أقلام وأراء

محمد عايش يكتب – هل يحتاج الفلسطينيون لـ»تجديد الشرعية»؟

محمد عايش *- 9/3/2021

يردد المؤيدون لإجراء الانتخابات الفلسطينية مقولة إن هذا الاستحقاق ضروري لأنه «تجديد للشرعية»، والحقيقة أن هذه العبارة ليست سوى ضرب من التلبيس والتدليس والخديعة، وليس لها سوى معنى واحد وهو أن الفلسطينيين، سواء حركة فتح أو حماس، قد تورطوا في فخ إسرائيلي يُسمى «الشرعية».

واقع الحال أن الشعب الفلسطيني يعيش تحت الاحتلال، وأن السلطة الفلسطينية ليست دولة مستقلة، وعليه فإن حركتي حماس وفتح وغيرهما هي حركات تحرر وطني وليست أحزاباً سياسية، وهذه الحركات لا تستمد شرعيتها من الانتخابات، ولا صناديق الاقتراع وإنما من كونها تناضل ضد الاحتلال، نضالاً مشروعاً ومعترفاً به ومنصوصاً عليه في القانون الدولي العام، الذي يعترف بحق الشعوب في تقرير مصيرها.

ما يحدث في الدول المستقلة ذات الأنظمة الديمقراطية، أن الأحزاب السياسية التي تشارك في الحُكم تستمد شرعيتها من صناديق الاقتراع، وعبر الانتخابات العامة، على اعتبار أن الشعب هو مصدر السلطات، وأن هذا الشعب يقوم بالمفاضلة بين البرامج السياسية التي تطرحها هذه الأحزاب، وعليه فإن البرنامج السياسي الذي يحصل على أغلبية أصوات الناخبين يكون قد حصل على الشرعية اللازمة، وهذا كله لا ينطبق على الحال في فلسطين إذ ثمة حركات تحرر، وقوى مقاومة شرعية أصلاً، وتمارس عملها المشروع ما دام الاحتلال قائماً، كما أن أغلب الناخبين لا يُمكن سؤالهم، بسبب أن قوات الاحتلال جعلت منهم لاجئين في دول الشتات (ثمانية ملايين فلسطيني في الخارج لا يشاركون في أي عملية انتخابية)، وعليه فإن فكرة «تجديد الشرعية» أصبحت فاسدة برمتها. الأدهى من ذلك والأنكى، هو أن حركة حماس تم استدراجها إلى انتخابات السلطة الفلسطينية في عام 2006، والآن تردد مقولة «تجديد الشرعية»، والسؤال هنا: هل كانت حركة حماس منظمة غير شرعية قبل عام 2006 أي قبل أن تحصل على أصوات الناخبين؟ وإذا كانت المقاومة تستمد شرعيتها من الانتخابات، فمن الذي انتخب الشيخ أحمد ياسين؟ وهو الذي عاش ومات ولم يشارك في انتخابات قط، لا مرشحاً ولا ناخباً؟ والأمر ذاته ينسحب على الرئيس الراحل ياسر عرفات، وهو الذي قاد المقاومة منذ عام 1965، فهل أجرى انتخابات انتهت بفوزه؟ وهل يجوز أصلاً استفتاء الناخبين، إن كانوا يرغبون بمقاومة الاحتلال أم لا؟

مقولة «تجديد الشرعية» التي يرددها البعض بحسن نية، أو من دون معرفة بمعناها، تقوم على افتراض أن فلسطين دولة مدنية مستقلة وديمقراطية، وأن حركتي حماس وفتح هما حزبان سياسيان يتداولان على الحكم، ويتوجب أن يستمدا شرعيتيهما من صناديق الاقتراع وأصوات الناخبين، والحقيقة أن كل هذا افتراض لا أساس له من الصحة، ففلسطين وشعبها تحت الاحتلال، وحركتا حماس وفتح هما قوى مقاومة أو بالمفهوم السياسي «حركات تحرر وطني»، وهذه تمارس النضال بصورة مشروعة ما دام الاحتلال مستمراً، بموجب الحق المشروع للشعب في تقرير مصيره. أما حركة حماس فما يحدث أنه يتم استدراجها شيئاً فشيئاً لتتحول إلى حزب سياسي يتصارع مع خصمه (فتح) على حصته في سلطة حكم ذاتي تحت الاحتلال، والدفع بالحركة نحو المشاركة في انتخابات 2021 ليس سوى جزء من هذا المخطط، الذي يرمي لتهجينها وتعطيلها، وهو مخطط أغلبُ الظن أن إسرائيل تقفُ وراءه. إذ بعد أن اعترفت حماس في 2006 بأن مصدر «الشرعية» هو صندوق الاقتراع، ودخلت في لعبة «السلطة» التي كانت أصلاً فخاً نصبه الإسرائيليون لحركة فتح، يُراد لها أن تشارك في الانتخابات مرة أخرى لتخسر في اللعبة التي قبلت بقواعدها.

والخلاصة هنا هو أن الفلسطينيين بكل أطيافهم لا حاجة لهم بالانتخابات، فلا حركة فتح ولا حماس يحتاجان «الشرعية»، لأن شرعيتيهما تبدأ بالنضال ضد الاحتلال، وتنتزع بالتخلي عنه، ولا الرئيس محمود عباس يحتاج «تجديد الشرعية» إذ أنه رئيس منظمة التحرير، قبل أن يكون رئيساً للسلطة، وهو منصب أعلى وأهم وأسمى، أما الشعبُ الفلسطيني فأغلبه في المنافي وأولويته أن تتحرر بلاده أولاً ثم يُستدعى للانتخاب بعد ذلك.

* كاتب فلسطيني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى