أقلام وأراء

محمد ياغي – كردستان، إسرائيل، ورسائل إيران الصاروخية

محمد ياغي  2022-03-18

من المخجل أن يجادل البعض بأن إسرائيل ليس لها وجود أمني في كردستان العراق لأن العلاقة بين أكراد العراق وإسرائيل موثقة، وهنالك عشرات التقارير الصحافية والمقالات التحليلية عنها.
لذلك فإن إدانة إيران بحجة اعتدائها على أرض عراقية لا توجد فيها مكاتب أمنية واستخباراتية إسرائيلية هي مسألة تدعو للسخرية.
يمكن للمحتجين أن يقولوا إن إيران خرقت سيادة العراق بهجومها الصاروخي على موقع للاستخبارات الإسرائيلية في أربيل، لكن لا يمكنهم نفي حقيقة أن عائلة برزاني: مصطفى برزاني بداية ثم ابنه مسعود الذي خلف والده في قيادة الحزب الديمقراطي الكردي قد طورا علاقات متقدمة مع إسرائيل منذ خمسينيات القرن الماضي.
العلاقات بدأت بعد حرب العام 1948 وما أعقبها من هجرة لليهود العرب العراقيين إلى إسرائيل. حينها قامت إسرائيل بترحيل اليهود عبر كردستان ومنها إلى إيران أيام الشاه، ومن إيران إلى إسرائيل.
لاحقا لذلك وأثناء الصراع العسكري بين أكراد العراق وحزب البعث في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، إسرائيل كانت الداعم الأكبر للأكراد بالسلاح والمال والتدريب. وإسرائيل وإيران تحت حكم الشاه عملتا معا في ذلك الوقت على تكوين مركز كردي للتجسس على الجيش العراقي، ربما يكون هو المسؤول عن تنظيم منير روفا، الطيار العراقي، وهروبه بطائرة الـ”ميج 21″ لإسرائيل العام 1966.
الزيارات الأولى لقيادات أجهزة الأمن الإسرائيلية لكردستان العراق بدأت في منتصف ستينيات القرن الماضي عندما توجه ديفيد كيمشي نائب رئيس الموساد في ذلك الوقت ومعه تسيفي تسور قائد الجيش الإسرائيلي للقاء مصطفى البرزاني ونتج عن ذلك اتفاقات على تدريب وتسليح قوات البشمرجة الكردية. مصطفى البرزاني نفسه في تلك الحقبة زار إسرائيل مرتين في العام 1968 وفي العام 1973.
بعد الاحتلال الأميركي للعراق وسعت إسرائيل علاقاتها مع أكراد العراق كوسيلة لمقاومة النفوذ الإيراني فيه وأصبح لها تواجد عسكري فيه وفق ما أعلنه الصحافي سيمور هيرش العام 2004 في موقع النيويوركر.
بعد ذلك بسنة أعلنت صحيفة يديعوت أحرونوت أن هنالك شركات خاصة إسرائيلية تقوم بأعمال تدريب البشمرجة في كردستان.
في نفس العام، أعلن مصطفى البرزاني “أن العلاقة مع إسرائيل ليست جريمة طالما أن الكثير من العرب لديهم علاقات معها” وأن من حق أكراد العراق إقامة علاقات معها.
البرزاني طبعا لم يقل إنه سبق الجميع في العلاقات مع إسرائيل.
في العام 2008 التقى جلال طالباني زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني بوزير الحرب الإسرائيلي، إيهود باراك، وقبل أشهر قليلة رعت القيادة الكردية في أربيل مؤتمرا لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والعراق.
لذلك من السخافة أن يدعي أحد أن الاستخبارات الإسرائيلية وأجهزة أمنية أخرى تابعة لها غير موجودة في كردستان.
هذه حقائق لا يمكن إخفاؤها حتى لو تم إنكارها من قبل القيادات الكردية أو ممن لهم “مشاكل” مع الحضور الإيراني في العراق.
إيران تعرف هذا التاريخ بين أكراد العراق وإسرائيل جيدا، وإذا كان للأخيرة عشرات العيون في العراق وتحديدا في كردستان، فإن لإيران الآلاف منها في كامل العراق.
الضربة الصاروخية الإيرانية للموقع الاستخباري الإسرائيلي في كردستان والتي حدثت بداية الأسبوع الماضي رداً على مقتل ضابطين إيرانيين خلال القصف الإسرائيلي الأخير لمواقع عسكرية سورية، يهدف لإرسال عدة رسائل لإسرائيل وأميركا وبعض دول الخليج العربي:
لإسرائيل بأن أي اعتداء يؤدي لمقتل ضباط وجنود إيرانيين في هجماتها على سورية أو في الداخل الإيراني سيتم الرد عليه مباشرة من إيران وليس من قبل حلفائها، وأن هذا الرد قد يكون داخل إسرائيل وقد يكون خارجها. وأن على إسرائيل بالتالي أن تتوقع مقابل كل اعتداء على إيران ومصالحها هجوما إيرانيا عليها بهدف الانتقام والردع.
لأميركا التي حدثت الضربة الصاروخية بالقرب من قنصليتها العملاقة التي تبنيها في أربيل بأنه ورغم أهمية الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة حتى تتمكن إيران من رفع العقوبات الاقتصادية عنها، إلا أن ذلك لن يمنعها من الرد على أي اعتداء عليها حتى لو أدى ذلك إلى إنهاء المفاوضات الجارية بشأن إحياء الاتفاق النووي. يضاف لذلك بالطبع، ان استخدام صواريخ متوسطة المدى ودقيقة لتوجيه هذه الضربة هو إعلان صريح من إيران أن برنامجها الصاروخي غير قابل للنقاش أو مطروح للتفاوض مع أي جهة.
للإمارات والبحرين بأن عليهما أن يكونا أكثر حذرا في علاقاتهما بإسرائيل، لإن إحضار إسرائيل إلى جانب الحدود الإيرانية واستغلال إسرائيل لهذه العلاقات لممارسة التجسس على إيران، سيعني بالضرورة أن إيران ستستهدف إسرائيل على هذه الأراضي.
رسائل إيران بالتأكيد وصلت لإسرائيل وأميركا وقد تكون أيضا وصلت للإمارات والبحرين، لكن هل سترتدع إسرائيل؟
الجواب في تقديري انها لن ترتدع من ضربة واحدة أو اثنتين، لكن إذا كان هنالك رد على كل اعتداء إسرائيلي فإنها في النهاية ستقبل بالأمر الواقع وسترتدع.. تماما مثلما فعلت مع لبنان عندما أدركت أن هنالك تصميما من حزب الله على منعها من الاعتداء على سيادة ذلك البلد العربي الصغير.

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى