أقلام وأراء

محمد عايش يكتب – خيارات حماس المحدودة

محمد عايش – 14/1/2020

الذين وجهوا سهام النقد لحركة حماس بسبب تقديم التعزية بوفاة قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني لا يدركون حقيقة الخيارات المتاحة أمام الحركة، والظروف البائسة التي تمر بها، هذا فضلاً عن أن بعض الناقدين لم تخلُ انتقاداتهم من سوء النية، إذ منهم من هو محسوب على أنظمة سياسية عربية تحارب حركة حماس، بسبب انتمائها لمشروع «الإسلام السياسي»، والبعض الآخر – وهو الأخطر- هو من أبناء الحركة المعارضين لقيادتها الحالية، ممن يتهيئون لخوض الانتخابات الداخلية المقبلة.

ليس مهماً على أي حال، ما هي دوافع الذين انتقدوا حركة حماس وتعزيتها بوفاة الحاج سليماني ومشاركة زعيمها في حفل التأبين الذي أقيم في طهران، لكن الأهم من دوافع هؤلاء الناقدين، وما إذا كانت بريئة أم مقصودة، هو تسليط الضوء على ظروف الحركة وخياراتها بصورة موضوعية، لتحديد إن كانت على حق في مسألة التعزية؟ أم أنها أخطأت في ذلك؟ واقع الحال أن حركة حماس تعاني من ظروف هي الأسوأ في تاريخها، منذ تأسست في عام 1987، وهذه الظروف ليست بمعزل عن الوضع الفلسطيني العام، الذي هو في أسوأ أحواله منذ نكبة عام 1948، وأسوأ ما يواجه الفلسطينيين اليوم هو التخلي العربي شبه الكامل عن قضيتهم، فضلاً عن السباق الخليجي، الذي لم نشهد له مثيلاً في السابق، نحو تل أبيب ونحو التطبيع مع الاحتلال الاسرائيلي، إذ وصل الحال في بعض الدول العربية أنها باتت تعتبر حركة حماس «منظمة إرهابية»، بينما تفتح أبوابها للإسرائيليين على اعتبار أنهم «أصدقاء».

ثمة عدد من المعطيات والمحددات يتوجب التوقف عندها قبل الحكم على تعزية حركة حماس بأنها كانت صواباً أم خطأ:

*أولاً: التعزية جاءت في إطار تصعيد أمريكي ضد إيران، والحاج سليماني كان ضحية جريمة اغتيال أمريكية واضحة لا تحتمل أي لبس أو جدل، وعليه فإنه من الطبيعي أن تصطف حماس في الجانب المقابل للمعسكر الأمريكي، ولا خيار أمامها سوى ذلك، إذ أنها مصنفة كمنظمة إرهابية لدى الولايات المتحدة، ولدى أغلب حلفائها في المنطقة.

*ثانياً: التعزية بالوفاة أو الشهادة تشكل عملاً إنسانياً خالصاً، وفي التأبين لا يذكر الناس سوى محاسن موتاهم، وهي – أي التعازي- وجه من وجوه العلاقات العامة، وفي هذا الاطار فإن التعزية بوفاة سليماني ليس معناها بالضرورة الاتفاق معه سياسياً، وكذا التعزية بوفاة السلطان قابوس، ليس معناها أن حماس توافق على زيارة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى سلطنة عُمان قبل شهور، إذ التعزية شيء والمواقف السياسية شيء آخر.

*ثالثاً: مع غياب المشروع العربي بشكل كامل عن منطقة الشرق الأوسط، فإن ثمة مشروعين فقط هنا، الأول هو المشروع الصهيوني الأمريكي، الذي يتحالف معه العديد من دول المنطقة، أما المشروع الثاني فهو المشروع الروسي الإيراني، وهنا ليس لحركة حماس مكان سوى في المعسكر الإيراني الروسي، وهذا يعيد التذكير بمرحلة الحرب الباردة، خلال عقدي الستينيات والسبعينيات، عندما كان الفلسطينيون يتلقون الدعم من الاتحاد السوفييتي، ويرفعون شعار «إذا أمطرت في موسكو رفعنا المظلة في فلسطين»، ولم يكن حينها أي أحد يعيب عليهم ذلك، إذ من الطبيعي الاستفادة من التناقضات السياسية الموجودة في العالم.

*رابعاً: في ظل الحصار العربي الإسرائيلي لقطاع غزة، لم يعد أمام حركة حماس أي متنفس سوى الانفتاح على إيران وحزب الله، وربما النظام السوري أيضاً، إذ لا يوجد حركة ولا شخص ولا حتى دولة تستطيع أن تعادي العالم بأكمله، وتفتح كافة جبهات الصراع في الآن نفسه.

وخلاصة القول هو أن خيارات حركة حماس محدودة، فكما أنها محاصرة جغرافياً داخل قطاع غزة، فهي محاصرة سياسياً أيضاً في عدد قليل من الخيارات، ولذلك فإن المقاييس والموازين التي يستخدمها مناضلو الـ»سوشيال ميديا» الذين انهالوا بالنقد والشتائم من خلف شاشات هواتفهم وحواسيبهم، إنما هي موازين مختلة ومقاييس ليست صحيحة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى