محمد قاروط ابورحمه: إلى المربّين وصُنّاع المستقبل علّموا طلابنا الفلسفة والأخلاق والحياة وليس الجدال وفقه الكلام
محمد قاروط ابورحمه 19-12-2025: إلى المربّين وصُنّاع المستقبل علّموا طلابنا الفلسفة والأخلاق والحياة وليس الجدال وفقه الكلام
(الملخص: علموا أبنائنا ما يعينهم على مواجهة تحديات الواقع والمستقبل. علموهم الحياة، وكيف يعيشوا الحياة فوق الأرض المقدسة. فلسطين)
في خضم السعي الحثيث لتزويد الجيل الجديد بالمعارف التقنية والعلمية، نغفل أحياناً عن الجوانب الأساسية التي تشكل الإنسان المتكامل والفاعل في مجتمعه. لقد تحولت مناهجنا التعليمية، عن غير قصد، إلى ساحات للتدريب على الحفظ والتلقين، وفي أحسن الأحوال، إلى مدارس لتخريج خبراء في “الجدال وفقه الكلام”، بدلاً من تخريج حكماء وذوي أخلاق رفيعة.
لقد آن الأوان لإعادة توجيه بوصلة التعليم نحو الأهم والأبقى: الفلسفة، والأخلاق، والحياة.
1- علّموهم الفلسفة: بناء العقل الناقد لا آلة الجدال
الفلسفة ليست مجرد تاريخ لأفكار قديمة غابرة، وليست ترفاً فكرياً أو مجموعة من الألغاز اللغوية. إنها الأداة الأقوى لبناء العقل الناقد والشك المنهجي البنّاء.
عندما نعلّم طلابنا الفلسفة، فإننا نعلّمهم:
كيف يفكرون، لا ماذا يفكرون.
كيف يطرحون الأسئلة العميقة حول الوجود، العدالة، الحقيقة، والمعنى.
كيف يحللون الحجج ويميزون بين الصالح والطالح منها.
هذا التدريب العقلي يحررهم من التبعية الفكرية والانسياق الأعمى وراء الشعارات الجاهزة. هو يسلحهم بالقدرة على تكوين قناعاتهم الشخصية الراسخة، بعيداً عن السفسطة وفقه الجدال الذي قد يتقنه البعض لمجرد التفوق اللفظي على الآخرين دون الوصول إلى الحقيقة.
2- علّموهم الأخلاق: البوصلة الداخلية للحياة
لا قيمة لعلم بلا أخلاق. التعليم الذي يركز على النجاح المادي الأكاديمي وحده، دون غرس القيم الأخلاقية الراسخة، ينتج أفراداً قد يكونون أكفاء في مجالاتهم، لكنهم قد يفتقرون إلى البوصلة الأخلاقية التي توجههم نحو الخير العام والتعاطف والنزاهة.
الأخلاق ليست مجرد دروس نظرية في “افعل ولا تفعل”، بل هي ممارسة يومية وتدريب عملي على:
التعاطف مع الآخرين وفهم وجهات نظرهم.
المسؤولية الشخصية والمجتمعية.
العدل والإنصاف في التعاملات كافة.
هذه القيم هي أساس بناء مجتمع متماسك وقوي، وهي التي تضمن أن يُستخدم العلم والمعرفة في سبيل الخير البشري، وليس للدمار أو الاستغلال.
3. علّموهم الحياة: إعداد للمواطنة الفاعلة
الحياة أكبر بكثير من حجرة الدراسة. يجب أن يكون التعليم جسراً يربط الطالب بالواقع المعقد والمتغير الذي يعيش فيه. “الحياة” هنا تعني:
المهارات الحياتية: حل المشكلات، إدارة الأزمات، العمل الجماعي، والذكاء العاطفي.
الوعي بالواقع المحلي والعالمي: فهم التحديات البيئية، الاقتصادية، والسياسية التي تشكل عالمهم.
المواطنة الفاعلة: إدراك الحقوق والواجبات والمشاركة الإيجابية في بناء الوطن.
التعليم الذي يهمل إعداد الطلاب للحياة يجعلهم غرباء في عالمهم الخاص، غير قادرين على مواجهة تحدياته الحقيقية.
دعوة لإصلاح المسار
إن مهمتنا كمربين ليست فقط ملء عقول الطلاب بالمعلومات، بل هي تشكيل شخصياتهم بالكامل.
دعونا نتوقف عن إضاعة الوقت والجهد في تعليم “فقه الكلام” الذي قد يغذي الأنا والتفوق السطحي، ونستثمر بدلاً من ذلك في تعليم “الفلسفة” التي تنير العقل، و”الأخلاق” التي تهذب الروح، و”الحياة” التي تؤهلهم ليكونوا أفراداً نافعين ومؤثرين.
هذا هو التعليم الحقيقي الذي نحتاجه لبناء مستقبل أكثر حكمة وعدالة وازدهاراً.



