أقلام وأراء

محمد قواص: بايدن و ‘الاجتماع الدولي الكبير’!

محمد قواص ٣٠-٦-٢٠٢٢م

قد نفهم لاحقاً الأسباب التي تقف وراء “الاجتماع الدولي الكبير” الذي أثاره الرئيس الأميركي جو بايدن في معرض “كشفه” عن حيثيات رحلته إلى الشرق الأوسط. تشمل زيارته للمنطقة إسرائيل والأراضي الفلسطينية والسعودية، لكن بايدن يعوّل، وفق تصريحه، على هذا الاجتماع بالذات الذي سيعقد في جدّة منتصف الشهر المقبل.

يضم الاجتماع، إضافة إلى الرئيس الأميركي، قادة دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والعراق والأردن. يلتقي الرجل مع قادة تسع دول عربية من أصل 22 دولة عضواً في جامعة الدول العربية. وإذا ما كانت زيارة بايدن تأتي على خلفية الجدل الأميركي الإيراني حول احتمال أو انتفاء توقيع اتفاق مُحدث بشأن البرنامج النووي، فإنه يصعب تخيّل أن “الاجتماع الدولي الكبير” يدور حول مسألة إيران والموقف من طهران.

ما بين المنطقة وواشنطن، وخصوصاً في عهد الإدارة الديموقراطية بون من الجفاء والقلق والشكوك. تغيرت الولايات المتحدة، ليس فقط ما بين ديموقراطيين وجمهوريين وما بين جو بايدن ودونالد ترامب، بل في تلمّس أهل المنطقة للتراجع الحقيقي للشرق الأوسط في أولويات الأمن الاستراتيجي الأميركي. 

لم تعد الولايات المتحدة مستورداً للطاقة ولم تعد منطقة الخليج في ميزتها الطاقوية بنداً أساسياً أولياً في صراع واشنطن مع خصومها. أعادت حرب أوكرانيا للطاقة الأحفورية مجدها، لكن الهاجس الصيني في واشنطن يخفف حكماً من انخراط الولايات المتحدة التاريخي التقليدي في الشرق الأوسط. وإذا ما تقلق دول المنطقة من مقاربة أميركية للملف الإيراني، فإن بايدن اضطر، وربما مرغماً، أن يأتي إلى المنطقة للتداول مع حلفاء بلاده، إسرائيل أولاً، وحلفائه الآخرين تالياً.

قبل أن يصل بايدن إلى المنطقة أطل العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني ليعيد إثارة مسألة قيام “ناتو إقليمي”. تحدث عن تمنياته في هذا الصدد في مقابلة مع الـ CNN الأميركية نشرت مقتطفات منها، بما أوحى بأنه يتوجّه إلى الأميركيين وإلى النخبة السياسية وإلى البيت الأبيض برسائل عدة. 

أولها أن البلدان الحليفة للولايات المتحدة أخذت علماً نهائياً بـ “الانسحاب” الأميركي من المنطقة. 

ثانيها أن تلك البلدان تستكشف تشكيل منظومة أمنية بديلة مساعدة لكن بالتوافق مع المظلة الأمنية الأميركية. 

ثالثها أن بلدان المنطقة المتبرّمة من اتفاق نووي لا يضمن مصالحها قادرة، مجتمعة، على تجويف الجهد الأميركي في انتاج اتفاق ركيك سيقود حتماً إلى نشوب حروب ربما يجب قيام أحلاف استعداداً لها.

لم يقل الملك عبدالله ما هو هدف هذا التحالف ومن هو خصمه الأساسي. لم يقل من هي الدول التي ستنخرط داخله. ولم يقل إذا ما كانت إسرائيل ستكون جزءاً من هذا “الناتو الإقليمي”. غير أن سياق الدعوة الأردنية الى قيام هذا الحلف ليس بعيداً من تصاعد موقف عمان في الأسابيع الأخيرة من المخاطر الإيرانية على الأردن ودول المنطقة، ولا يمكن أن يكون منفصلاً عن سياق آخر من التوتر الحدودي الخطير مع سوريا والذي تلقي عمان مسؤوليته على إيران وميليشياتها.

“الاجتماع الدولي الكبير” في جدة و “ناتو” العاهل الأردني يتقاطعان مع تقارير عن تعاون دفاعي عسكري بين إسرائيل وبعض دول الخليج لم يتم تأكيده رسمياً، ومع دعوة وزير الدفاع الإسرائيلي بني غانتس “الدول العربية التي تشارك إسرائيل المخاوف بشأن إيران أن تعزز قدراتها العسكرية تحت رعاية واشنطن”. 

يتواكب ذلك الضجيج أيضاً مع قمة مصرية – بحرينية – أردنية عقدت في شرم الشيخ، وزيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لمصر والأردن قبل ذهابه إلى تركيا، وزيارة قام بها العاهل الأردني للإمارات. وجولة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي على البحرين وعُمان. قبل ذلك زار الأردن قائدُ القيادة المركزية الأميركية مايكل كوريلا.

والحال أن كل هذه الأعراض تعبّر عن قلق وارتباك وارتجال لدى كل دول المنطقة. قال الملك الأردني إن على “تحالفه” أن يضم الدول التي تتشارك “مواقف موحدة” وأن رؤية مثل هذا التحالف العسكري يجب أن تكون واضحة جداً ودوره يجب أن يكون محدداً بشكل جيد. الشروط صعبة وجاء الجواب سريعاً.

تحسم الإمارات هذا اللغط وتعلن أنها “ليست طرفاً في أي تحالف عسكري إقليمي أو تعاون يستهدف أي دولة بعينها”. يذهب بيان أبو ظبي إلى أن “الإمارات العربية المتحدة ليست على علم بأي مناقشات رسمية تتعلق بأي تحالف عسكري إقليمي من هذا القبيل”. وعلى هذا فإن لا خطط رسمية لإقامة حلف إقليمي ضد إيران، على الأقل في الوقت الحاضر.

لا يمكن لاجتماع جدة أن يكون مقدمة لفكرة من هذا النوع. يكفي تأمل هوية المجتمعين لاستنتاج الطابع التعددي لمواقف أطراف الاجتماع من إيران. فإضافة إلى تباين هذه المواقف بين دول مجلس التعاون الخليجي الست، فإن مواقف الأردن ومصر، وخصوصاً العراق، ليست على موجة واحدة في كيفية مقاربة المسألة الإيرانية. وعلى ذلك فإن اجتماع جدّة، على أهميته، ليس مناسبة كبرى يمكن التأسيس عليها لاستشراف تحوّل كبير لإقامة تحالفات تقوم عليها علاقات جديدة لواشنطن مع الشرق الأوسط.

إلى أن يصل بايدن إلى السعودية ستتوالى تفاصيل كثيرة. تطوّر الملف الإيراني على نحو انقلابي قاد إلى استئناف المفاوضات في الدوحة. انتقل مكان التفاوض إلى المنطقة بعد أن عملت طهران وواشنطن بعناد لإقصاء المنطقة عن كواليس أي اتفاق. سيكون الكلام عن الأحلاف هامشاً، فيما الحدث الحقيقي سيتركّز في كيفية استعادة واشنطن علاقات دافئة مع الرياض والخليج. سيكتشف بايدن منطقة متخلّصة من احتكارية الوصل مع الغرب ومتقدمة في علاقاتها مع الشرق، روسيا والصين خصوصاً. يأتي بايدن ليتعامل مع هذا المعطى وليس لصدّه أو احتوائه.

ينزل بايدن مجبراً عن قمّة شجرة تسلّقها لاستعداء السعودية. هي استدارة دراماتيكية يقوم بها الرئيس الديموقراطي يحتاج إخراجها إلى “اجتماع دولي كبير”.

 

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى