منوعات

محمد قاروط بو رحمه: تلك الجميلة، أُمي تلك الجميلة، شمسُ البيتِ ووريدُ الحياة

محمد قاروط بو رحمه 22-12-2025: تلك الجميلة، أُمي تلك الجميلة، شمسُ البيتِ ووريدُ الحياة

في محراب الجمال، لا تليقُ الصفةُ إلا بامرأة واحدة، هي التي خطَّ الزمانُ على وجهها حكايا الصبر، ونثر في ملامحها “تسع وردات” من نور. تلك الجميلة هي أمي، التي لم يزدها مكر السنين إلا بهاءً، حتى وإن طمع الزمان وقطف من ربيع وجهها ثلاث وردات، فبقيت الستُّ الباقيات تُزهر في قلوبنا طمأنينة وأماناً.

لم تكن أمي مجرد امرأة تدبر شؤون المنزل، بل كانت “المقاتلة” التي لم تضع سلاحها يوماً. على ركبتيها، حيث سكن الخشوع، كانت تجثو لله الواحد القهار، ترفع كفوفها بالدعاء قبل أن تمتد لتلقمنا الطعام بحبٍّ يغنينا عن مآدب الملوك. كانت صلواتها هي الدرع الذي يحمينا، ودموع مناجاتها هي المطر الذي ينبت فينا القوة.

ضحكة أمي حكاية أخرى؛ فهي لا تنتظر الشمس لتشرق، بل إن ضحكتها هي من “توقظ شمسنا”. هي الفجر الصادق الذي يطرد عتمة اليأس من نفوسنا، واللحن الذي يعيد ترتيب الفوضى في أعماقنا. هي التي “داوتنا بجراحها”، فكانت تنزف بصمت لتكفكف دموعنا، وتحترق كالشمعة لتضيء دروبنا، وحرستنا بعيونٍ ساهرة لم تعرف الغموض إلا حين يطمئن قلبها علينا.

لقد علمتنا أمي أن الحياة معركة، وقاتلت بالنيابة عنا حتى اشتد عودنا، وصنعت منا “مقاتلين” لا نهاب الصعاب، ورثنا عنها الصبر، واستمددنا من ثباتها العزيمة. لم تكن تربينا بالكلمات فحسب، بل كانت سيرتها دروساً في التضحية والكبرياء.

يا رب، يا من جعلت الجنة تحت أقدامها، أطل في عمر تلك الجميلة، واجعل ما تبقى من أيامها ربيعاً دائماً، ولا ترنا فيها بأساً يبكينا، فهي العيدُ قبل العيد، وهي الحياةُ فوق الحياة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى