أقلام وأراء

محمد ياغي: الغرب في الطريق إلى مواجهة مباشرة مع روسيا

محمد ياغي 2023-01-20الغرب في الطريق إلى مواجهة مباشرة مع روسيا

هنالك جديد في الحرب الأوكرانية.

الغرب يدرس تزويد كييف بعربات نقل جنود مدرعة وبأحدث الدبابات التي يمتلكها، وهو يدرس تزويدها أيضا بصواريخ بعيدة المدى لاستهداف القوات والقواعد الروسية في جزيرة القرم، التي ضمتها روسيا في العام 2014، لقطع الدعم اللوجستي عن الجيش الروسي.

الأسلحة الجديدة التي يدرس الغرب تزويدها لأوكرانيا ليست أسلحة دفاعية ولكنها هجومية تهدف إلى إحداث تغيير على الأرض لصالح القوات الأوكرانية.

المعلن من قبل الغرب هو أن هذا التغيير إن حدث سيفرض على روسيا القبول بمفاوضات تتخلى فيها عن جزء على الأقل من أطماعها بالأرض الأوكرانية مقابل وقف القتال.

لكن ما هو غير معلن، هو أن الغرب يريد إلحاق هزيمة نكراء بروسيا في أوكرانيا، وفرض هيمنته بشكل مطلق على العالم من خلال أوكرانيا.

لفهم عملية انتقال الغرب من حالة الدفاع إلى الهجوم في أوكرانيا، يمكن تقسيم الدعم الغربي لأوكرانيا إلى مراحل رغم التداخل فيما بينهما:

المرحلة الأولى بدأت بتوريد أسلحة روسية لأوكرانيا كانت موجودة لدى دول أوروبا الشرقية من الحقبة السوفيتية السابقة بما فيها طائرات السوخوي وأنظمة الدفاع الجوي من نوع إس 300 ودبابات تي 72. هذه الأسلحة التي وصلت أوكرانيا دمرتها القوات الروسية ولم تعد موجودة في مخازن جيوش أوروبا الشرقية.

تقول تقارير غربية إن معظم هذه الأسلحة قد تم تدميرها في الأشهر الأولى من الحرب وإن الجزء الأكبر منها تم تدميره في معركة الدفاع عن كييف، عاصمة أوكرانيا.

في المرحلة الثانية، بدأت الولايات المتحدة وحلفاؤها بتزويد أوكرانيا بصواريخ الستينغر والجفلين ومدافع الهاوتزر غربية الصنع وطائرات الدرون التركية.

هذه الأسلحة سمحت لأوكرانيا باستعادة مدينة خيرسون في تشرين الثاني بعد أن احتلها الروس في آذار من العام الماضي، وسمحت للقوات الأوكرانية بالصمود إلى هذا الوقت لكنها لم تُحدث فرقا حقيقيا على الأرض لصالح أوكرانيا خصوصا بعد عملية التجنيد الواسعة التي قام بها الروس للدفاع عن الأراضي التي احتلوها وبعد تمكنهم من كسر الخطوط الدفاعية لأوكرانيا في مدينة سوليدار واحتلالها.

خلال المرحلة الأولى والثانية كان الغرب يعلن دائما أنه ليس طرفا مباشرا في الحرب، وأنه لن يزود أوكرانيا بأسلحة ثقيلة مثل الدبابات المتطورة والصواريخ المتقدمة بعيدة المدى رغبة منه في ألا يصبح طرفا مباشرا في الحرب.

لكن شيئا فشيئا يكسر الغرب خطوطه الحمراء التي وضعها لنفسه.

بعد الامتناع عن تزويد كييف بأنظمة دفاع جوي متطورة، أعلنت الولايات المتحدة في كانون الأول من العام الماضي عن نيتها تزويد كييف بأنظمة الباتريوت المتطورة للدفاع الجوي، وإن حصلت عليها كييف فهي بالتأكيد ستتمكن من حرمان الروس من تفوقهم الجوي وستحرم جزءا كبيرا من صواريخهم الدقيقة من الوصول إلى أهدافها.

اليوم أيضا يدرس وزراء دفاع دول حلف الأطلسي تزويد أوكرانيا بدبابات ليوبارد الألمانية وهي الأحدث لدى حلف الناتو، حيث تمتلك أوروبا منها وفق التقارير الغربية 2000 دبابة موزعة على 13 دولة لكن بلدانا مثل بولندا والنرويج التي تدفع باتجاه تزويد أوكرانيا بها، لا تستطيع القيام بذلك دون موافقة ألمانيا، البلد المصنع والمورد لها.

ألمانيا بدورها مترددة وهنالك انقسام بشأن هذه المسألة في الائتلاف الحاكم: حزب الخضر والليبرالي الحر يضغطان بشدة على الحزب الاشتراكي الديمقراطي لتزويد أوكرانيا بهذه الدبابات فيما يرفض الأخير. لكن رفضه لذلك كان مرتبطا برفض أميركا تزويد كييف بأسلحة ثقيلة، أما الآن فإنها تريد ذلك وهي بالتالي ستضغط على ألمانيا للموافقة على شحن هذه الدبابات لأوكرانيا.

بريطانيا من جانبها أعلنت صراحة أنها ستزود أوكرانيا بعدد من دبابات تشالينجر وهي الأحدث لديها.

هذه الأسلحة الجديدة عند حصول أوكرانيا عليها ستجعل من الصعب على الروس حسم المعركة لصالحهم، وستطيل بالتأكيد الحرب وكلما طالت الحرب، ستكسر الدول الغربية خطوطا حمراء جديدة في المواجهة مع روسيا بما في ذلك تزويد أوكرانيا بصواريخ بعيدة المدى تصل الأراضي الروسية أو من خلال إرسال قوات أطلسية للمشاركة في الحرب مباشرة إلى جانب أوكرانيا.

لفهم سلوك الغرب وعدم استعداده للسماح لروسيا بالانتصار في هذه الحرب علينا إدراك ثلاث مسائل:

الأولى، أن نجاح روسيا في هزيمة أوكرانيا ودفعها للاستسلام، يعني هزيمة كبرى للغرب الذي دفع حتى الآن أكثر من مائة مليار دولار على شكل مساعدات عسكرية واقتصادية حتى يمنع روسيا من تحقيق أهدافها.

ثانيا، نجاح روسيا يعني فشل الغرب في احتوائها، ولهذا نتائج منها إضعاف الهيمنة الغربية في العالم، فتح الطريق لعالم متعدد الأقطاب، ترسيخ التحالف الصيني الروسي، ما قد يشجع روسيا مستقبلا على حل مشاكلها مع جيرانها عن طريق استخدام القوة.

أخيرا، نجاح روسيا يعني أن العديد من دول العالم من خارج الحلف الأطلسي، ستتجرأ على تطوير وتمتين علاقاتها مع موسكو على حساب علاقاتها مع واشنطن ومع الغرب عموما وهو ما لا تريده أميركا.

الحرب إذا مصيريه للولايات المتحدة من جانب الدفاع عن هيمنتها وتفردها في العالم.

لكنها مصيريه أكثر لروسيا بعد أن دخلتها وأعلنت أهدافها وحركت مصادرها باتجاهها، لأن تراجعها الآن أو هزيمتها لا يعني فقط المساس بـ «كرامتها الوطنية» وهي مسألة مهمة دولة وشعبا، ولكنه يعني تكريسا لوجود الناتو على حدود روسيا، وانعداما للاستقرار داخل روسيا نفسها بسبب الخسائر البشرية والاقتصادية التي لحقت بها جراء الحرب، نهاية كارثية لحقبة الرئيس بوتين الذي يرغب بأن يتذكره شعبه بأنه استعاد الدور المؤثر لروسيا عالميا، واستمرارا للحصار الغربي على روسيا إلى أن يتمكن الغرب من تحقيق جميع شروطه والتي ستزداد بالتأكيد في حالة الهزيمة لتصل إلى تجريد روسيا من سلاحها النووي.

المعركة إذا مصيرية للطرفين، ولأنها كذلك، فهي قد تتوسع لتشمل دولا أخرى وقد تصل إلى مجابهه مباشرة بين الغرب وروسيا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى