أقلام وأراء

محمد ياغي يكتب – لماذا حوّلوا التطبيع من سلاح لنا إلى سلاح علينا؟

محمد ياغي – 21/8/2020

عندما خط العرب وثيقتهم العام ٢٠٠٢ المعروفة بمبادرة السلام العربية، كان أساسها أن العالمين العربي والإسلامي سيقومان بتطبيع علاقاتهما مع إسرائيل إذا ما قررت الأخيرة الانسحاب من الأراضي العربية التي تحتلها منذ العام ١٩٦٧ بما فيها القدس الشرقية ووافقت على حل لمسألة اللاجئين الفلسطينيين يُبنى على قبول الطرفين له.

العرب حينها كانوا يدركون أن المقابل الذي يقدمونه لإسرائيل كبير جداً: علاقات سلام كاملة معها ومن خلالهم مع العالم الإسلامي، يعني مع مليار ونصف المليار مسلم في العالم.

والعرب حينها كانوا يعلمون أن إسرائيل هي التي تحتاجهم وأنهم ليسوا بحاجة لها.

إسرائيل الدولة الصغيرة التي لا تتمتع بعمق جغرافي يحميها أمنيا والتي لا يمكنها الصمود في حرب تستمر بضعة أشهر.

إسرائيل الدولة المطوقة بالعرب من جميع الجهات باستثناء البحر الأبيض المتوسط. التي لا يمكن لطائراتها التحليق دون المرور فوق أراضي العرب اللهم إذا كانت متوجهة لأوروبا.

إسرائيل الدولة التي يمكن خنقها اقتصاديا ودون حرب لو أراد العرب.

إسرائيل هذه كان العرب يدركون في العام ٢٠٠٢ أنهم يقدمون لها طوق النجاة بمبادرتهم للسلام.

الموافقة على التطبيع كانت السلاح العربي لإجبار إسرائيل على الموافقة على مبادلة الأرض بالسلام في وقت لم يكن فيه الرسميون على العرب على استعداد لاستخدام اسلحتهم الحقيقية، وهي كثيرة، لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي لحسابهم.

كان بإمكان العرب أن يحاربوا وينتصروا، لو أرادوا، أو لنقل لو امتلكوا إرادة الحرب أو دعموا من يحارب أو من يريد أن يحارب.

كان بإمكان العرب أن يسحبوا استثماراتهم من الغرب الى أن يجبر الأخير إسرائيل وعبر مجلس الأمن على الانسحاب من أراضي العرب التي تحتلها.

كان بإمكان العرب أن يقطعوا علاقاتهم الاقتصادية مع الغرب وأن يتجهوا شرقا الى أن يمارس الغرب ضغوطه على إسرائيل لإجبارها على احترام القانون الدولي.

لكن من بين كل هذه الخيارات المتاحة، فضل العرب أضعف الايمان وهو اشتراط التطبيع مع إسرائيل بانسحابها من أراضيهم.

على الرغم من ذلك، كان العرب يدركون، على الأقل، أن التطبيع سلاح يمكن استخدامه لحساب إرجاع أراضيهم المحتلة منذ العام ١٩٦٧.

اليوم يفاجئنا بعض العرب بأن هذا السلاح الذي كان لنا قد تحول في ليلة وضحاها، وربما بفعل ساحر، علينا!

هؤلاء يحاولون اليوم إقناعنا بما يمكن لطفل عربي صغير يجهل علوم السياسة أن يفنده دون الكثير من عناء التفكير.

هؤلاء يدعون بأن التواصل مع إسرائيل سيقنعها بالانسحاب من الأراضي التي تحتلها.

ونحن نقول لهم: هل انسحبت إسرائيل من شبر واحد من أراضي العرب من خلال المفاوضات بعد أن خرجت مصر من معادلة الصراع بتوقيعها اتفاقية كامب ديفيد العام ١٩٧٨؟

ونجيبهم أكثر، نعم خرجوا، لكن ليس بأحاديث الفنادق ومواقع الاستجمام عن السلام والتواصل بين الشعبين العربي والإسرائيلي، ولكن بالمقاومة التي أجبرتهم على الانسحاب من لبنان العام ٢٠٠٠ دون قيد أو شرط، وبالمقاومة التي دحرتهم عن غزة العام ٢٠٠٤ وفرضت عليهم إخلاء مستوطناتهم.

هؤلاء يدعون بأن العلاقة مع إسرائيل ستجلب لهم التكنولوجيا المتقدمة والأسلحة المتطورة والزراعة المُحَسنة والطب المتقدم.

ونحن نقول لهم التكنولوجيا في أميركا والصين وأوروبا وكوريا الجنوبية واليابان وتايلاند، وكل تكنولوجيا إسرائيل يمكن الاستغناء عنها لأن بدائلها موجودة في أماكن أخرى عديدة في العالم.

وما ينطبق على التكنولوجيا ينطبق على الزراعة والطب وعلى المجالات الأخرى. أما عن الأسلحة فأنتم تعلمون أن إسرائيل ليس فقط لن تعطيكم أسلحة متطورة ولكن ستحارب من يرغب ببيعها لكم.

ونقول أكثر من ذلك: أنتم تمتلكون الموارد المادية والبشرية لتصبحوا أكثر تقدما وقوة من إسرائيل، ويمكنكم توطين التكنولوجيا والصناعات المتقدمة لو كانت هذه رغبتكم ودونما حاجة لإسرائيل.

وهؤلاء يدعون بأن العلاقة مع إسرائيل ستحميهم من إيران. والحق بأن هذا الادعاء هو الأكثر سخفا وضعفا من بين جميع الادعاءات وذلك لسببين:

الأول: لأن إحضاركم إسرائيل إلى الجوار الإيراني سيجعلكم أكثر استهدافا من إيران بدلاً من أن يردعها.

والثاني: لأن اسرائيل العاجزة أمام «حزب الله» في لبنان و»حماس» في غزة لا يمكنها أن تقدم لكم شيئا في مواجهة إيران.

هؤلاء يدعون أيضاً بأن بعض الأبواق الإعلامية لديهم والتي تطالب بالتطبيع مع إسرائيل تمثل «الجيل الجديد من العرب». ونحن نقول لهم، أحقا ذلك؟!

دعونا نجرِ استطلاعا نزيها للرأي في كل دولة عربية ونحن واثقون من أن أكثر من ٩٠ في المائة من الشعوب في كل دولة عربية وفي مقدمتها الإمارات العربية هي ضد التطبيع مع إسرائيل.

مصر أقامت سلاماً مع إسرائيل منذ العام ١٩٧٨ والأردن منذ العام ١٩٩٤ لكن الشعبين المصري والأردني يعتبران إسرائيل عدوهما الأول. لماذا؟ لأن هذه الشعوب تعلم بفطرتها الثقافية أن الدولة التي تحتل أراضي العرب لا يمكن أن تكون إلا دولة معادية لهم.  

هل قلنا شيئاً للآن لا يعلمه «المُطَبِعون» أو «العرب الرسميون». بالتأكيد لا.

لماذا إذاً يلهث هؤلاء خلف إسرائيل، ويُحَولون سلاحاً كان في أيدي العرب، لسلاح طاعن للعرب في ظهورهم؟

يمكن قول الكثير هنا، لكنني لن أكرر ما قلته في مقالات أخرى وسأكتفي بالقول إن إسرائيل هي دولة داعمة لحكومات الاستبداد في العالم العربي، وهي ولما لها من نفوذ في أميركا وأوروبا يمكنها دعم هذه الأنظمة لتجاوز ملفات لها علاقة بانتهاك حقوق الإنسان سواء في بلدانهم أو في بلدان لهم نفوذ فيها أو يخوضون حروباً فيها.

هذا أكثر ما تقدمه لهم إسرائيل وهذا، كما يبدو، يكفي المطبعين.

4

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى