أقلام وأراء

محمد ياغي يكتب – شيء من الماضي : خط أنابيب النفط بين إيلات وأسدود

محمد ياغي – 8/10/2021

في شهر تشرين الأول من العام الماضي وقعت شركة مملوكة للحكومة الإسرائيلية تعرف باسم شركة أنابيب النفط لآسيا وأوروبا مع شركة أخرى إسرائيلية – إماراتية تعرف باسم شركة الجسر البري بين البحر الأحمر والأبيض (ميد – ريد لاند بريدج) مذكرة تفاهم مُلزِمة للطرفين لنقل خام النفط من الخليج العربي إلى أوروبا ومن أوروبا إلى آسيا، وأن يتم ذلك عبر استخدام خط أنابيب النفط الموجود بين ميناء إيلات (العقبة) على البحر الأحمر وأسدود (عسقلان) الموجود على البحر الأبيض.

تُقدر كلفة هذا المشروع ما بين ٧٠٠ – ٨٠٠ مليون دولار، ويُعتقد وفق الموقعين عليه بأنه سيرفع من معدل تشغيل خط الأنابيب هذا بعشرات الملايين من أطنان النفط سنوياً، وأنه سيسمح بنقل النفط بين القارتين الأوروبية والآسيوية في الاتجاهين بطريقة أسرع وبكلفة أقل من استخدام قناة السويس (طول خط الأنابيب ٢٥٤ كيلومتراً).

البواخر المحملة بالنفط من الإمارات ستصل إلى ميناء إيلات وتفرغ حمولتها في خط الأنابيب ليعاد تحميلها بالبواخر في ميناء أسدود إلى أوروبا.

أما تلك القادمة من البحر الأسود حيث النفط فيمكنها أيضا تفريغ حمولتها في خط الأنابيب في أسدود وتحميلها بالبواخر من إيلات إلى آسيا.

ليس مفهوماً للآن الأهمية الاستراتيجية لهذا الخط بالنسبة للإمارات العربية على الأقل لأن نفطها باتجاه أوروبا – والتي تصدر منه القليل لها حيث أغلب عملائها في آسيا – لا يتم فقط عبر قناة السويس، ولكن أيضاً من خلال أنابيب نفط بريه تربط البحر الأحمر بالبحر الأبيض عبر الأراضي المصرية.

إسرائيل أيضاً لا تحتاج لنفط الإمارات لأنها تحصل على النفط من كل من روسيا وأذربيجان، والأخيرة تستخدم خطوط أنابيب نفط برية تمر عبر الأراضي التركية وتصل للبحر الأبيض ليعاد تحميله بالبواخر لإسرائيل.

سيكون لهذا الخط تأثير استراتيجي سلبي على قناة السويس التي تشكل أحد أهم ثلاثة مصادر للعملة الأجنبية في مصر (المصادر الأخرى هي السياحة وتحويلات العاملين المصريين في الخارج) حيث يُعتقد وفق بعض الدراسات بأن تشغيل هذا الخط سيخفض عائدات مصر من قناة السويس بقيمة ١٦٪ من العملة الأجنبية سنوياً.

خط الأنابيب هذا لم يجرِ تشغيله للآن رغم مرور سنة على توقيع الاتفاق بين الشركة الإسرائيلية والإماراتية – الإسرائيلية لأن وزارة البيئة الإسرائيلية ومنظمات البيئة والعديد من العلماء في إسرائيل والعالم يعتقدون بأن تفعيل خط الأنابيب هذا سيكون بمثابة كارثة بيئية لخليج العقبة التي تكثر فيها الشعب المرجانية وتنفيذ الاتفاق تبعا لذلك لا يزال موضع بحث في المحاكم الإسرائيلية.

لكنّ لخط الأنابيب هذا بعضاً من التاريخ المهم الذي يجب التعرف إليه.

بعد تأميم قناة السويس العام ١٩٥٦ والحرب التي شنتها إسرائيل وبريطانيا وفرنسا على مصر لم يعد بإمكان إسرائيل استخدام قناة السويس للحصول على احتياجاتها من النفط والتي كانت تُحمل بالبواخر من ميناء عبدان في إيران مروراً بقناة السويس وتفرغ في ميناء أسدود.

لذلك اتفقت إسرائيل مع شاه إيران على بناء خط أنابيب بري يربط ميناء إيلات بميناء أسدود لتجاوز قناة السويس.

الخط الذي تمتلك منه إيران ٥٠٪ تم تمويله عن طريق بنك ألماني ترأسه في حينه رجل يدعى هيرمان أبس وهو وفق كتاب صدر هذا العام باسم «العالم للبيع: المال والسلطة والتجار الذين يقايضون موارد الأرض» كان يعمل مع ألمانيا النازية لتجريد اليهود من أملاكهم في ألمانيا نفسها.

وفق الكتاب نفسه، إيران استمرت بتوريد إسرائيل أكثر من ٩٠٪ من حاجتها من النفط عبر هذا الخط حتى العام ١٩٨٣.

الثورة الإسلامية التي أطاحت بشاه إيران العام ١٩٧٩ وحولت السفارة الإسرائيلية فيها إلى سفارة لفلسطين لم تتوقف عن تصدير النفط لإسرائيل لحاجتها للمال خصوصاً أنها كانت في حرب طاحنة مع العراق.

الشركة التي كانت تُورد النفط من إيران إلى إسرائيل قبل الثورة، وهي شركة مارك ريتش، استمرت بتوريده بعدها، ولكن بشكل سري.

الولايات المتحدة التي كانت تمنح الشركة حصانة قبل الثورة فرضت على إيران عقوبات اقتصادية بعدها، ورئيس الشركة لم يسع (وفقاً للكتاب) للحصول على استثناء يُمكنه من الاستمرار في تجارته.

النتيجة كانت محاكمة صاحب الشركة، مارك ريتش، العام ١٩٨٣ بعدة تهم منها التهرب الضريبي والابتزاز والتعامل مع العدو (إيران).

إسرائيل صادرت حصة إيران في خط أنابيب إيلات – أسدود بعد الثورة الإيرانية وإيران ما زالت تطالب بتعويضات من إسرائيل منذ ذلك الوقت.

أما مارك ريتش فقد تم الإفراج عنه بقرار من الرئيس كلينتون بناء على تنسيب من إيهود باراك رئيس وزراء إسرائيل في ذلك الوقت بذريعة أنه كان يتجسس على إيران لحساب إسرائيل.

هل توافق المحاكم الإسرائيلية على تفعيل هذا الخطط مجدداً لحساب الشراكة الإسرائيلية – الإمارتية؟

علينا أن ننتظر لنرى، ولكنني أشك في أن تغامر إسرائيل بتوتير علاقاتها مع مصر من أجل تحسين علاقاتها مع الإمارات.. مصر دولة حدودية ويكفيها أن تغض النظر (إن أرادت طبعاً) عن أنفاق حركات المقاومة في غزة حتى تتسبب في ضرر أمني كبير لإسرائيل.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى