أقلام وأراء

محمد ياغي: عن أسباب تصاعد أعمال المقاومة

محمد ياغي 2022-10-14

تتصاعد عمليات المقاومة الفلسطينية بشكل كبير في الضفة الغربية بعد أن اعتقدت إسرائيل أنها تمكنت من تدجينها، وهي تلقي الآن باللائمة على السلطة الفلسطينية التي تتهمها بالضعف وعدم القدرة على السيطرة على المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية في المناطق الخاضعة لسيطرتها وعلى قوى المقاومة الفلسطينية التي تتهمها بالتحريض والتنظيم. لكن هنالك ما يكفي من المعطيات لتفنيد الاتهامات الإسرائيلية.

مثلا، دولة الاحتلال هي التي تسيطر على القدس التي خرج منها عدد كبير من منفذي الهجمات ضد الاحتلال الإسرائيلي، ومخيم شعفاط في القدس الذي أعلن العصيان المدني قبل أيام يقع تحت سيطرتها الأمنية، والسلطة الفلسطينية لم تتوقف أيضا عن التنسيق الأمني رغم تهديدها المستمر بذلك.

فيما يتعلق بتهمتي التحريض والتنظيم الموجهة لحركات المقاومة الفلسطينية فهما سخيفتان لأن حركات المقاومة لم تتوقف يوما عن وصف الاحتلال بما هو موجود فيه، ولم تتوقف أيضا يوما عن محاولة تنظيم الناس لمقاومته. أضف لذلك إن الكثير من عمليات المقاومة تم تنفيذها بشكل فردي ولم يكن لتنظيمات المقاومة الفلسطينية علاقة بها.

لذلك لا يمكن تفسير تصاعد أعمال المقاومة بتهمة الضعف لدى السلطة والتحريض والتنظيم من قبل المقاومة. الأسباب الكامنة وراء تصاعد أعمال المقاومة موضوعية وسببها المباشر الاحتلال.

في العام 2000 كان يعيش في مخيم شعفاط 15 ألف فلسطيني غير القاطنين على شارع عناتا وهو ضمن أراضي المخيم البالغة مساحته 203 دونمات، هذا يعني 74 شخصا لكل دونم، وهذا العدد ارتفع إلى 20 ألفا العام 2020 حسب أرقام دائرة الإحصاءات الفلسطينية، يعني 99 شخصا لكل دونم.  

بيوت مخيم شعفاط، كما جميع المخيمات الفلسطينية، صغيرة المساحة وشديدة التلاصق ما يجعل إمكانية التوسع العمراني في المخيم معدومة، والاحتلال بدوره يحرم أبناء المخيم من الحصول على التراخيص للقيام بأعمال البناء.

سبب الكثافة السكانية ليس السلطة ولا المقاومة مسؤولة عنها، ولكنه الاحتلال الذي يمنع الفلسطينيين من التوسع في البناء على أرضهم. أبناء المخيم لا يستطيعون شراء أرض داخل مناطق «أ» و»ب» لارتفاع ثمنها وهذه المناطق لا تكفي من يسكن فيها أصلاً.

الأرض التي يمكن لجزء من أبناء المخيمات ومعهم الغالبية الساحقة من أبناء المدن والقرى الفلسطينية القيام بشرائها موجودة في مناطق «ج»، لكن الاحتلال يحرمهم منها ويخصصها للمستوطنين أو للاستثمار الزراعي الخاص به كما منطقة غور الأردن، أو لقواعده العسكرية أو لأعمال التدريب العسكري.

لكن إذا كانت الكثافة السكانية التي تجعل الحياة لا تطاق والتي يتسبب بها الاحتلال، ليست سببا كافيا لمقاومته من قبل أبناء المخيم، فإن جدار الفصل العنصري الذي حرم أبناء المخيم من فرص العمل داخل إسرائيل، وحاجز شعفاط الذي يُهين الناس أثناء مغادرتهم المخيم وأثناء عودتهم إليه يجب أن يكون كافيا.

ما ينطبق على مخيم شعفاط ينطبق على جميع المخيمات الفلسطينية في الضفة وعلى مدنها وقراها أيضاً.

هنالك ازدياد طبيعي لأعداد السكان وحاجة ماسة بالضرورة للتوسع العمراني وللمزيد من فرص العمل تتلاءم مع هذه الزيادة، لكن لا التوسع العمراني ممكن لأن الاحتلال يسيطر على الأرض ولا يسمح بالبناء عليها، ولا فرص العمل متوفرة لأن السلطة في الضفة لا يمكنها بناء اقتصاد يوفر فرص العمل للفلسطينيين دون السيطرة على الحدود والموارد الطبيعية داخل أرضها.

فرص العمل المتوفرة إما في إسرائيل، وهذه بحاجة إلى تصاريح من الاحتلال والعمل فيها محصور في قطاعات معينة مثل البناء والمطاعم والمراكز التجارية، وإما في السلطة الفلسطينية وهذه لا تستطيع استيعاب موظفين جدد بسبب «التضخم» الوظيفي فيها.

من يتمكن من الحصول على تصريح للعمل في إسرائيل عليه أيضا أن يعاني من ساعات الانتظار والإهانة الطويلة على حواجز «الذل» الإسرائيلية وعليه أيضا أن يعمل 12 ساعة يوميا بدلا من ثماني ساعات مثلا، إذ لا يمكن لأي عامل فلسطيني أن يصل لمكان عمله في إسرائيل دون أن يُضيع من وقته ساعتين في الذهاب وساعتين في الإياب على أقل تقدير.

إذا كان ذلك لا يكفي لدفع الناس لمقاومة الاحتلال، دعونا نذهب لأماكن العبادة في القدس والخليل التي يحاول الاحتلال الاستيلاء عليهما عن طريق دفع المتطرفين من جلدته للقيام بذلك.

هل يتمكن أبناء الخليل من تأدية صلاتهم في الحرم الإبراهيمي بحرية ودون خوف من اضطهاد المستوطنين لهم؟ كم مرة تم اقتحام المسجد الأقصى هذا العام وتمت إهانة وضرب المصلين الفلسطينيين فيه؟

ربما ذلك لا يكفي أيضاً. هل نتحدث عن معاناة الأسرى، عن تحول بعضهم إلى أيقونات بسبب الأشهر الطويلة التي أضربوا فيها عن الطعام من أجل الخلاص من السجن الإداري التي تجيز قوانين الاحتلال إبقاءهم فيه ما شاءت ودون محاكمة.

لا نريد الحديث عن الشعور الوطني، ولا عن صراع ممتد منذ مائة عام من أجل هذه الأرض ولا عن الشعور بالظلم والإحباط ما يسمى المجتمع الدولي الذي يقدم الدعم لهذا الاحتلال فيما يقدم عشرات المليارات وكافة أنواع الأسلحة والتدريب والحماية السياسية للأوكرانيين.

لا، ليست السلطة ولا حركات المقاومة مسؤولة عن الانتفاضة الفلسطينية الجديدة ولكنه الاحتلال وسيبقى كذلك إلى أن يزول.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى