أقلام وأراء

محمود الريماوي يكتب – قرار الضم .. «كورونا سياسية»

محمود الريماوي – 27/4/2020

في مسعاهما لتشكيل حكومة طوارئ، اتفق المتنافسان الرئيسيان في «إسرئيل» وهما تكتل الليكود بزعامة بنيامين نتنياهو وتكتل «أبيض أزرق» برئاسة بيني جانتس، على الشروع في ضم مناطق من الضفة الغربية في مطلع يوليو تموز المقبل.

ومن المفهوم أن المناطق المقصودة هي في غور الأردن، وتمثل أكثر من ثلث مساحة الضفة الغربية. وكان ضم هذه الأراضي المحتلة إلى سلطة الاحتلال في صلب البرنامج الانتخابي لليكود، بينما كان يرغب التكتل الآخر أن يتم هذا الأمر بالتوافق مع كل من الولايات المتحدة ومصر والأردن.

وقد بادرت واشنطن تعقيباً على الاتفاق على تشكيل حكومة جديدة بالقول على لسان وزير الخارجية مايك بومبيو بأن هذا الأمر«يعود إلى الحكومة الاسرائيلية». مضيفاً أن واشنطن سوف تعرض وجهة نظرها الكاملة في لقاء أمريكي «إسرائيلي» ثنائي. فيما كانت نائبة المندوبة الأمريكية الدائمة في الأمم المتحدة شيريت نورمان شاليت أكثر وضوحاً بمباركة إدارة بلادها لهذه الخطوة العدوانية بقولها بالمناسبة: «في ضوء الخطوات الأخيرة المتخذة لتشكيل حكومة طوارئ وطنية، تعلم «إسرائيل» أن بإمكانها الاعتماد على دعمنا الثابت لها، ووقوفنا جنباً إلى جنب لمواجهة تحديات اليوم».

الخطوة التي كانت متوقعة لقيت تنديداً من الأمم المتحدة ومن الأردن و موسكو ولدى المجموعة الأوروبية، اذ أكد الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية وسياسة الأمن جوزيف بوريل، أن الاتحاد الأوروبي لا يعترف بالسيادة «الإسرائيلية» على الضفة الغربية المحتلة. وقال بوريل في بيان صحفي الخميس، إن موقف الاتحاد الأوروبي من وضع الأراضي التي احتلتها «إسرائيل» عام 1967 لم يتغير، تماشيا مع القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.

ردود الفعل هذه جاءت متوقعة ضد قرار الضم باعتباره محاولة فظة لتشريع الأمر الواقع خلافاً لأحكام القانون الدولي وقرارات المنظمة الدولية، ولأنها تتعارض في الجوهر مع حل الدولتين الذي ينعقد عليه إجماع دولي. غير أن ردود الفعل الساخطة هذه لم تحرك ساكناً لدى نتنياهو الذي يترأس حكومة تصريف أعمال منذ مارس /آذار الماضي، والذي سيقود حكومة جديدة بالتناوب حتى أكتوبر 2021، اذ ينصب اهتمام هذا الرجل على تذليل العقبات التي قد تعترضه في رئاسة الحكومة إذا ما اعترضت المحكمة العليا في تل أبيب على ترؤس متهم بقضايا فساد للحكومة. فضلاً عن أن الاتفاق بين الجانبين تكتنفه تعقيدات قانونية قد ينكشف حجمها خلال عمل الكنيست إذا التأمت جلساته، علماً أن الاتفاق يقضي بعدم وضع مشاريع قوانين خلال الشهور الستة الأولى من عمر الحكومة سوى في المجال الصحي والوقائي المتعلق بانتشار فيروس كورونا.

ويسترعي الانتباه أن هناك بعض التعاون في المجال الطبي بين السلطة الفلسطينية في رام الله والجانب «الإسرائيلي» وذلك نظراً للتداخل بين الطرفين. ويشكو الجانب الفلسطيني بأن معظم الإصابات في الضفة الغربية (أقل من 500 إصابة) نقلها عمال فلسطينيون يعملون داخل «الخط الأخضر». وإذ يبدو هذا التعاون مفهوما نظرا للظرف الطارئ الذي يهدد الجميع، إلا أن سير حكومة نتنياهو على نهجها التوسعي من شأنه إشاعة «كورونا سياسية» مستدامة حيث يسهل انتشار عدوى التطرف بين الجانبين وذلك مع الإخلال الفادح والمتعمد بحقوق أحد الطرفين، ومع الاحتكام إلى سلطة القوة الغاشمة لحسم صراع سياسي طويل يمتد منذ قرن مضى حتى الآن، ومع الاستخفاف بالمرجعية الدولية لفض النزاعات وهو دأب الدول والكيانات المارقة.

أما التذرع بالعمل بمقتضى صفقة ترامب نتنياهو والمسماة «صفقة القرن»، فإنه لا يسبغ أي شرعية على هذا الإجراء التوسعي. فالصفقة هي ثمرة اتفاق ثنائي بين الدولة القائمة بالاحتلال وحليفتها الدولية الولايات المتحدة، ولم تنل أي قبول دولي أو إقليمي يذكر، ولم تعتمدها الأمم المتحدة بأي صورة من الصور.

لقد كشف هذا التوجه بتشريع الاستيلاء على أرض أصحاب الحق، أن المجتمع السياسي «الإسرائيلي» يشكو من وباء العنصرية والتوسع اللا مشروع، ومكافحة هذا الوباء لا تقل أهمية عن مكافحة وباء الفيروس التاجي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى