أقلام وأراء

محمد صلاح يكتب – كوميديا التّسريبات …..!!

محمد صلاح 14-12-2021م

عند الحديث عن مستوى الفساد ومعدلاته في مصر، عليك أن تتذكر أن عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي شهد توقيف وزير في الحكومة في مكتبه، وإحالته على المحاكمة في قضية تتعلق بالفساد، هناك أكثر، ليس وزير فقط بل أيضاً تكرر الأمر مع محافظ ولكن من بيته، ورئيس محكمة من مكتبه، وأكثر من مسؤول في مواقع تنفيذية مهمة في بيوتهم أو مقار عملهم، أو في الشوارع! وليس سراً أن بعض رجال الأعمال تضرروا من الإجراءات التي أقرّتها الدولة، بعد زوال الفوضى، للحفاظ على المال العام والاستحكامات التي جرت لضمان سلامة عمليات التجارة والبيع والاستيراد والتصدير، وأن هؤلاء لا يتوقفون عن المطالبة بتخفيض مستويات الرقابة ومراحلها! وفي الوقت ذاته لا تنس أن سنة واحدة حكم فيها “الإخوان المسلمون” مصر شهدت أكبر جرائم التعدي على المال العام لمصلحة تنظيم يحكم البلاد، ومحاولات لإفساد مؤسساد الدولة بزرع عناصر التنظيم فيها، ناهيك بتعيين غير مؤهلين في مواقع قيادية طالما أبدوا ولاءهم للجماعة، وأعربوا عن استعدادهم لخدمتها على حساب الوطن.

لا يمكن القول إن المصريين يعيشون حياة سهلة، لكن المؤكد أنهم أفضل حالاً من سنوات سابقة، عانت فيها مصر الفوضى والاهتراء الأمني والجمود الاقتصادي والضنك الحياتي. مضت السنوات بعد الربيع العربي، وخسر المصريون شهداء راحوا ضحايا للإرهاب في سيناء ومدن أخرى، لكن الأمن استقر وأصبح أفضل حالاً، واتخذت الدولة إجراءات اقتصادية صعبة، فارتفعت الأسعار وعانى الناس الغلاء وضيق الحال، لكن الدولة ترسخت ومخاطر السقوط زالت، انتعشت السياحة والإنتاج، واستقر الجنيه أمام الدولار، والناس أكثر تمسكاً بالبقاء والحفاظ على الدولة رغم التخريب الذي ما زال يمارسه الإخوان ومن يدعمونهم. 

خرجت مصر من بين غبار الربيع العربي مثقلة بشظاياه، وما زالت تدفع ثمن بقائها موحدة من دون تقسيم، متماسكة من دون تفتيت، صامدة من دون انهيار، تجاوزت أخطار السقوط، لكنها تعاني آثار ثقافة الفوضى التي نثرها الربيع العربي في العقول، وانعكست تصرفات هوجاء ما زالت تؤثر بالسلب في الاقتصاد والأمن والسلام الاجتماعي، فالإرهاب تحوّل بفعل الربيع العربي إلى ثابت، وتبدل الإخوان وصاروا متغيراً جديداً في معادلة الأمن وتخريب الاقتصاد وإفساد الحياة على الناس وترويعهم، بينما الدولة تواصل حربها على الإرهاب، متسلحة بتأييد شعبي جارف، ومساندة دولية وإقليمية أكبر من أي وقت مضى، بعدما صدّق المجتمع الدولي وجهة النظر المصرية التي تقوم على أن الإرهاب سرطان يمتد ويتشعب وينتشر وينقلب حتى على حلفائه!!

يفتقد تنظيم الإخوان في حربه ضد المصريين ابتكار أساليب جديدة، ويعتمد دائماً على التكرار والتقليد، ويتصور محركوه أن في إمكانهم إحداث ضجة كبيرة بادعاءات تسيء الى الحكم عبر تسريبات مفبركة، وتكرر الأمر كثيراً منذ الضجة الكبيرة التي أثارتها تسريبات ويكيليس، وهي وثائق سرية أميركية مسربة نشرها موقع ويكيليس، بعدما حصل مديره ناشط الإنترنت الأسترالي جوليان أسانج عليها، أو الضجة التي أحدثتها وثائق بنما، وهي وثائق سرية تخص شركة موساك فونسيكا للخدمات القانونية في بنما، وكشف تسربها أن الشركة تقدم خدمات تتعلق بالحسابات الخارجية لرؤساء دول وشخصيات عامة وسياسية أخرى، وحصلت عليها صحيفة ألمانية ونشرتها، أو الجدل الذي ثار على خلفية الأزمة العنيفة التي تفجرت بين واشنطن وبرلين، بعدما كشفت معلومات مصدرها موظف سابق في جهاز الاستخبارات الأميركية أن الجهاز تنصت على هاتف المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وطالبت ميركل علناً بتفسير لتلك الادعاءات، وفتحت السلطات الألمانية تحقيقاً موسعاً حول هذا الأمر.

ويكاد لا يمر شهر من دون أن يقحم الإخوان والجهات التي تدعمهم المشاريع الكبرى التي تتبناها الدولة، ضمن تسريبات مفبركة، وبثها عبر منصات التنظيم بهدف الإساءة الى السيسي وإحباط الناس، والإيحاء بأن النهضة الكبيرة الحادثة في البلاد ما هي إلا أعمال تهدف الى تربح المسؤولين! ورغم الفشل المتكرر، إلا أن المحاولات مستمرة، وكأن الإخوان بالفعل أدمنوا الفشل. 

اتسعت الهوة بين الإخوان والشعب إلى مدى لا يمكن تجاوزه، وسواء كانت الخلافات التي تعصف بالجماعة والصراعات بين رموزها وقادتها حقيقية أم مجرد تسريبات ضمن لعبة تقسيم الأدوار، فإن كل يوم يمضي من دون أن يحقق الإخوان هدفهم بإسقاط الدولة يزيدها رسوخاً ويزيدهم ضعفاً.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى