الصراع الفلسطيني الاسرائيليغزة

مركز دراسات الأمن القومي / الخط الدقيق بين التسوية والتصعيد في قطاع غزة

اودي ديكل وكيم لفي، مركز دراسات الأمن القومي  12/8/2018

بلغت الالية الدورية في قطاع غزة مرة اخرى الى نقطة تؤدي الى المواجهة بين اسرائيل وحماس. الوضع الاساس في القطاع الذي لم يتغير في العقد الاخير، يتميز بضائقة اقتصادية، انسانية وانشائية متواصلة وخطيرة، تحاول حماس الخروج منها بمعونة محافل دولية وفي ظل القاء المسؤولية على اسرائيل. وفي غياب نجاحات لتغيير الوضع على مدى الزمن، تتوجه حماس ومحافل الارهاب الاخرى في القطاع الى اتجاه التصعيد الامني مع اسرائيل.

في جولة المواجهة الحالية تجمعت عدة عناصر، تراكمت في السنة الاخيرة وضعضعت الاستقرار الامني النسبي الذي ساد هذه الساحة منذ حملة الجرف الصامد في آب 2014. في البداية، اعترفت حماس بالفم الملآن بفشلها في ادارة الشؤون المدنية في القطاع، توجهت الى أفق المصالحة مع السلطة الفلسطينية وكانت مستعدة لان تنقل اليها المفاتيح لادارة المنطقة شريطة ان تواصل المنظمة الاحتفاظ بذراعها العسكري وبالتالي احتكار القوة في القطاع. اما رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، فشرع بدوره في كفاح اقتصادي مصمم ضد جهاز ادارة القطاع لحماس، اوقف ضخ الرواتب الى موظفي الحكم في القطاع وأوقف تحويلات المالية لغرض توريد الكهرباء والوقود الى المنطقة. واستهدفت هذه الخطوات اضعاف حماس وعمليا سرعت فك ارتباط السلطة عن القطاع. في اتصالات المصالحة طرح عباس موقفا لا لبس فيه، في انه فقط مقابل السيطرة الكاملة – “سلطة واحدة، قانون واحد وسلاح واحد” – سيوافق على العودة الى القطاع. وبالتوازي، غيرت مصر سياستها تجاه القطاع في بعدين – الاول عبر عن نفسه في الاستعداد لادارة حوار مع حماس، استنادا الى استعداد المنظمة للتعاون معها في الحرب ضد المحافل السلفية – الجهادية في شبه جزيرة سيناء. والثاني تضمن استعداد مصر لتعميق دورها في ما يجري في القطاع وأخذت على عاتقها مزيدا من المسؤولية في تحقيق الهدوء والاستقرار، وتقدم المصالحة بين السلطة  وحماس، واتخاذ تسهيلات في الاغلاق على القطاع والدفع الى الامام بمشاريع اقتصادية في صالح سكان غزة. وفي الاسرة الدولية ايضا، بما في ذلك ادارة ترامب، فهم بان خطوة اولى ضرورية لتحريك مسيرة سياسية بين  اسرائيل والفلسطينيين يجب أن تبدأ بمعالجة “وعاء الضغط” الانساني في القطاع. ولكن النتائج لم تسارع الى المجيء والضغط الداخلي على حماس بالذات. ووقعت مبادرة “مسيرات العودة” التي يعود أصلها الى المجتمع المدني الغزي ثمرة ناضجة في يد المنظمة. فمن خلال المظاهرات الجماهيرية الى جانب الجدار الحدودي مع اسرائيل والتي تطورت معها هجمة الطائرات الورقية والبالونات، تمكنت حماس من تحدي اسرائيل سواء في الساحة الامنية – ولا سيما بغياب جواب مناسب لطرق الارهاب الجديدة، ام في الساحة الدبلوماسية – الصورة – عقب المس بالفلسطينيين في اثناء الاشتباكات في منطقة الجدار وكنتيجة للنشاط العسكري في القطاع.

وبالفعل، نجحت حماس من الاستفادة من الاحداث، ونيل الزخم وتخليص نفسها – مؤقتا على الاقل، من مكانتها الضعيفة والمردوعة، والتأثير على تصميم جدول الاعمال في ظل ادارة الاتصالات في محاولة للوصول الى انجازات في عدة ساحات: امام اسرائيل – تسعى حماس الى تحقيق تسوية بعيدة المدى، في اطارها يرفع الحصار عن القطاع وتتحقق صفقة تحرير السجناء؛  امام مصر، تسعى حماس الى فتح معبر رفح ونيل استعداد مصر لتحقيق مشاريع اقتصادية بالتعاون مع الاسرة الدولية؛ في الساحة الفلسطينية – هدف حماس هو رفع المسؤولية عن الادارة المدنية للقطاع عنها ونقلها الى السلطة الفلسطينية، على طريق شق السبيل للانخراط في م.ت.ف والتأثير المؤطر والمعترف به على المنظومة الفلسطينية السياسية.

السياسة الاسرائيلية تجاه حماس والقطاع

يصعب على اسرائيل بلورة سياسة ناجعة بالنسبة لقطاع غزة. فمنذ سيطرة حماس على القطاع في 2007، امام ناظر اسرائيل كانت ثلاث  امكانيات عملية: اسقاط حكم حماس؛ اضعاف تدريجي لسلطة حماس في القطاع الى جانب اعمال لاستئناف تحكم وسيطرة السلطة الفلسطينية فيه؛ الاعتراف العملي بحكم حماس في القطاع. اما اسرائيل فاختارت عمليا خليطا من الامكانيتين الثانية والثالثة، حين سعت الى اضعاف حماس الى جانب تحديدها العنوان المسؤول عما يجري في القطاع، والاعتراف بحكم الامر الواقع بسيادتها وحكمها في المنطقة. سلوك اسرائيل في العقد الاخير لا يسعى الى تسوية واسعة وبعيدة المدى في القطاع، بل “الهدوء مقابل الهدوء” ليس إلا، في ظل التمسك بسياسة العزل بين قطاع غزة والضفة الغربية، والتي تستهدف تقليص الاثار السلبية للواحدة على الاخرى.

عدة اعتبارات تؤثر على السياسة الاسرائيلية

1. حماس مستعدة لان تحتمل المرة تلو الاخرى ثمن التصعيد وآثاره على سكان القطاع وعلى المنظمة نفسها. بل مستعدة لان تحتمل ثمن المواجهة لقاء رفع الحصار او على الاقل تسهيلات واضحة فيه (اسرائيل تٌعرف الوضع كاغلاق) على قطاع غزة. وبالتالي فان سيرا اسرائيليا نحو حماس بهدف تحقيق  تهدئة يثبت (مرة اخرى) نجاعة الاستخدام للقوة.

2. من جولة مواجهة الى جولة مواجهة اخرى ترسخ في اسرائيل اعتراف بان حكم حماس هو العنوان الحصري المسؤول في القطاع. ويتعزز هذا الاعتراف على خلفية انعدام الفائدة التي في محاولات السلطة الفلسطينية للعودة الى القطاع. وبالتالي، فان كل خطوة تسوية مع حماس ستضعف السلطة الفلسطينية وتبعد احتمالات عودتها للحكم في القطاع. فضلا عن ذلك، فان هذا النهج يخدم الموقف الاسرائيلي في الوقت الحالي، وذلك لانه “لا شريك”، في الجانب الفلسطيني يمكنه أن يتخذ القرارات لتسوية سياسية وبالاساس لتنفيذها.

3. اعتبار آخر هو اهمية التنسيق الاستراتيجي لاسرائيل مع مصر، والذي وجد تعبيره في المساعدة في القتال ضد المحافل السلفية – الجهادية في سيناء، مثلما ايضا في الدور المركزي المنسوب لمصر في تحقيق التسوية او وقف النار الطويل في قطاع غزة. فمصر مستعدة لان تبسيط رعايتها على اتفاق وقف النار، وبالتوازي تعمل على تحقيق مصالحة فلسطينية داخلية بين غزة ورام الله. يتبين أنه بخلاف الماضي، لا ترى القاهرة اليوم في المصالحة في الساحة الفلسطينية شرطا ضروريا لتحسين الوضع في قطاع غزة ومستعدة للاتفاق على تفاهمات مع حماس في ظل تجاوز السلطة الفلسطينية. ومع ذلك، تفهم مصر بانها تحتاج الى لدور السلطة الفلسطينية في مرحلة تنفيذ مشاريع مدنية في القطاع ولهذا فانها تنكب بالتوازي على تحقيق المصالحة الفلسطينية الداخلية. في كل الاحوال فان للتسوية بين اسرائيل وحماس والتي تتحقق بوساطة مصرية دون مشاركة السلطة الفلسطينية، اهمية بالنسبة لدور السلطة الفلسطينية في نظر اسرائيل في ادارة القطاع في المستقبل.

4. منذ 2014 – حملة الجرف الصامد – فان حكومة اسرائيل لاسباب حزبية وجماهيرية غير مستعدة و/أو قادرة على الوصول الى تسوية واسعة مع حماس، طالما لم يعد المدنيين وجثماني الجنديين الاسرائيليين المحتجزين لدى المنظمة.

من تقارير مختلفة عن مبادرات التسوية من جانب مصر ومبعوث الامم المتحدة نيكولاي ملدنوف يتبين أنه تتبلور خطة من عدة مراحل، تتضمن العناصر التالية: تحقيق وقف للنار، وقف المظاهرات على الجدار واطلاق الطائرات الورقية والبالونات الحارقة، مقابل فتح معبري كرم سالم ورفح لادخال واسع للبضائع الى القطاع، وكذا زيادة توريد الكهرباء،  الوقود والغاز الى المنطقة؛ اعادة المدنيين وجثماني الجنديين، مقابل تحرير سجناء فلسطينيين؛ مصر تواصل العمل على المصالحة بين السلطة وحماس واقامة حكومة وفاق، تأخذ المسؤولية عن الادارة المدنية للقطاع؛  تنفيذ مشاريع في  مجال البنى التحتية لتحسين مستوى المعيشة في القطاع الى جانب تحقيق حلول تطبيقية في منطقة سيناء – ميناء بحري لخدمة الفلسطينيين، اقامة منشآت لتحلية المياه واقامة محطة توليد للطاقة لتحسين توريد الكهرباء الى القطاع. كل هذا، الى جانب اصدار تصاريح عمل لسكان القطاع لغرض هذه المشاريع.

تطرح اسرائيل عدة مطالب كشرط للتسوية:

اولا، تطلب اسرائيل هدوء نسبيا على مدى خمس حتى عشر سنوات، يقوم على اساس التزام حماس بالحفاظ عليه، الى جانب وقف مساعي تعاظم القوة العسكرية للمنظمة. وذلك، اضافة الى تجند مصر لوقف اعمال التهريب والتسلل من سيناء الى اراضي القطاع.

ثانيا، تدرج اسرائيل في الصيغة اعادة المدنيين وجثماني الجنديين.

ثالثا، تطالب اسرائيل بمشاركة اقليمية ودولية واسعة في اعادة تأهيل القطاع، في تجنيد المقدرات اللازمة لذلك، وفي اقامة جهاز من قوة مهامة دولية،  تدير النشاط الاقتصادي والبنى التحتية وتشرف على وصول المقدرات المخصصة الى غاياتها. ويفترض بالجهاز ان يشمل ايضا عملية الفحص والمراقبة، بحيث يرابط في معابر الحدود البرية والبحرية ويكون مسؤولا عن منع تهريب الوسائل القتالية والمواد ذات الاستخدام المزدوج (المدني والعسكري) الى القطاع. تفهم اسرائيل على ما يبدو بانه  من المهم اشراك السلطة الفلسطينية في هذا الجهاز، الى جانب جهات من الدول العربية.  سيكون لهذا قيمة اضافية من ناحية الاحتمال لاقمته حماس السماح لمشروع اعادة التأهيل وعدم خرق وقف  النار والهدوء الطويل. يشار الى ان حماس من جهتها تعارض وقف تعاظم قوة ذراعها العسكري وترفض ربط التسهيلات في الحصار ووقف  النار لاعادة المدنيين وجثماني الجنديين الاسرائيليين. بالنسبة لها موضوع تبادل المفقودين بالاسرى الفلسطينيين، وعلى رأسهم محرري صفقة جلعاد شاليط الذين اعادت اسرائيل اعتقالهم، يفترض أن يبحث في مفاوضات منفصلة.

الخلاصة والتقدير

حتى وقت أخير مضى كان يبدو ان حماس توجد في شرك، لا يسمح لها تحقيق  انجازات حيال اسرائيل والسلطة الفلسطينية. ولكن في هذه الايام، في اعقاب احداث الاشهر الاخيرة، يخيل ان الاتصالات  للتسوية ترتفع درجة. والادلة على ذلك هي التسهيلات الاقتصادية التي اتخذتها اسرائيل ومصر حيال القطاع. فقد سمحت اسرائيل بادخال العتاد لاستكمال بناء منشأة تحلية المياه، ومصر تترك معبر رفح مفتوحا وبدأت تضم غاز الطبخ الى غزة.  اضافة الى ذلك، سمحت اسرائيل ومصر لكبار رجالات قيادة الخارج من حماس، بمن فيهم صالح العاروري (الذي يعتبر مخطط اختطاف الفتيان الاسرائيليين الثلاثة في صيف 2014)، الدخول الى القطاع، لغرض المشاركة في سياقات اتخاذ القرارات اللازمة ل لتسوية. وجولة التصعيد في الاونة الاخيرة جرت في سياق المساعي للتسوية: عمليا هذا خوض للمفاوضات تحت النار، فيما تبدي حماس انها لا تخاف من تصيعد واسع وليست مضغوطة للوصول الى  تسوية مع اسرائيل بكل ثمن. اما اسرائيل من جهتها فتواصل الايضاح بانها غير معنية بالتصعيد، ولكن لا يمكنها أن تتجلد على عدوان حماس. عدم ثقة عميقة بين اسرائيل وحماس، غياب آلية لمنع التقديرات المغلوطة، الى جانب الحماسة لاستخدام القوة، كل هذا يقلص بالتالي احتمال التسوية ويزيد من خطر التصعيد.

في كل سبيل، فان المرحلة الاولى هي تحقيق وقف للنار وهدء امني. اما الانتقال الى مراحل التسوية التالية فسيتوجب ازالة حاجز عال – تخلي اسرائيلي عن اشتراط التقدم باعادة المدنيين وجثماني الجنديين وخلق آليات لضخ اموال دولية الى القطاع، في ظل تجاوز السلطة وحماس.

اذا تمترست اسرائيل في موقفها وتوقفت في المرحلة الاولى، اي وقف النار مقابل تسهيلات في الاغلاق، معقول أن ترد حماس بتصعيد عسكري.  اسرائيل يمكنها أن تعتمد على تصميم مصر والاسرة الدولية على تحقيق اعمار القطاع وايجاد حلول للحواجز القائمة، حتى بدون مشاركة السلطة، بحيث تضطر حماس الى الحسم بين خطوات الاعمار وبين احباطها، اذا ما  احدثت تصعيدا. نجاح حماس في تحقيق الانجازات المرغوب فيها سيعزز مكانتها في الساحة الفلسطينية، يثبت سيادتها في القطاع، يضعف حكم السلطة الفلسطينية، يثبت الانقسام بين السلطة في الضفة الغربية وحماس في قطاع غزة، ويقيم قواعد لعب جديدة في الساحة الفلسطينية. ولكن هذه الانجازات لحماس لا  تنسجم مع سياسة اسرائيل ومصالح باقي اللاعبين، المشاركن في محاولة تحقيق المصالحة الفلسطينية الداخلية ولاحقا التسوية في الساحة الاسرائيلية – الفلسطينية. ولهذا السبب، من الصعب التقدير بان حماس ستنجح في تحقيق هذه الانجازات دون تقديم التنازلات المركزية المطلوبة منها – اعادة الاسيرين وجثماني الجنديين الاسرائيليين المحتجزين لديها، قبول شرط المصالحة من عباس بالنسبة للقطاع، الى جانب اقامة جهاز يسحب من حماس حرية القرار في استخدام القوة وكذا جهاز يمنع استمرار تعاظم قوتها العسكرية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى