أقلام وأراء

محمد ياغي يكتب – عن جوزيف بايدن والشرق الأوسط

محمد ياغي – 13/11/2020

كَتبتُ سابقاً أن انتخاب الرئيس الأميركي بايدن يعني أن العلاقات الأميركية-الفلسطينية ستتحسن، لكننا لن نشهد تقدماً في مسار الحل السياسي للصراع الفلسطيني -الإسرائيلي.

لكن انتخاب بايدن له دلالات أبعد أثراً على الشرق الأوسط من القضية الفلسطينية وتحديداً في ثلاثة ملفات: الملف النووي الإيراني، الانسحاب من المنطقة، وحقوق الإنسان والديمقراطية فيها.

على عكس الرئيس ترامب الذي انسحب من الاتفاق النووي مع إيران وفرض عليها عقوبات مشددة، فإن الرئيس بايدن سيعمل على العودة الى ذلك الاتفاق مدفوعاً بعدة حقائق؛ منها أنه وبشكل شخصي كان جزعاً من ذلك الاتفاق عندما كان نائباً للرئيس أوباما، ومنها أيضاً رغبته الكبيرة بإعادة المصداقية لأميركا في علاقاتها مع حلفائها الأوروبيين المتمسكين بالاتفاق.

خلال سعيه لذلك، سيشترط الرئيس بايدن عودة إيران الى المستوى الذي تم الاتفاق عليه بشأن تخصيب اليورانيوم، وهو مستوى تجاوزته إيران بعد انسحاب أميركا من الاتفاق في محاولة منها للضغط على إدارة ترامب.

كما سيحاول الرئيس بايدن بالتأكيد إرضاء إسرائيل ودول الخليج العربي بطرح ملفي الصواريخ البالستية الإيرانية والنفوذ الإيراني في العراق وسورية ولبنان واليمن.

في موضوع تخصيب اليورانيوم، ستوافق إيران على اشتراطات بايدن لكنها على الأغلب سترفض اي اشتراطات متعلقة بصواريخها ونفوذها في المنطقة العربية. وفي تقديرنا بأن هذا الرفض لن يؤثر على عودة أميركا للاتفاق النووي لأن الرئيس بايدن يعلم من تجربته الخاصة في عهد الرئيس أوباما بأن هذا التكتيك قد تم استخدامه سابقاً مع إيران ولم ينجح.

العودة للاتفاق النووي له انعكاسات على إسرائيل ودول الخليج العربي. بعض دول الخليج العربي المعنية باستمرار العقوبات الاقتصادية على إيران ستجد أن من مصلحتها تعزيز علاقاتها بإسرائيل لممارسة الضغوط على واشنطن، وهذا قد يفتح الباب لمزيد من التطبيع مع إسرائيل، وربما نشهد وفقا لذلك تطبيعا للعلاقات بين دول خليجية وازنة وبين إسرائيل.

في تقديرنا بأن هذه الضغوط على الإدارة الأميركية الجديدة والتي مارستها إسرائيل أيام إدارة الرئيس أوباما لن تنجح، ذلك لأن المصلحة الأميركية تكمن في عدم الانجرار لحروب جديدة في منطقة الشرق الأوسط حتى لا تضطر لتوجيه مصادرها الحيوية (المال والسلاح والدبلوماسية) بعيداً عن أولوياتها وهي المواجهة مع الصين في منطقة شرق آسيا.

هذا يعني أن التطبيع مع إسرائيل لن يؤدي الى النتائج التي تريدها دول الخليج العربي منه، وأنها قد تضطر في النهاية للموافقة على مقاربة أميركية – أوروبية للخوض في مفاوضات مباشرة مع إيران للاتفاق على ترتيبات أمنية في منطقة الخليج تضمن الأمن للطرفين وسلامة الملاحة في مياه الخليج العربي والبحر الأحمر.

يعزز ذلك أيضا ما أعلنه الرئيس بايدن عن نيته بالعمل على وقف الحرب في اليمن «لكلفتها الإنسانية». الرئيس أوباما الذي سعى في نهاية ولايته لوقف الحرب قام بوقف توريد أنواع معينة من السلاح للعربية السعودية. إدارة بايدن قد تقوم بنفس الشيء وقد تمارس ضغوطاً دبلوماسية على حلفائها العرب لوقف الحرب، خصوصاً وأن خمس سنوات قد مضت عليها دون أن يتمكن أي من الأطراف المنخرطة فيها من حسمها.

العودة للاتفاق النووي أيضا يعني إعطاء إيران الفرصة لتسويق نفطها. المزيد من النفط في السوق يعني أسعاراً أقل له وحصة تصدير أقل لدول الخليج العربي وبالتالي دخلاً أقل لها. هذا بدورة يضعف من قدرتها على الانفاق وتحديداً على المشاريع الكبيرة التي تخطط لها.

بعيداً عن إيران وتأثير ذلك على دول الخليج العربي هناك رغبة أميركية بالانسحاب من منطقة الشرق الأوسط لتركيز اهتمامها ومصادرها كما قلنا على الصين. هذا الاتجاه بدأ في عهد أوباما واستمر في عهد ترامب وسيستمر في عهد بايدن.

الفرق بين ترامب وبايدن هو في سرعة الانسحاب. الأول كان يريد انسحاباً من سورية والعراق وأفغانستان عطله جنرالات البنتاغون لأنهم يرون أن الانسحاب من سورية يعني تسليمها لروسيا وأن الانسحاب من العراق يعني تعزيز النفوذ الإيراني فيها، وان الانسحاب من أفغانستان يجب أن يتم بالاتفاق مع الحلفاء الأوروبيين.

إقالة وزير الدفاع الأميركي مارك سبنسر قبل أيام تأتي في هذا السياق، فهو لم يدعم خطط ترامب بالانسحاب، ما أظهر ترامب خلال حملته الانتخابية كمن يخلف بوعوده التي قطعها لناخبيه.

بايدن سيستمر في التوجه بالانسحاب من منطقة الشرق لكن بوتيرة أقل سرعة، سيستمع الى جنرالات البنتاغون أكثر وسيعمل على حرمان روسيا وإيران من تعزيز نفوذهما في كلا البلدين، وسيتفق مع أوروبا على كيفية الانسحاب من أفغانستان.

في جميع الأحوال أميركا لا ترغب في البقاء في المنطقة، وسرعة انسحابها منها ستعتمد في النهاية على حجم التهديد الأمني لوجودها في سورية والعراق. كلما زاد التهديد زادت سرعة الانسحاب، وكلما قل التهديد قلت الضرورة للتسريع فيه.

الرئيس بايدن أعلن أيضاً بأنه سيعمل على إعادة الاحترام العالمي لبلاده بعد أربع سنوات من رئاسة ترامب شهدت أميركا فيها تراجعاً هائلاً لقوتها الناعمة بعد أن هادن ترامب كل الديكتاتوريات في العالم وهاجم حلفاء أميركا التاريخيين وتحديداً دول أوروبا.

القوة الناعمة تستند على ثلاث ركائز: دعم الديمقراطية، دعم حقوق الانسان، واحترام القانون والمؤسسات الدولية. تاريخياً كانت أميركا انتقائية في كل ذلك والقضية الفلسطينية الشاهد الأكبر على هذا الادعاء، لكن كان بإمكان أميركا غالباً وبعيداً عن فلسطين تبرير سلوكها بالاستناد الى هذه الركائز.

هذا يعني أننا قد نشهد انتقادات صريحة لبعض الدول في القضايا المتعلقة بحقوق الانسان في الشرق الأوسط، وضغوطاً على بعض الدول فيها للعودة لسياسة «الانفتاح السياسي» والسماح «للمعارضة» بالعمل فيها.

لن يكون ذلك بالتأكيد من أولويات إدارة بايدن التي ستكون مشغولة بالعديد من الملفات الداخلية تحديدا في السنتين القادمتين بسبب تأثير جائحة فيروس الكورونا على حياة الأميركيين واقتصادهم، لكن الاتجاه العام لهذه الإدارة سيكون في دعم حقوق الانسان والدفع باتجاه «الانفتاح» السياسي كلما كان ذلك ممكناً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى