أقلام وأراء

محمد عايش يكتب –  المعادلة التي فرضتها حماس

 محمد عايش *- 18/5/2021

نجحت حماس وفصائل المقاومة في فرض معادلة جديدة للصراع مع الاحتلال، وهي معادلة غير مسبوقة ستشكل بداية لمرحلة جديدة خلال الفترة المقبلة، هذه المرحلة ستكون ذات شروط أفضل بالنسبة للفلسطينيين بكل تأكيد.

الحرب الحالية الطاحنة، التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، بالتزامن مع الانتفاضة الفلسطينية الشاملة من البحر إلى النهر سيكون لها ما بعدها، وسوف تشكل مرحلة فاصلة في التاريخ الفلسطيني الحديث، كما أن هذه الحرب ليست كالحروب الثلاث السابقة، التي شنها الاحتلال ضد القطاع، إذ أنها امتداد لانتفاضة بدأت في القدس والمسجد الأقصى، ثم امتدت إلى الأراضي المحتلة عام 48 قبل أن تنتقل إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، وهذه الحالة لها دلالات كثيرة ومهمة.

في هذه الحرب تمكنت المقاومة من فرض معادلة جديدة في الصراع مع الاحتلال مفادها، أن الاعتداء على المسجد الأقصى والمرابطين فيه أو المصلين في محرابه، يعني أن الرد سيكون في قلب التجمعات الإسرائيلية، لا بل في قلب القدس المحتلة، أي أن الاعتداء على فلسطيني في المسجد الأقصى سيكون الرد عليه باستهداف إسرائيلي في القدس، وهذه معادلة تقوم على أساس أن «القدس هي عاصمة فلسطين» وأن الفلسطيني أينما كان سيكون منوطاً به مهمة الدفاع عن عاصمته. هذه المعادلة نجحت المقاومة لأول مرة في فرضها، وسوف تعني أن الاحتلال بالضرورة سيحسب ألف حساب مستقبلاً، قبل أن يُقرر اقتحام المسجد الأقصى بقواته، أو الاعتداء على المواطنين الفلسطينيين في القدس، أو التمادي في الممارسات العنصرية ضدهم، ذلك أن أي اعتداء أو تصعيد في القدس سيُقابله رد من فصائل المقاومة وإن كانت محاصرة في قطاع غزة.

المواجهة الحالية، أو الانتفاضة الفلسطينية الراهنة، لا تتوقف دلالاتها ومضامينها عند هذه المعادلة الجديدة التي تتعلق بالقدس، وإنما تمتد إلى أكثر من ذلك، فلأول مرة أيضا أصبح عدد الإسرائيليين الذين يعيشون تحت مرمى صواريخ غزة أكبر من عدد الفلسطينيين في القطاع، الذين ينامون تحت رحمة قصف طائرات الاحتلال، أي أن في غزة مليوني فلسطيني تطالهم قذائف العدوان، وفي المقابل فإن أكثر من مليوني إسرائيلي باتوا تحت مرمى صواريخ حركة حماس، وهذه معادلة تتحقق لأول مرة في تاريخ الصراع، وسوف تعني بالضرورة أن إسرائيل ستكون لديها حسابات مختلفة عندما تدرس مستقبلاً أن تشن حرباً على غزة، أو تنفذ عملية عسكرية ضد الفلسطينيين. الرسالة التي بعثت بها حركة حماس وفصائل المقاومة في غزة، خلال المواجهة الحالية تُفيد بأن الفلسطينيين أصبح لديهم من الأدوات ما يكفي لردع الاحتلال عن الاستمرار في عدوانه، خاصة عندما يتعلق الأمر بالقدس، وحتى مع كون هذه الأدوات لا تزال بدائية، وبكل تأكيد ليست بحجم ما لدى إسرائيل، إلا أن ما يُرعب الاحتلال ويردعه أقل بكثير من ذلك الذي يُرعب الفلسطينيين.

المؤكد أن هذه الانتفاضة الشاملة من البحر إلى النهر، بما فيها الحرب الطاحنة في غزة، سوف تؤدي إلى تعطيل المشروع الإسرائيلي في القدس المحتلة لسنوات طويلة وربما لعقود، وربما يفشل الاحتلال تماما في القدس، إذ كانت تطمح اسرائيل إلى فرض واقع جديد في القدس يتضمن «التقسيم المكاني والزماني/ أحدهما أو كليهما» في المسجد الأقصى، إلى جانب الاستمرار في التهجير العرقي، ونقل أملاك الفلسطينيين للمستوطنين، في ما تأتي هذه المواجهة وبهذا الحجم خارج توقعات الاحتلال ودون حساباته.

والخلاصة هو أن ثمة معادلة جديدة فرضتها حركة حماس ومعها فصائل المقاومة، وهي معادلة تقوم على أن القدس خط أحمر لأنها عاصمة فلسطين، وأن المصلين في المسجد الأقصى لا يجوز الاعتداء عليهم، لأن حمايتهم في عهدة المقاومة، والأهم من هذا أن لدى المقاومة أسلحة أصبحت تطال كل فلسطين أو أغلبها، وهو ما يعني أن الرد على أي اعتداء أصبح متاحاً في المكان والزمان اللذين تحددهما المقاومة، وهذا كله سوف يعني أن الحسابات الإسرائيلية ستتغير عند دراسة القيام بأي حرب ضد القطاع أو تنفيذ أي اقتحام للأقصى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى