أقلام وأراء

محمد واني – الصراع السياسي في العراق، فن إثارة الأزمات

محمد واني ٢٠-٢-٢٠٢٢م

لم يمض أسبوعان على لقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان برئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني في تركيا لبحث تزويد تركيا بالغاز الطبيعي الكردي، إن صح التعبير، حتى سارعت المحكمة العليا العراقية بإصدار قرار فوري بإلغاء قانون النفط والغاز لحكومة إقليم كردستان الصادر عن برلمان الإقليم عام 2007، باعتباره مخالفا لمواد الدستور ولكن لماذا الآن؟ ولماذا انتظر القضاة كل هذه الفترة (15 عاما)، ولم يتذكروا هذه المخالفة الكبيرة إلا في هذا الوقت بالذات؟ هل كانوا نائمين أم ينتظرون الأوامر؟

هذه الأسئلة وغيرها طرحها المعارضون لهذا القرار في الإقليم، ومن حقهم أن يعترضوا ويشجبوا القرار ويصفوه بالمجحف والمسيس. كان المفروض أن تتحرك المحكمة فور صدور القانون من البرلمان الكردي لإصدار قرار بعدم دستورية القانون، لا أن ترصد الأحداث وتواكب زيارة بارزاني إلى تركيا وتراقب نتائج اجتماعه بأردوغان ومن ثم تحللها وتفسرها وفق المصالح. هذا ليس من اختصاص المحكمة بل من اختصاص المراقبين الصحافيين والخصوم السياسيين المتربصين.

وهذا بالضبط ما فعلته المحكمة بإصدار قرارها ضد قانون النفط والغاز في الإقليم، يبدو أن مقتدى الصدر قد أدرك الحقيقة فحذر أنصاره منها في تغريدة له وطالبهم “بتفعيل الدور الرقابي للبرلمان بأسلوب حازم يمنع التدخلات الحزبية أو القضائية المسيسة”.

لا شك أن هذه القرارات المسيسة تأتي ضمن حملة شرسة تشنها القوى السياسية والميليشياوية الشيعية المتنفذة داخل الإطار التنسيقي الخاسر في الانتخابات المبكرة التي جرت في العاشر من أكتوبر2021، عندما أيقن أن التحالف الثلاثي المكون من الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني والتيار الصدري وحزب التقدم برئاسة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، قد اقترب من التحكم بزمام الأمور في العراق والهيمنة على مفاصل الدولة وتشكيل حكومة إصلاحية تعيد الأمور إلى نصابها الصحيح.

ولكن، لم يقف الإطار التنسيقي مكتوف الأيدي بل مازال يحاول إعاقة التحالف الثلاثي من الوصول إلى الحكم والسعي لتفكيكه بأي طريقة، حتى وان لجأوا إلى المحكمة لإصدار قرارات بأثر رجعي، كما فعلوا مع قانون الغاز في الإقليم وإن كان الأساس في تطبيق القانون هو تفعيله انطلاقا من النقطة الزمنية التي نعيشها حاليا، والمضي قُدُما، لا أن نرجع للماضي لنُطبق القانون الحالي عليه، وهذا ما تم الاتفاق عليه لمفهوم “عدم رجعية القانون”. وقد يلجأون إلى القوة بشكل واسع ويهدموا المعبد على رأس الجميع إذا لزم الأمر، كما صرح بذلك أكثر من عضو في هذا الإطار.

الصراع بين الطرفين ليس على مشكلة في الحكم ولا يتعلق بمسألة سياسية عابرة أو بخرق اتفاقية معينة أو بتطبيق الدستور من عدمه. الصراع وجودي أما أنتم وأما نحن!

وهم يعلمون تماما أن عملية الإصلاح السياسي، التي يقودها الصدر، تجرفهم واحدا واحدا وتكشف فسادهم وإجرامهم وتحاكمهم على القديم والجديد. من قتل الناشطين التشرينيين الأبرياء؟ أين ذهبت أموال النفط الطائلة التي تعد بالمليارات من الدولارات في خزينة الدولة؟ وكيف استلم حيدر العبادي من نوري المالكي خزينة خاوية، كما صرح هو بذلك، بعد أن كانت فيها 145 مليار دولار؟ وأين اختفت أموال الخزينة التي استلمها مصطفى الكاظمي من عادل عبدالمهدي وهو يردد نفس كلام العبادي “استلمت خزينة خاوية”. ولماذا يعيش 40 في المئة من الشعب العراقي تحت خط الفقر في بلد يعتبر من أغنى دول المنطقة؟

المالكي اعتاد أن يمارس سياسة إثارة أزمة لمواجهة أزمة أخرى. كلما واجه أزمة عميقة تعمد إلى إشعال أزمة أخرى ألعن منها. ودائما كان يجد في الكرد الطرف الأضعف والأسهل لإثارة الرأي العام حوله، وهم في الواجهة في كل مناسبة، عندما سحب جيشه الجرار من الموصل هربا من تنظيم داعش، بالصورة المخزية التي رأيناها عام 2014، أشعل أزمة مع الكرد في نفس العام لكي يخفي بعض جوانب الصورة ومن ثم فرض عليهم حصارا شاملا وأذاقهم مر الهوان.

والآن، هو يقود الإطار التنسيقي بنفس الروح العدائية من خلال تحريك المحكمة ضد الكرد (الحيطة المائلة)، فهو لا يجرؤ على مواجهة الصدر صراحة لأنه سيقلب الدنيا على رأسه، ولكن يرسل إليه رسالة من خلال الكرد مفادها “إياك أن تتحدانا وتقف ضدنا، وكما أحيينا قضية قانون النفط والغاز الكردي الذي مضى عليه 15 عاما، نستطيع أيضا أن نفتح ملف قتل عبدالمجيد الخوئي عام 2003، ونثير المحكمة ضدك،  فحذار من اللعب بالنار!”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى