أقلام وأراء

محمد ياغي يكتب –  لا تنتظروا خيراً من إدارة الرئيس بايدن

محمد ياغي – 9/7/2021

عندما رحبت النخب الفلسطينية بهزيمة ترامب أمام منافسة الديمقراطي جوزيف بايدن في انتخابات الرئاسة الأميركية نهاية العام الماضي، كانت تعلم تاريخ بايدن كحليف لإسرائيل، لكن الترحيب كان على قاعدة أن أي بديل لـ»ترامب» في البيت البيض سيكون أقل سوءا للشعب الفلسطيني.

الرئيس بايدن هو صاحب الجملة الشهيرة التي يرددها دائما أمام منظمات الضغط اليهودية الأميركية وقادة إسرائيل «لو لم تكن هنالك إسرائيل لكان علينا إيجادها للحفاظ على مصالحنا.»

جملة توحي بالاستسلام التام لإسرائيل وكأنها هي من يقرر مصيره ومصير دولته العظمى.

ما هي مصالح أميركا التي تحميها إسرائيل وتدافع عنها؟ أو ليست هي من ورط أميركا في تدمير العراق مكلفة إياها مئات البلايين من الدولارات والآلاف من القتلى الأميركيين؟ أو ليس الدعم الأميركي لإسرائيل من جعل أميركا قوة مكروهة من شعوب المنطقة؟

رغم المعرفة بدعم بايدن اللامحدود لإسرائيل، كان هنالك القليل من الأمل بأن يقوم الرجل بإعادة بعض التوازن للسياسة الأميركية تجاه القضية الفلسطينية والقضايا العربية عموما أو على أقل تقدير أن يقوم بإعادة السياسة الأميركية إلى ما كانت عليه قبل ولاية ترامب، وهي على أي حال، سياسة متواطئة مع دولة الاحتلال، لكنها رغم ذلك، لم تضرب بعرض الحائط قرارات الشرعية الدولية تاركة مساحة من الأمل لحل عادل للقضية الفلسطينية.

كان بإمكان الرئيس بايدن أن يسحب اعتراف بلاده بالقدس كعاصمة لدولة الاحتلال وأن يعيد سفارة بلاده الى تل أبيب حيث كانت… لكنه لم يفعل.

كان بإمكانه أن يتراجع عن اعتراف بلادة بحق دولة الاحتلال في السيادة على الجولان السوري المحتل… لكنه لم يفعل.

كان بإمكانه التراجع عن الاقرار بسيادة المغرب على أرض الصحراء الغربية وأن يقود وساطة بين الجزائر والمغرب وممثلي شعب الصحراء الغربية لحسم مصيرها بدلا من الموافقة على قرارات سلفه… لكنه لم يفعل.

كان بإمكانه أن يدين مشاريع الاستيطان وطرد الفلسطينيين من بيوتهم في القدس وأن يطلب علنا، على أقل تقدير، من حكومة بينيت التوقف عن هذه الإجراءات… لكنه لم يفعل.

بشكل مختصر، جميع المكاسب المخالفة للقانون الدولي التي حصلت عليها دولة الاحتلال خلال ولاية ترامب، بقيت كما هي في ولاية بايدن وزاد عليها أيضا بإعادة ملء مستودعات جيش الاحتلال من صواريخ القبة الحديدية.

ما الجديد إذاً الذي قام به «بايدن»؟

الرئيس بايدن أعاد صرف الأموال لوكالة الغوث للفلسطينيين، وسمح لوكالة التنمية الأميركية بالعودة للعمل في الضفة والقطاع، ووعد بإعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية.

الإجراءات المالية بلا شك تخفف قليلا من معاناة الشعب الفلسطيني، لكنها أيضا مشروطة باستمرار التنسيق الأمني مع دولة الاحتلال.

بكلمات أخرى، أميركا تقوم بتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني مقابل عدم مقاومة الاحتلال والاستمرار في تجاهل الحل السياسي. وهذا بدوره يعني أن القضية الفلسطينية في نظر إدارة بايدن هي شأن داخلي إسرائيلي وللأخيرة أن تقرر بشأنها ما تشاء.

هذا السياسة قديمة واليوم هي متوافقة أكثر مع الرغبة الأميركية بالانسحاب من الشرق الأوسط. لكن هذه السياسة لا مستقبل لها بالنجاح.

المؤكد أن الحرب الأخيرة بين المقاومة الفلسطينية ودولة الاحتلال والمواجهة الشعبية التي صاحبتها في كامل أرض فلسطين التاريخية، فاجأت إدارة بايدن، وفرضت عليها التدخل لإيقافها رغم عدم رغبتها بالاقتراب من الملف الفلسطيني.

اليوم، هذه الإدارة تعتقد أن غزة مشغولة بملف الإعمار وبالتالي يمكن انتزاع هدنة طويلة الأمد مع المقاومة مقابل الإعمار وتحسين حياة الناس في غزة، وبالتالي عودة الهدوء لهذه الجبهة ومن ثم العودة لتجاهل الملف الفلسطيني.

هذه هي نفس الإسطوانة المشروخة التي يتم تسميعها بعد كل مواجهة عسكرية مع دولة الاحتلال. لكن لو كانت المقاومة على استعداد لإعطائهم ما يريدون، لقامت بذلك منذ سنين ولما خاضت أربع حروب كبيرة مع دولة الاحتلال خلال خمسة عشر عاما.

هنالك أيضا تجاهل متعمد لدلالات الحرب الأخيرة. المقاومة خاضت الحرب ليس من أجل رفع الحصار عن غزة، ولكن من أجل القدس في رسالة واضحة بأنها خط أحمر وأنه لن يتم السماح لدولة الاحتلال بالسيطرة عليها وعلى مقدساتها وأحيائها العربية أيا كانت التكاليف.

عندما تقول المقاومة الفلسطينية إن القدس مسألة حياة أو موت، وعندما تكون في إسرائيل حكومة مستوطنين أحد اهم أهدافها هو تهويد القدس، فإن ذلك يعني أن المعركة القادمة ليست بعيدة، وأن إدارة بايدن ستكون مضطرة لأخذ موقف من هذه المسألة.

يضاعف احتمالات الحرب، التنسيق المكثف بين أضلاع «محور المقاومة» في المنطقة والذي أعلن أنه سيكون طرفا في أي حرب تتعلق بالقدس.

إيران وحلفاؤها أيضا مصممون على إخراج أميركا من المنطقة ذليلة. المفاوضات في الملف النووي تجري بينما تتعرض القوات الأميركية في العراق وسورية لهجمات غير مسبوقة في وتيرتها.

الأسبوع الماضي تعرضت القوات الأميركية لثلاث هجمات في سورية وأكثر منها في العراق.

في الحالتين الحرب مع دولة الاحتلال أو في الهجمات المباشرة على القوات الأميركية في العراق وسورية، لن تُمَكن إدارة بايدن من إدارة ظهرها للشرق الأوسط.

خيارات إدارة بايدن بالتالي ستكون إما إرسال المزيد من القوات للمنطقة لحماية إسرائيل ومعها قواعدها العسكرية في المنطقة وإما أن تغير من سياساتها التي ترى الشرق الأوسط بعيون دولة الاحتلال.

الخيار الأول يتنافى مع مصالحها ويعيدها بقوة إلى المنطقة التي استنزفت مصادرها المالية والسياسية ويعطي الفرصة للقوى الكبرى مثل الصين وروسيا لاستنزافها أكثر والتقدم عليها أكثر في مناطق بعيدة عن الشرق الأوسط.

أما الخيار الثاني فهو يريحها من منطقة الشرق الأوسط ومن مشاكله وينسجم مع توجهها في تركيز مصادرها على الصراع مع الصين وروسيا.

ترى ماذا ستختار إدارة بايدن؟

قناعتنا تقول إن هذه الإدارة ضعيفة أمام إسرائيل ولديها ضيق أفق، وهي بالتالي قد تختار التورط أكثر في الشرق الأوسط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى