أقلام وأراء

محمد عايش يكتب – بارقة أمل جديدة من فلسطين

محمد عايش *- 7/7/2020

جملة من التحركات الإيجابية شهدتها الساحة الفلسطينية، خلال الأيام القليلة الماضية، تبعث على التفاؤل والأمل، وأقل ما يمكن أن يقال عنها إنها تصب في الاتجاه الصحيح، وقد تُحدث حراكا سياسياً معتبرا خلال الفترة المقبلة، فيما تأتي هذه التحركات، بعد أن بدأ الفلسطينيون يشعرون بجد أن ثمة تهديدا وجوديا يلاحقهم بسبب قرار «الضم» الإسرائيلي.

الحدث الأهم فلسطينيا خلال الأيام الماضية، هو المؤتمر الصحافي، الذي جمع كلاً من أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح جبريل الرجوب، ونائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري، وهذا هو أول لقاء من نوعه منذ سنوات، والأهم فيه أنه يشكل عودة عملية للوحدة الداخلية، وتجاوزا عن الخلافات بين الحركتين، إذ أنه تجاوز الشكليات التي تتعلق بالمصالحة، لينتقل بالفعل إلى القضايا المشتركة التي تشكل تهديداً لكل الشعب الفلسطيني، بمختلف فصائله وقواه وكيفية مواجهتها، وفي مقدمتها مشروع الضم الاسرائيلي، الذي يريد التهام الجزء الأهم من الضفة الغربية.

“في الداخل الفلسطيني ثمة شعور عام بأن الجميع مهدد، وأن إسرائيل لم تعد تفرق بين الفصائل ولا الأشخاص “.

التطور الآخر في حالة الركود السياسي الفلسطيني هو، المبادرة التي طرحها رئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس خالد مشعل، في لقاء مفتوح ونادر استمر ساعتين مع «منتدى التفكير العربي» في لندن، حيث تقوم مبادرة مشعل على جملة من الأسس أهمها، أنها تعترف بالسلطة الفلسطينية ووجودها، لكنها تقوم على «تغيير وظيفة السلطة» على حد تعبيره، وهو التغيير الذي تتطلبه المرحلة الحالية من التهديد الإسرائيلي، وتغيير يتناسب مع ما تشكله «صفقة القرن» من تهديد للشعب الفلسطيني ومستقبله، كما أنه تغيير ينطلق من حقيقة أن اتفاقات أوسلو انتهت، سواء انتهت زمنياً بسبب كونها مؤقتة، أو انتهت موضوعياً بسبب أن الاحتلال الإسرائيلي قام في السنوات الأخيرة بتدمير كل ما نتج عن هذه الاتفاقات. مبادرة مشعل التي طرحها وشرحها على امتداد ساعتين لا يمكن التعاطي معها، ولا بحثها إلا عبر السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير، وعلى قاعدة أن الهدف الأساس اليوم للفلسطينيين هو إفشال «صفقة القرن»، وكل إفرازاتها، سواء خطة الضم، أو التحولات التي تجري في القدس، أو حالة التوحش الاستيطاني التي تشهدها الضفة الغربية، والتي جعلت عدد المستوطنين هو الأعلى منذ احتلال الضفة في عام 1967. الشعور الفلسطيني العام بالخطر الكبير بسبب الإجراءات الإسرائيلية أنتج حالة يمكن معها تجاوز الانقسام الداخلي، وهذا تطور مهم على الساحة الفلسطينية، فالتفاهم والتوافق بين الرجوب والعاروري يجب ترجمته على الأرض فوراً، والأصل أن يكون نواة لاستعادة الوحدة الفلسطينية، وكذا المبادرة التي تقدم بها مشعل تشكل تطوراً إيجابياً، وقبلها كان ثمة حديث بالغ الأهمية عن «صفقة القرن»، ومشروع الضم الإسرائيلي على لسان عملاق السياسة الفلسطينية صائب عريقات، وهو أيضاً حديث يمكن استثماره في توحيد الصف الداخلي الفلسطيني، لمواجهة المشاريع الإسرائيلية الرامية الى سحق الشعب الفلسطيني وهويته.

في الداخل الفلسطيني ثمة شعور عام بأن الجميع مهدد، وأن إسرائيل لم تعد تفرق بين الفصائل ولا الأشخاص، وهذا يجب بالضرورة أن ينعكس على الوحدة الداخلية وينهي الانقسام، لأن ما كان يقتتل عليه الفلسطينيون لم يعد موجوداً بحوزة أي منهم أصلاً، وإنما يريد الاحتلال التهامه بالكامل. المطلوب فلسطينياً اليوم هو البناء على التطورات الإيجابية الأخيرة من أجل إعادة الوحدة الفلسطينية، والعودة إلى مربع المواجهة الأساس مع الاحتلال، لإفشال كل الخطط الإسرائيلية، التي ترمي لسحق الشعب الفلسطيني، وهذه الوحدة يجب أن تنطلق من قناعة لدى حركة فتح بأن السلطة ليست مكسباً، وأنها كانت وما زالت مجرد خطوة في طريق المشروع الوطني وليست هي الهدف الأخير، وبالمقابل يتوجب وجود قناعة لدى حركة حماس بأن قطاع غزة الذي يسيطرون عليه ليس مكسباً هو الآخر، وأن هذا القطاع لا يشكل سوى 1.3% من الأرض الفلسطينية، وعليه فان تمترس كل فصيل في مكانه لا يخدم سوى مشروعات الاحتلال، بينما انهاء الانقسام والتوافق على سبل مواجهة المشروع الاسرائيلي هو السبيل الوحيد للمضي قدماً نحو المستقبل.

* كاتب فلسطيني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى