أقلام وأراء

محمد ياغي – عن الموقف الإسرائيلي من الحرب في أوكرانيا

محمد ياغي 2022-04-15

رغم أن إسرائيل تعتبر نفسها “قطعة” من الغرب ولها علاقات خاصة مع الولايات المتحدة ومع غالبية الدول الأوروبية، ورغم أن رئيس أوكرانيا هو يهودي ومن الداعمين لدولة إسرائيل ولا يرى حتى بأنها تحتل شعباً آخر، إلا أن الأخيرة قد اتخذت موقفا أقرب الى الحياد في الصراع الدائر بين روسيا وأوكرانيا.
إسرائيل مثلا لم تفرض عقوبات على روسيا مثلما فعلت الولايات المتحدة ودول أوروبا، ورفضت تقديم السلاح للحكومة الأوكرانية في حربها مع روسيا كما تفعل غالبية الدول الأوروبية، ورئيس وزرائها نفتالي بينيت لم يصدر انتقاداً واحداً ضد روسيا منذ أن بدأت الحرب قبل ما يقارب الستة أسابيع.
أكثر ما فعلته إسرائيل هو تقديم المساعدات الإنسانية للحكومة الأوكرانية، وفتحها لأربعة مراكز على  حدود أوكرانيا وداخل أراضي مولدافيا، هنغاريا ورومانيا وبولندا بهدف مساعدة اليهود الأوكرانيين على الهجرة لإسرائيل إن رغبوا بذلك، بالإضافة الى محاولتها للتوسط بين الجانبين الروسي والأوكراني، والسماح لوزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد بتوجيه انتقادات خفيفة لروسيا.
ما الذي يفسر هذا الموقف الإسرائيلي من الصراع في أوكرانيا، ولماذا يتجاهل الغرب الضغط عليها لاتخاذ موقف أكثر حزما من روسيا؟
هنالك ثلاثة أسباب تفسر الموقف الإسرائيلي من الحرب الدائرة في أوكرانيا:
الأول هو أن إسرائيل تريد حرية العمل في سورية ضد إيران وحزب الله وحلفائهما. وإذا أخذت إسرائيل موقفاً واضحاً ضد روسيا فإن الأخيرة قد تقوم بتزويد الحكومة السورية بأسلحة مضادة للطائرات وللصواريخ الإسرائيلية لحرمانها من مهاجمة أهداف داخل سورية. وقد تقوم روسيا بأكثر من ذلك وهو مساعدة إيران وحزب الله على مهاجمة إسرائيل.
الى يومنا هذا ومنذ عدة سنوات، تقوم إسرائيل وقبل كل غارة على مواقع في سورية، بإعلام الجانب الروسي في قاعدة إحميم في ميناء اللاذقية عن الأهداف التي تسعى لتدميرها ومسار طائراتها وصواريخها، حتى لا تحدث مفاجأة وتتعرض الطائرات الحربية الروسية أو القوات الروسية لهذه الهجمات مثلما حدث في أيلول العام 2018 عندما أسقطت سورية طائرة على متنها 15 عسكرياً روسيا أثناء تصديها لإحدى الهجمات الإسرائيلية.
حينها وعدت روسيا بتزويد سورية بأنظمة دفاع جوي من نوع إس 300، وقالت لاحقا بأن السوريين يتدربون عليها ولكنها فعليا لم تضع هذه الأنظمة تحت تصرف الجيش السوري، والسبب يعود على الأغلب الى أن وتيرة التنسيق بين روسيا وإسرائيل على الأراضي السورية قد تعمقت لتجنب أية حوادث مماثلة.
إسرائيل تعتبر مواجهة إيران وحزب الله على الأراضي السورية أهم بكثير لها من معاداة روسيا بسبب حربها في أوكرانيا. وهي على ثقة، كما العادة دائما، بأن الغرب سيتفهم دوافعها ومصالحها وبأنها لن تكون مضطرة لتقديم كشف حساب لهم كما هو مطلوب من دول عربية عديدة مثلا أخذت موقفا مشابها للموقف الإسرائيلي وهو الحياد.
السبب الثاني ربما يعود الى طبيعة المجتمع الإسرائيلي الذي استقبل بعد انهيار الاتحاد السوفيتي العام 1990 أكثر من مليون ومائتي ألف يهودي ثلثهم من روسيا وثلثهم الآخر من أوكرانيا، أما الثلث الأخير فهو من باقي الدول التي استقلت عن روسيا.
اليهود الروس متعاطفون مع روسيا في حين أن اليهود الأوكرانيين متعاطفون مع أوكرانيا. اتخاذ موقف واضح ضد روسيا له بالتأكيد تداعيات داخلية على الحكومة الإسرائيلية وعلى المجتمع الإسرائيلي. وزير المالية الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان مثلاً، يقف مع روسيا، واتخاذ موقف منها من قبل شركائه في الحكومة، قد يدفعه للانسحاب منها واسقاطها.
على مستوى الشارع الإسرائيلي، شاهدنا فيديوهات لشجارات بين اليهود الأوكرانيين والروس في إسرائيل على خلفية الحرب في أوكرانيا. انحياز الحكومة الإسرائيلية لطرف ما يعني زيادة حدة الصراع في المجتمع الإسرائيلي الذي يفتقر الى التآلف بين مكوناته العديدة.
السبب الثالث ربما يعود الى الدور الذي يلعبه اليهود الروس في الاقتصاد الإسرائيلي. فوفق مجلة “فوربس” من بين أهم مائة من الأغنياء اليهود في إسرائيل هنالك عشرة من اليهود الروس وبعضهم يمتلك محطات تلفزة مثل القناة 13 و14 الاسرائيليتين.
وجود هؤلاء الأغنياء أو كما يسمونهم (الاولغارشيون الروس) في الاعلام والاقتصاد وداخل مجتمع صناعة القرار السياسي الإسرائيلي يجعلهم أكثر تأثيرا على مواقف الحكومة الإسرائيلية ويدفعها للنأي بنفسها عن الوقوف ضد روسيا.
لكن إذا كانت أسباب الحياد الإسرائيلي في الصراع بين روسيا وأوكرانيا بحاجة الى بعض التوضيح، فإن امتناع الغرب عن معاقبتها بسبب هذا الموقف قد لا يحتاج فعلا الى أي توضيح.
إنها ببساطة إسرائيل، التي يبرر لها الغرب ويتفهم كل ما تقوم به من قتل للفلسطينيين وتدمير لممتلكاتهم واحتلال لأرضهم في ازدواجية وقحة لم يشهد العالم لها مثيلاً على مر العصور.  

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى