ترجمات أجنبية

مركز ستراتفور – بقلم  فرانز ستيفان جادي – روسيا و الصين و اتفاقهما الودي في القرن 21؟

مركز ستراتفور –كتب  فرانز ستيفان جادي- 28-10-2019  
ترجمة : هالة أبو سليم 
في شهر سبتمبر من هذا العام  تمت مشاركة وحدة عسكرية من جيش التحرير الصيني مكونة من  1،600مقاتل، ، طائرات، الدبابات، ومعدات عسكرية أخرى، بالمشاركة في تدريبات عسكرية استراتيجية مع القوات الروسية المسلحة ، وقد استمرت التدريبات العسكرية في الفترة ما بين 16سبتمبر حتى 21 سبتمبر . وكانت  مشاركة وحدة  من جيش التحرير الشعبى الصيني الكبيرة مؤشرا آخر على العلاقات العسكرية المتنامية بين بكين وموسكو  وتسليط الضوء على تطورات العلاقات العسكرية بين البلدين .
ولم تكن المناورات العسكرية الروسية الاستراتيجية التي جرت في العام السابق، في 2018 (فوستوك-2018)، هي أكبر تدريبات عسكرية روسية منذ ما يقارب أربعة عقود، ووفقًا لوزارة الدفاع الروسية، ولكنها شملت أيضًا أكبر وحدة عسكرية تابعة لجيش التحرير الشعبي  الصيني التي  تشارك في تدريبات عسكرية بقيادة روسيا حتى الآن: أكثر من 3500 فرد من القيادة الشمالية التابعه  لجيش التحرير الشعبي، و900 قطعة سلاح ثقيل و30 طائرة ثابتة الجناحين  الذى يُشارك في التدريبات و هو محاكاة لحرب بين الدول .
وكان أبرز السمات  هذا العام، إلى جانب مشاركة الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون ومعاهدة الأمن الجماعي – الهند وباكستان وقيرغيزستان وكازاخستان وطاجيكستان وأوزبكستان – التركيز أيضا على القتال الشديد والصراع بين الدول .
رغم أن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويجو شدد على أن التدريب كان يركز أساسا على عمليات “مكافحة الإرهاب”، فقد شمل التدريب صد الضربات الجوية المعادية والهجمات المضادة ضد دولة مسلحة تقليديا إلى الجنوب الغربي من روسيا. بعبارة أخرى، تمارس الصين وروسيا ممارسة إلحاق الهزيمة معاً بعدو ، ولو على نطاق ضيق .
ومن العلامات الأخرى أن البلدين ربما يتحركان ببطء نحو اتفاق “ودي”  بحكم الأمر الواقع، وهو الاتفاق الأنجلو فرنسي الذي تم التوصل إليه في عام 1904 والذي مهد الطريق أمام فرنسا والمملكة المتحدة لكي يصبحا حليفين ضد ألمانيا والقوى المركزية أثناء الحرب العالمية الأولى .
 وكما كان الحال مع فرنسا وبريطانيا قبل أكثر من قرن من الزمان، فإن الصين وروسيا ليسا حليفين   و لا يوجد معاهدات بينهما و لا يوجد  التزام دفاعي صريح بالمساعدات من كل منهما  اذا ما تم مهاجمة أي من الدولتين .
ومع ذلك، فإن الضغوط التي تمارس من أجل التعاون من جانب الولايات المتحدة التي ينظر إليها على أنها معادية على نحو متزايد، مثل فرنسا والمملكة المتحدة في مطلع القرن التاسع عشر/العشرين، تعمل ببطء على إنهاء عداوتهم المتبادلة، على الرغم من المصالح المتباينة والمتضاربة، لمواجهة منافس مشترك . 
اسباب التقارب الروسي – الصيني :
وتشير استراتيجيّة الأمن القوميّ الأمريكيّة إلى أن البلدين “يتحديان القوة والنفوذ للمصالح الأمريكيّة, في محاولة لتآكل الأمن والرخاء الأمريكيّين. وهي عازمة على جعل الاقتصادات أقل حرية وأقل عدالة، وتنمية جيوشها العسكري، والسيطرة على المعلومات وقمع مجتمعاتها وتوسيع نفوذها وان “الصين وروسيا اكثر اتساقاً من اى وقت مضى منذ منتصف الخمسينات”. ومن الجدير بالذكر أن التجارة الثنائية بين البلدين تجاوزت 100 مليار دولار أميركي لأول مرة في عام 2017، وهي في ارتفاع مستمر. كما أصبحت روسيا أكبر مورد للنفط الخام في الصين في عام 2016، وابتداء من عام 2019، وافقت موسكو على بيع الصين 1.3 تريليون قدم من الغاز المكعب سنويا لمدة ثلاثة عقود. ولكن في المجال الاقتصادي أيضاً بدأت الصدوع في فكرة العلاقات الصينية الروسية المتزايدة التقارب تظهر في مقدمة اهتمامات العالم. يبلغ حجم الاقتصاد الصينى حوالى ثمانية اضعاف حجم الاقتصاد الروسى ومعدل نمو اسرع بكثير .
ان مبادرة  الحزام والطريق  الواحد الصينية (من أجل ربط الصين بالعالم ) قد توسعت الصين بقوة ايضا الى اسيا الوسطى وتقوض “الاتحاد الاقتصادي الاورواسيوي” لموسكو والاكثر اهمية من ذلك ان الصين تبدو عازمة بشكل متزايد على تعبئة الشرق الاقصى لروسيا بالمهاجرين الصينيين مما اثار مخاوف روسية عميقة من ضم صيني صريح لا جزاء من البلاد.
وهذا الخلل الاقتصادي، الذي يترجم إلى فجوة متنامية في قدرات القوة، من المحتمل أن يؤدي إلى خلق التوترات بين البلدين، ما لم تكن موسكو على استعداد للعب دور الشريك الأصغر.
فبسبب الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة ، أصبحت الصين وروسيا تنهي عدائيتهما المتبادلة ببطء، على الرغم من المصالح المتباينة والمتضاربة، في مواجهة منافس مشترك.
كيف توثقت العلاقات الروسية –الصينية في المجال العسكري ؟
وقد أرست وثيقتان لأسس  التعاون عسكري محتملة في أوقات الحرب  : أولا، تنص المادة 9 من معاهدة علاقات حسن الجوار والتعاون الودي الثنائية لعام 2001 على أنه “عندما تنشأ حالة يرى فيها أحد الأطراف المتعاقدة أن السلام مهدد ومتقوض أو أن مصالحه الأمنية متورطة أو عندما يواجه خطر العدوان، تجري الأطراف المتعاقدة على الفور اتصالات ومشاورات للقضاء على هذه التهديدات.
“ثانياً، يشير الإعلان الصيني الروسي المشترك لعام 2018 إلى أن الصين وروسيا “ستعملان على تعزيز التعاون في جميع المجالات، وزيادة تعزيز الاتصالات الاستراتيجية والتنسيق بين قواتهما المسلحة، وتحسين آليات التعاون العسكري القائمة، وتوسيع نطاق التفاعل في مجال التعاون العملي العسكري والتقني العسكري ، ومقاومة التحديات التي تواجه الأمن العالمي والإقليمي بشكل مشترك. “ويمكن العثور على لغة مماثلة في وثائق أخرى وتؤكد إمكانية تبادل المساعدة العسكرية في ظل ظروف معينة”.
 في عام 2017، اعتمد كلا البلدين خريطة طريق مدتها ثلاث سنوات تحدد الإطار القانوني للتعاون العسكري المكمل لاتفاقية عام 1993 التي أبرمتها وزارتا الدفاع الصينية والروسية لتعزيز التعاون بين القوات المسلحة لكلا البلدين، وخاصة في مجال التكنولوجيا العسكرية، كما تجري الصين وروسيا مفاوضات بشأن اتفاقية تعاون عسكري محدثة.
ألية  التعاون في المجال العسكري : 
وفى سبتمبر تعهد الجانبان مرة اخرى بتعزيز العلاقات العسكرية خلال زيارة قام بها تشانغ يوشيا نائب رئيس اللجنة العسكرية المركزية لموسكو . كما اعلنت وزارة الدفاع الروسية يوم 20 سبتمبر أن روسيا والصين قد وضعت خطة جديدة للتعاون بين المؤسستين العسكريتين لكل منهما لعام 2020 وعام 2021 ” ، وسيتم الموافقة عليها في المستقبل القريب.
والواقع أن الورقة البيضاء الصينية الجديدة للدفاع الوطني تنص على أن “العلاقات العسكرية بين الصين وروسيا مستمرة في التطور على مستوى عال، الأمر الذي يثري الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين وروسيا للتنسيق من أجل عصر جديد ويلعب دوراً كبيراً في الحفاظ على الاستقرار الاستراتيجي العالمي. وقامت القوات الجوية التابعة لجيش التحرير الشعبى الصينى والقوات الجوية الروسية بأول دورية جوية مشتركة طويلة المدى على الإطلاق في بحر الصين الشرقى وبحر اليابان في يوليو “لتعزيز الاستقرار الاستراتيجي العالمي”. ولا يمكن التقليل من أهمية المهمة المشتركة. وللمرة الأولى, حلقت القاذفات ذات القدرة النووية الصينية والروسية بالقرب من المجال الجوّيّ للحلفاء الأمريكيّين في شرق آسيا.
الرسالة الصينية   “الواضحة ” للولايات المتحدة الأمريكية :
كان المقصود من هذه “المناورات الجوية ” رسالة واضحة إلى الولايات المتحدة مفادها أن التزام البلدين بما أشارت إليه بكين  بأن “شراكة استراتيجية” قد تمتد أيضا إلى المجال النووي الاستراتيجي. وبطبيعة الحال، وينبغي النظر إلى هذه الإجراءات المشتركة الأخيرة من منظور ما، حيث أن هناك قيودا على مستوى التعاون الذي ترغب البلدان في أن تنخرط فيه. بالرغم من  تجنب الصين تاريخياً التحالفات الدائمة. والواقع أن البلدين أكدا مراراً وتكراراً على أنهما ليسا حليفين بل شريكين. وعلى سبيل المثال، في وقت سابق من هذا العام، أكد متحدث باسم وزارة الدفاع الصينية أن الصين تسعى إلى إقامة “شراكات، وليس إقامة تحالفات”. كما أظهرت أعمال بكين وموسكو  في آسيا حدود شراكتهما.
التقارب الفيتنامي – الهندى –الروسي :
والواقع أن العلاقات الوثيقة بين روسيا وفيتنام والهند، فضلاً عن المطالبات البحرية الصينية في بحر الصين الجنوبي والتي لم تتلق من روسيا إلا القليل من الدعم الدبلوماسي لها، كشفت أن أياً من البلدين لا يرى فوائد عديدة من دعم الأخرى على حساب المصالح الوطنية. وعلى الرغم من الروابط المتنامية، إلا أن كلاً من البلدين ما زال يرى في نفسه تهديداً عسكرياً. على سبيل المثال، تأثر قرار روسيا بالتخلي عن معاهدة القوات النووية المتوسطة المدى تأثراً جزئياً بترسانتها الصاروخية البالستية المتوسطة والمتوسطة المدى المتنامية في الصين.
ورغم هذا، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتن هذا الشهر أن روسيا تساعد الصين في بناء نظام للإنذار المبكر بصواريخ بالستية. وكانت موسكو قد رفضت في السابق التعاون مع بكين في هذا المجال .
الدروس  من هذا الاتفاق الودى المستقبلي ما بين الصين و روسيا : 
مصالح فرنسا والمملكة المتحدة لا تقل تبايناً عن مصالح الصين وروسيا هنا يتشكل الدرس المستفاد من هذا التقارب المستقبلي و الودى ما بين روسيا و الصين. فقد اعتبرت باريس ولندن بعضهما البعض خصمين رئيسيين لقرون من الزمان و خاضتا  حروباً عديدة ضد بعضهما  وفي عام 1898، اقترب  الطرفان  الى المواجهة العسكرية  بسبب النزاع الإقليمي الذي نشب  في شرق أفريقيا  كما حدث في ما يسمى  ( بحادثة الفاشودا) . مع ذلك ،تركت بريطانيا و فرنسا خلافاتهما جانباً ، وواجه  الطرفان القوة الألمانية و خاضتا حرب داميه ضد ألمانيا و حلفائها في ذلك الوقت . 
الخاتمة : 
فالعدو المشترك، بالرغم من عدم وجود رؤيه مشتركة ، وخطة استراتيجية ومصالح وطنية مشتركة، قد يكون كافياً لتشكيل تحالف بحكم الأمر الواقع  .
الرابط الأصلي للمقال :
 Are Russia and China the Entente Cordiale of the 21st Century?

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى