العالم.

– تصدير الثقافة والنموذج الأمريكي: تمتلك أمريكا نفوذًا وتأثيرًا في عالمنا الراهن مُستفيدة من شيوع اللغة الإنجليزية، سواء في لغة التخاطب اليومي، أم لغة التجارة والأعمال، وهناك اليوم مئات الملايين من البشر يأكلون ويلبسون على الطراز الأمريكي، ويستمعون إلى الأغاني الأمريكية ويُشاهدون الأفلام الأمريكية. ويتكلمون الإنجليزية باعتبارها لغة التقنيات والأعمال.

وأيضًا تستمد الولايات المتحدة قدرًا كبيرًا من قوتها الناعمة ليس من حكومتها فقط، بل من مجتمعها المدني، والمنظمات غير الحكومية.

إلا أن تأثير هذه القوة الناعمة بدأ يتقلّص منذ إدارة جورج بوش الابن، فقد أدت السياسات التي انتهجتها أمريكا عقب هجمات 11 ايلول، واعتمادها بشكل أساسي على القوة الصلبة، وإعلانها الحرب على «الإرهاب»، ولم توفّر الإجراءات القانونية الواجبة في قضايا مثل سجن أبو غريب ومُعتقل غوانتانامو. ما قوّض دعاوى أمريكا بالتزامها الأخلاقي، حيث جاءت هذه الأفعال مُتعارضة بشكل مُباشر مع القيم التقليدية الأمريكية الخاصة بالحريّة وحقوق الإنسان وسيادة القانون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى