أقلام وأراء

محمد عايش يكتب توجه عالمي للانفتاح على حماس

 محمد عايش *- 1/6/2021

إحدى النتائج التي انتهت إليها الحرب الأخيرة على قطاع غزة، حراك دولي غير مسبوق تجاه حركة حماس، التي تحكم القطاع منذ 15 عاماً، حيث يتجه العالم إلى الانفتاح أكثر على الحركة، وإجراء اتصالات مباشرة أو غير مباشرة معها، وهذا تحول مهم وغير مسبوق بالنسبة لحركة حماس، التي تعاني من عزلة دولية، والمدرجة على قوائم الإرهاب في الكثير من دول العالم، خاصة في الولايات المتحدة.

هذه الدعوات للانفتاح على حماس ليست جديدة، فقد دعا رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير عام 2006 إلى التواصل مع الحركة، وإشراكها في العملية السياسية، وقال في مقابلة مع جريدة «التايمز» بشكل واضح، إن أي عملية سياسية في فلسطين، أو مسار تسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين يجب أن تكون حماس جزءاً منه، ويجب أن تشترك فيه، وهذه المقاربة كان بلير يطرحها ويتبناها عندما كان مبعوثاً للرباعية الدولية.

بلير أيضاً كان قد عقد عدة لقاءات مع الرئيس السابق للمكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، ورغم عدم اتضاح ما دار في تلك اللقاءات السرية، وعدم تسرب مضامينها، ورغم قناعتنا وقناعة الكثير من المراقبين والمحللين الفلسطينيين، بأن تلك اللقاءات لم تكن مفيدة، إلا أن المؤكد أنها تُشكل تعبيراً عن موقف دولي مهم تجاه الحركة، وهو موقف يدعو إلى التواصل معها بدلاً من مقاطعتها، وإشراكها في العملية السياسية بدلاً من التعامل معها على أنها منظمة إرهابية. ثمة مؤشرات عدة جديدة تدفع إلى الاعتقاد بأن واحدة من النتائج المهمة لحرب غزة الأخيرة هي التوجه العالمي للانفتاح على حماس، والقبول بأن تكون شريكاً في العملية السياسية، ليس هذا فحسب، وإنما أيضاً التسليم بأنه لا يمكن تجاوز الحركة على المستوى الفلسطيني وهي التي فازت في انتخابات عام 2006 وتنفرد بحكم قطاع غزة منذ 15 عاماً، ومؤخراً تبين أنها تمتلك صواريخ قادرة على الوصول إلى أي نقطة تقريباً من الأرض الفلسطينية، ولديها قابلية اتخاذ قرار لاستخدام هذا السلاح للدفاع عن الفلسطينيين في القدس المحتلة والضفة الغربية، وأي فلسطيني آخر خارج القطاع.

العالم بدأ يقبل تدريجياً بوجود حركة حماس، ويُسلّم بدورها في المشهد السياسي والنضالي الفلسطيني، وهذا تحول استراتيجي مهم، فخلال الحرب على غزة قالت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، وهي المرأة الحديدية القوية في أوروبا، إنه يتوجب إجراء اتصالات مع حركة حماس، على الرغم من أن الاتحاد الأوروبي يُدرج الحركة على قوائم الإرهاب. وبعد تصريح ميركل بأيام قليلة نشرت جريدة «هآرتس» العبرية مقالاً تحليلياً، أشار بوضوح الى أن الولايات المتحدة قد تُجري اتصالات مع حركة حماس، وأنه يوجد في الإدارة الأمريكية من يتبنى هذا التوجه، وأشارت الصحيفة إلى ما سمته «بوادر تغير في التفكير الأمريكي نحو حركة حماس» والأهم من ذلك أنها استندت أيضاً إلى دراسة تعود لعام 2018، أي إلى فترة حكم ترامب، وإلى ما قبل الحرب الأخيرة على غزة.

ثمة تحول دولي مهم تجاه حماس، وانفتاح تدريجي على الحركة، وربما كانت الحرب الأخيرة أحد الدوافع المهمة لذلك، وبطبيعة الحال يمكن أن يكون هذا الانفتاح إيجابيا وجيدا للحركة وللقضية الفلسطينية، لكن بشرط أن تجيد حركة حماس التعامل معه وأن يتولى ملف علاقاتها الدولية أشخاص مؤهلون لخوض هذه التجربة.

ما تمر به حركة حماس اليوم سبق أن مرت به فتح ومنظمة التحرير، لكنه انتهى بكل أسف الى اتفاق أوسلو (1993) بسبب عدم إجادة التعامل معه، واليوم يتكرر سيناريو الانفتاح الدولي والاشارات المقبلة من الخارج، وهذا يُشكل امتحاناً مهماً لحركة حماس التي إذا لم تُجد التعامل معه فسوف تغرق.

الانفتاح الدولي على حماس جاء بعد رشقات الصواريخ وليس بعد «الوثيقة السياسية» المشؤومة التي صدرت عام 2017، وهذه رسالة مهمة يتوجب على حركة حماس أن تجيد قراءتها. كما يتوجب على الحركة اليوم أن تدرس الإشارات الواردة من الخارج وتتعامل معها بحكمة وسياسة وذكاء حتى يستفيد منها الفلسطينيون جميعاً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى