ترجمات أجنبية

مخاطر استنزاف روسيا

نيويورك تايمز

نيويورك تايمز –  توم ستيفنسون – 18/5/2022

دخلت الحرب في أوكرانيا مرحلة جديدة. ليس سراً أن الاجتياح الأولي كانت عاقبته سيئة على روسيا؛ حيث تسبب الجيش الروسي الذي كان يتوقع تحقيق انتصارات سهلة، في دمار فظيع خصوصاً في قصف المدن؛ لكنه أخفق بشكل كبير في الاستيلاء على أراضٍ خارج نطاق جنوب شرقي البلاد، فقد كانت المقاومة الأوكرانية شرسة.
بعد مرور 6 أسابيع من بدء الحرب، اضطرت القوات الروسية التي تعاني من نقص في القوة البشرية، إلى الانسحاب من كييف وضواحيها.
قامت روسيا، أملاً في تحقيق انتصارات جديدة، بتحديد نطاق قواتها في جنوب وشرق أوكرانيا؛ حيث تدور رحى المعارك الرئيسة في مدن وبلدات صغيرة على طول نهر دونيتس.
لا تزال روسيا تتحدث عن قطع صلة الجيش الأوكراني بمنطقة دونباس؛ لكن حتى هذه اللحظة لم تحرز القوات الروسية سوى تقدم بطيء من جهة ساحل البحر الأسود.
رداً على ذلك، غيّرت الولايات المتحدة وحلفاؤها موقفهم؛ ففي البداية كان الدعم الغربي لأوكرانيا يستهدف التصدي للاجتياح؛ لكنه الآن يتمحور حول طموح أكبر، وهو إضعاف روسيا نفسها.
يمثل هذا التحول الذي يتم تصويره كرد منطقي على العدوان الروسي، تصعيداً كبيراً. لقد زادت الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها خطر نشوب صراع أكبر، وذلك من خلال توسيع نطاق الدعم المقدم لأوكرانيا، وتنحية أي جهود دبلوماسية لوقف القتال جانباً. إنهم يقبلون على مخاطرة تتنافى مع أي مكسب استراتيجي واقعي.
تبين أن التركيز الروسي المحدود بدرجة أكبر أكثر قابلية للتحكم بالنسبة للقوات المسلحة، فقد اكتمل الحصار الدامي لمدينة ماريوبول لأسباب عملية، وسيطرت روسيا على مدينة إزيوم، مع استمرار قصف المدن الصغيرة.
مع ذلك ما تم تحقيقه من تقدم، والذي كان له ثمن وتكلفة، محدود؛ حيث باتت احتمالية تحقيق روسيا تقدماً على الأرض بعيداً عن إقليم القرم ودونباس ضعيفة وغير مرجحة.
لقد كان التحول من اجتياح عام إلى محدود يمثل بالفعل تنازلاً من جانب روسيا، وقد عزت القيادة الروسية هذا إلى عامل واحد؛ حيث زعمت أنها لا تقاتل أوكرانيا فحسب؛ بل منظومة حلف شمال الأطلسي في أوروبا الشرقية.
لا يقتصر الأمر على المساعدات العسكرية والشاحنات التي تحمل عشرات الآلاف من الأسلحة المضادة للطائرات والمدرعات إلى المقاتلين الأوكرانيين؛ حيث تقدم الولايات المتحدة معلومات استخباراتية لحظة بلحظة، بما في ذلك معلومات استهداف خاصة بمواقع القوات الروسية.
رغم أن «البنتاغون» جادل في مدى مشاركة المعلومات الاستخباراتية، كانت التسريبات موضحة للأمر بشكل ملحوظ؛ حيث نعلم حالياً أن الولايات المتحدة الأميركية قدمت معلومات استخباراتية ذات طابع تتبعي قادت إلى إغراق الطراد الروسي «موسكفا» الذي كان على رأس أسطول روسي في البحر الأسود.
كذلك قدمت أجهزة استخبارات أميركية معلومات مهمة تتعلق بالاستهداف، ساعدت في تنفيذ عمليات اغتيال لجنرالات روس في ساحة المعركة.
كان ذلك شكلاً مهماً من أشكال المشاركة في الحرب؛ لكن حدث تحول في استراتيجية الولايات المتحدة نحو ممارسة مزيد من الضغط على روسيا؛ حيث كان الرد الأميركي الأولي على الاجتياح بسيطاً، وهو تزويد المدافعين بالإمدادات، واستخدام الأسلحة المالية الفريدة لأميركا ضد الاقتصاد الروسي، أما الاستراتيجية الجديدة التي يمكن تسميتها استنزاف روسيا، فمختلفة إلى حد كبير.
وأوضح مسؤولون بارزون الأمر؛ حيث قال لويد أوستن، وزير الدفاع الأميركي، إن الهدف هو «رؤية روسيا في وضع أضعف».
وقالت نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الأميركي، إن أوكرانيا «تدافع عن الديمقراطية نيابة عن العالم».
كذلك كانت ليز تروس، وزيرة الخارجية البريطانية، واضحة بشأن توسيع نطاق الصراع، بحيث يمتد إلى أراضٍ ضمّتها روسيا إليها مثل إقليم القرم، وذلك في معرض حديثها عن طرد روسيا من «كامل الأراضي الأوكرانية». يمثل ذلك توسيعاً لساحة المعركة وتحولاً في الحرب.
وفي حين كان هدف الغرب الأولي هو التصدي للاجتياح، أصبح الهدف حالياً هو الاستنزاف الاستراتيجي الدائم لروسيا.
لقد بدأ مخطط السياسة الجديدة في الظهور في 13 نيسان، حين دعا «البنتاغون» أكبر 8 شركات أسلحة أميركية إلى الاستعداد لعمليات نقل سلاح على نطاق واسع.
وكانت النتيجة تعهد الرئيس بايدن في 28 نيسان، بتقديم الولايات المتحدة الأميركية مساعدات عسكرية إلى أوكرانيا، أكبر بأربعة أمثال مما قدمته في بداية الصراع، وقد تم تنفيذه بتقديم حزمة مساعدات إلى أوكرانيا بقيمة 39.8 مليار دولار.
يتزامن هذا التحول الاستراتيجي مع التخلي عن الجهود الدبلوماسية؛ حيث لطالما كانت المفاوضات بين أوكرانيا وروسيا مشحونة بالتوتر؛ لكنها تضمنت لحظات من الوعود، إلا أنها توقفت حالياً تماماً.
بطبيعة الحال تتحمل روسيا نصيبها من المسؤولية؛ لكن انقطعت كل قنوات التواصل الأوروبية مع موسكو، ولا توجد أي جهود جادة من جانب الولايات المتحدة الأميركية باتجاه إحراز تقدم دبلوماسي، ناهيك عن وقف إطلاق النار.
ربما تكون النتيجة المرجحة للحرب هي روسيا أكثر ضعفاً، حتى قبل ذلك التحول في السياسة الأميركية؛ حيث تدهور الوضع الاقتصادي الروسي، وبعيداً عن كونها قوة عظمى فيما يتعلق بالسلع، تواجه صناعتها المحلية الأصغر حالياً صعوبات، وتعتمد على الواردات من التكنولوجيا التي لا يمكن الحصول عليها الآن.
مع ذلك، كلما طال أمد الحرب، كان الضرر الذي يلحق بأوكرانيا أكبر، إلى جانب خطر التصعيد.
ربما يكون تحقيق نتيجة عسكرية حاسمة في شرق أوكرانيا مراوغاً؛ لكن النتيجة الأقل إثارة للجمود لن تكون أفضل كثيراً.
إطالة أمد الحرب إلى أجل غير مسمى، كما هو الحال في سورية، أمر خطير للغاية في ظل وجود أطراف مشاركة مسلحة نووياً.
ينبغي أن تكون الجهود الدبلوماسية محوراً ومرتكزاً لاستراتيجية أوكرانية جديدة.
عوضاً عن ذلك يتم توسيع حدود الحرب، وإعادة رسم الحرب ذاتها بحيث تمثل صراعاً بين الديمقراطية والاستبداد، وتكون فيها منطقة دونباس جبهة الحرية.
لا يعد ذلك غلواً انفعالياً فحسب؛ بل يعد تهوراً، ومخاطرة لا تحتاج إلى توضيح.

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى