أقلام وأراء

محمد عايش يكتب – رؤية خالد مشعل وضرورة استثمار اللحظة الراهنة

محمد عايش *- 8/9/2020

تقوم رؤية خالد مشعل، على ضرورة الاستفادة من اللحظة التاريخية الراهنة، على المستوى الفلسطيني لتكوين استراتيجية يُمكن من خلالها مواجهة قرار الضم الإسرائيلي، والقرار الأمريكي بنقل السفارة إلى القدس، ومواجهة «صفقة القرن» برمتها تبعاً لذلك، أما أهم ما في هذه الرؤية فهو أنها تخرج من إطار الفصائلية والحزبية، وتفترض توحيد الصف الفلسطيني، والعمل المقاوم، وتعترف بأن فصيلا فلسطينيا منفردا، ليس بمقدوره مواجهة هذه التحديات الراهنة ولا إفشالها.

رؤية مشعل حول المشروع الوطني الفلسطيني التي طرحها عبر حوار مطول وعميق مع منتدى التفكير العربي في لندن، وهي جزء من مبادرة أوسع وأكبر للمنتدى، تهدف إلى استنطاق كافة الفصائل من أجل تكوين استراتيجية شاملة، والتوصل إلى برنامج عمل فلسطيني موحد في مواجهة الوضع الراهن، الذي يتمثل بخطة الضم وصفقة القرن ومشروع إسرائيلي يرمي إلى تذويب الهوية الفلسطينية، وتحويل الشعب الفلسطيني إلى أقلية عرقية تعيش في دولة تُسمى «إسرائيل».

رؤية مشعل تحولت إلى وثيقة تثير الكثير من الجدل حالياً في الأوساط الفلسطينية، وواقع الحال أنها تشكل تطوراً بالغ الأهمية في الفكر السياسي لحركة حماس، وذلك على الرغم من أن الرجل لم يطرح نفسه على أنه ممثل للحركة، كونه لم يعد رئيساً لها، لكن الجميع يعلم ويُدرك بأن مشعل ليس رجلاً عابراً في المشهد الفلسطيني، فهو الذي شغل منصب رئيس المكتب السياسي للحركة طيلة 22 عاماً، أي أنه كان يقودها أكثر من ثلثي عُمرها (تأسست في 1987 وعمرها اليوم 33 عاماً فقط).

“ينطلق مشعل من ضرورة العمل الوطني المشترك، ويعترف ضمناً بأنَّ التحديات الراهنة توجب توحيد الصف الفلسطيني، وإنهاء الانقسام الداخلي “.

أهم ما في وثيقة مشعل، هو أنه ينطلق من ضرورة العمل الوطني المشترك، ويعترف ضمناً بأنَّ التحديات الراهنة توجب توحيد الصف الفلسطيني، وإنهاء الانقسام الداخلي، وبالتالي فانَّ أي فصيل بمفرده، سواء كان «حماس» أو «فتح» لا يمكنه مواجهة قرار الضم الإسرائيلي، ولا إفشال «صفقة القرن» المشبوهة، وأن هذه الملفات ما دامت قضايا إجماع وطني فيتوجب التعامل معها على هذا الأساس، أي برص الصف الداخلي والوحدة الوطنية الشاملة. المسألة المهمة الأخرى التي يطرحها مشعل هو «دور السلطة الفلسطينية» حيث يطرح لأول مرة فكرة «تغيير وظيفة السلطة» وهذا الطرح لم تسبق إليه أي من الفصائل الفلسطينية، وإن كان قد سبق أن تم طرحه على مستوى مفكرين وخبراء ومراقبين ومحللين ومتابعين للشأن الفلسطيني، وهذا الطرح يأتي في وقت تتزايد فيه الدعوات لحل السلطة بشكل كامل، رداً على المشروع الاسرائيلي، ومن أجل التصدي لصفقة القرن، وهو ما يبدو طرحاً بعيد المنال وأقرب إلى الخيال لأسباب كثيرة. أما فكرة «تغيير وظيفة السلطة» فالمهم فيها أنها تقوم على التعامل مع الأمر الواقع، ومحاولة تكييفه بما يتناسب مع المصلحة الفلسطينية. وهذا الطرح يُشكل براغماتية تُسجل لقيادي في حركة حماس، وينبغي استثمارها من قبل الشركاء الآخرين في المشروع الفلسطيني.

في «رؤية مشعل» ثمة إشارات مهمة أخرى عديدة من بينها «ضرورة تحويل الاجراءات الاسرائيلية إلى أداة لاستنزاف الاحتلال» وهنا حديث واضح ومهم عن «المقاومة الشعبية» وهو أسلوب المقاومة الذي يحظى بإجماع وطني شامل، خلافاً للأساليب الأخرى مثل، المقاومة المسلحة أو الهجمات داخل الخط الأخضر، أو غير ذلك من الطروحات السابقة. وهذا الطرح ينتهي إلى توحيد الصف الفلسطيني ولو بالفعل على الأرض قبل الوحدة السياسية الداخلية. من الاشارات الأخرى الحديث عن «إعادة تعريف الثوابت الفلسطينية، بما ينتهي إلى تحقيق الإجماع الوطني الفلسطيني» وهذا أيضاً يعني أن حركة حماس تفتح ذراعيها لغيرها من الفصائل والمكونات الفلسطينية، بما في ذلك حركة فتح ومنظمة التحرير والسلطة، إذ يُمكن التوافق على تعريفات جديدة لما كان في السابق غير قابل للنقاش، وذلك بهدف الوصول إلى إجماع وطني وإعادة توحيد الصف الداخلي وإنهاء الانقسام.

ما يحدث اليوم فلسطينياً هو أن ثمة شعور عام وشامل بأن الجميع أصبح مهدداً، وأن المشروع الإسرائيلي الأمريكي يستهدف الجميع ولا يُفرق بين حماس وفتح، وهذا ما يُفسر التحركات الأخيرة ولقاءات الفصائل، من أجل تحقيق الوحدة الداخلية، كما أن «رؤية مشعل» تندرج هي الأخرى في هذا الإطار. والصحيح أن هذه لحظة تاريخية فاصلة ومهمة في تاريخ الشعب الفلسطيني، وعلى القيادات الحالية أن تُدرك ذلك وتتحرك على هذا الأساس وتستغل هذه اللحظة وهذه الأجواء والظروف، لإنهاء الانقسام السياسي الداخلي، وإلا فان الشعب الفلسطيني سوف يخلع هذه القيادة بفتحها وحماسها وسلطتها، ويأتي بأخرى جديدة تحمي مشروعه ومستقبله وتُحقق ولو شيئاً بسيطاً من أحلامه.

*كاتب فلسطيني .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى