أقلام وأراء

محمد ياغي يكتب – مهما فعلتم فإن رجلكم راحل من بيته الأبيض

محمد ياغي – 18/9/2020

كنت أرغب بكتابة هذا المقال عن «سلام القبلات» وهي فكره جاءتني من مناهضي حرب فيتنام في ستينيات القرن الماضي عندما رفعوا شعار «لا تمارسوا الحرب، ومارسوا الحب».

لكن المقاربة غير منطقية بين «العرب المطبعين» الذين لم يطلقوا رصاصة واحدة على إسرائيل منذ العام ١٩٦٧ وبين أميركا التي كانت منغمسة بكل ثقلها في حرب فيتنام.

بالنتيجة المقال كان سيكون ساخراً وبلا معلومات مفيدة للقارئ، لهذا أستعيض عنه بما يفيد.

يتفق جميع المحللين السياسيين على أن «العرب المطبعين» لم يقوموا بفعلتهم لأن ظروفاً جديدة فرضت هذا المتغير في سلوكهم، ولكن لأن لديهم رغبة شديدة في نجاح الرئيس ترامب بالفوز بولاية ثانية.

هم يأملون بأن يقدم «تطبيعهم» للعلاقات مع إسرائيل انتصاراً سياسياً للرئيس ترامب يمكنه من استغلاله في حملته الانتخابية، بادعاء تحقيق إنجاز سياسي في علاقاته الدولية التي لم يحقق فيها أي نجاح يذكر.

قبل تقديم الأدلة على أن ترامب لن ينعم بولاية ثانية في البيت الأبيض وأن جهد «العرب المطبعين» سيذهب أدراج الرياح، علينا بداية طرح سؤال استنكاري: هل عاملكم هذا الرجل بالقليل من الاحترام حتى تتخلوا عن فلسطين من أجله؟

أو ليس هذا هو الرجل الذي قال في أكثر من مناسبة بأنكم لا تمتلكون أي شيء غير المال؟ وأنكم إذا ما أردتم الحماية فإن عليكم أن تدفعوا؟ هل دافع عنكم هذا الرجل عندما تعرضت ناقلات نفطكم ومصافيها لهجمات معادية؟

رغبتكم بنجاح هذا الرجل بولاية ثانية تُحيرنا لأنها لا تجلب لكم إلا المزيد من انعدام الأمن والاستقرار وقلة الكرامة.

لكن مهما كانت أسبابكم في «حب الرجل» وفي بذل الغالي والنفيس لتأمين وجوده في البيت الأبيض لأربع سنوات أخرى، فإن الرجل راحل بكل تأكيد بعد أقل من شهرين تاركاً لكم نتنياهو الذي لا يطيقه أحد في العالم أجمع، باستثنائكم ربما.

المتعارف عليه في الانتخابات الأميركية أن حظوظ الرئيس الأميركي بولاية ثانية كبيرة اللهم إلا إذا ساء الوضع الاقتصادي خلال ولايته الأولى بشكل كبير، أو قام بتوريط بلادة في حرب لا طائل منها أو إذا حدثت فضيحة كبيرة أثناء ولايته.

الرئيس جيمي كارتر خسر فرصته بولاية ثانية لأنه فشل في التعامل مع ملف «الرهائن الأميركيين» في إيران.

بوش الأب خسر المنافسة على ولاية ثانية بسبب الوضع الاقتصادي ولأنه وعد بعدم فرض ضرائب جديدة على الأميركيين ولم يلتزم بوعده.

أما نيكسون فقد استقال من ولايته الثانية بسبب فضيحة «ووترغيت» وكاد كلينتون خلال ولايته الثانية أن يلاقي نفس المصير.

الرئيس ترامب حالة خاصة لأنه جاء من خارج الحزب الجمهوري وأصبح زعيماً له. وهو من خارج الطبقة السياسية الحاكمة وهذا سبب انتخابه لأن غالبية من الشعب الأميركي فقدت ثقتها بهذه الطبقة.

رغم ذلك تشكل المعايير السابق ذكرها أسساً معقولة لقراءة حظوظه في الانتخابات القادمة.

اقتصادياً، النجاح الاقتصادي الذي حققه ترامب في السنتين الأولى والثانية برفعه شعار «أميركا أولاً» وبممارسته سياسة الابتزاز مع حلفاء أميركا والعقوبات على خصومها، تلاشى في السنة الأخيرة مع ظهور فيروس كورنا.

اليوم هنالك كساد اقتصادي كبير وملايين العاطلين عن العمل في أميركا، والرئيس ترامب لا يمكنه أن يقول لشعبه إن هناك نمواً اقتصادياً أو إنه تمكن من خفض عدد العاطلين عن العمل.

إدارة ترامب هي الإدارة الأولى في التاريخ الأميركي التي تطاردها الفضائح والفساد بشكل كبير. أكثر من ثمانية موظفين كبار في إدارته حوكموا إما بسبب فسادهم المالي أو بسبب تهديدهم للأمن القومي الأميركي.

ترامب نفسه تمت ملاحقته في المحاكم لفساده الأخلاقي والاقتصادي، ولشبهات في ضلوعه بالتعاون مع خصوم أميركا للفوز في انتخابات العام ٢٠١٦.

أما السبب الأهم الذي سيدفع الناخبين الأميركيين للتخلص منه فهو فشله الكبير في التعاطي مع جائحة «كورونا». قرابة مائتي ألف أميركي فقدوا حياتهم لأن ترامب رفض اتخاذ إجراءات سريعة لحماية الأميركيين من الوباء.

لقد رفض إغلاق أميركا في بداية الجائحة، ورفض تعليق المرافق العامة التي يتجمع فيها الناس، ورفض إعطاء التعليمات بارتداء قناع واقٍ من الفيروس، ورفض مبدأ التباعد الاجتماعي، وقام بممارسة كل ما هو مخالف للعلم في موضوع الوقاية من الفيروس.

هذا وحده كفيل بإسقاطه في الانتخابات القادمة.

التهريج الذي لا ينتج عنه ضرر شيء، وما ينتج عنه ضرر شيء آخر.

وما تسبب به ترامب من خسارة عشرات الآلاف من الأميركيين لحياتهم شيء لن ينساه الأميركيون في الانتخابات القادمة وسيحاسبونه عليه بإسقاطه في الانتخابات.

لكن هنالك ما هو أكثر من ذلك في مسألة انتخاب ترامب لولاية ثانية.

ترامب خسر التصويت الشعبي في ولايته الأولى وفازت عليه هيلاري كلينتون بثلاثة ملايين صوت.

بمعنى لو كانت الانتخابات الأميركية تعتمد التصويت المباشر لما وطئت قدما ترامب البيت الأبيض.

ترامب نجح في الانتخابات بسبب طريقة التصويت التي تعطي كل ولاية عدداً من الأصوات يفوز بها من يتفوق حتى لو كان ذلك بصوت واحد فقط.

هذا القانون باقٍ ولن يتغير، لكن ما يجب ملاحظته أن ترامب فاز بسبب حصوله على واحد في المائة (وأحياناً أقل) زيادة على الأصوات التي حصلت عليها هيلاري في ولايات بينسلفانيا، ويسكنسون، ميتشيغان وفلوريدا.

هذه الولايات تمتلك ٧٥ صوتاً انتخابياً وهي جزء مما يعرف بالولايات المتأرجحة وهي لن تعطي ترامب أصواتها مرة أخرى وفق جميع استطلاعات الرأي.

بلغة أخرى خسارة ترامب لهذه الولايات تعني خسارته للانتخابات وهو ما تشير إليه جميع استطلاعات الرأي.

ملاحظة أخيرة، وهي أن ترامب فاز في الانتخابات الماضية بسبب أصوات الغالبية البيضاء من غير المتعلمين.

هذه الشريحة من الناخبين حجمها يقل كل سنه وشريحة المتعلمين حجمها يزداد، ومن تمكن ترامب من إقناعهم بالتصويت له بالتحريض على الأقليات والأميركيين السود سابقاً، لن ينجح في إقناعهم جميعاً على الأقل بالتصويت له مرة أخرى.

ترامب سيغادر البيت الأبيض حتماً – إلا بمعجزة إلهية – وبعدها ستلاحقه دعاوى قضائية عديدة قد توصله للسجن، ولن يتبقى للمطبعين العرب غير حسرة الترحّم عليه.

ترى هل يكترثون؟ أم أن نتنياهو يكفيهم!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى