شؤون مكافحة الاٍرهاب

محمد صلاح يكتب “الإخوان”: الصعود الى منصة الفشل !

محمد صلاح 1/6/2021

لا تتوقف التساؤلات عن مصير تنظيم”الإخوان المسلمين” الإرهابي بعد الضربات المتلاحقة التي تعرض لها، وسلسلة الفشل والإخفاقات التي يعانيها خلال السنوات الأخيرة، وهل يستمر زعماء التنظيم خارج مصر في حال شتات والى أي مدى؟ هنا لا تستغرب حالة الرفض التي يعيشها “الإخوان” في العالم الآن ونفيهم أن يكون التنظيم يعاني انقسامات او انشقاقات او يواجه مصيراً مجهولاً أو أن يكون من الأساس حقق فشلاً او إخفاقاً، فحين تسأل “إخوانياً” عن أسباب فشل حكم تنظيمه لمصر والمصير المزري الذي آلت اليه الجماعة سيستدعي على الفور فكرة المؤامرة وقوة الدولة العميقة وقدرتها على خلق مشكلات جماهيرية مثل نقص البنزين وانقطاع التيار الكهربائي قبيل خروج الملايين في 30 حزيران (يونيو) 2013. لن يتحدث عن ملايين المصريين الذين تحدوا محمد مرسي وحكم “الإخوان”، او يقر بأن الجيش استجاب لرغبة شعبية بعدما أيقن المصريون أن لدى “الإخوان” الاستعداد لبيع البلد اذا تعارضت مصالح مصر مع مصالح الجماعة، وحتى إذا أضاف ذلك “الإخواني”، على استحياء، اسباباً أخرى مثل نقص الخبرة والتسرع في أسلمة المجتمع، وتدخل بعض الدول العربية والأجنبية ضد حكم مرسي و”الإخوان”، وتحيز الإعلام ضد حكم الجماعة، فالمؤكد أن أحداً من أعضاء تلك الجماعة الإرهابية لن يقر بأن الشعب المصري كشف حقيقة “الإخوان” ونياتهم الخبيثة وأفعالهم الإجرامية وتحالفاتهم التآمرية واستخدامهم كل الوسائل والطرق والسبل غير الأخلاقية لتحقيق هدف الوصول الى السلطة والسيطرة على مقاليد الأمور.

 لم يكن محمد مرسي سوى واجهة تنطق باسم الجماعة ويعبر عنها، وهو اعتمد على عناصر التنظيم في إدارة مؤسسات مصر واستبعد القوى المدنية ورجال الدولة من المشاركة في الحكم، ما أدى الى تعميق حدة الانقسام والاستقطاب الثقافي والسياسي حول هوية مصر والعلاقة بين الدين والسياسة، والشرعية والشريعة، وبينما كان غالبية المصريين يتوقعون سقوط حكم “الإخوان” كان قادة التنظيم وعناصره يعيشون في واد آخر تماماً ويصدقون أنفسهم مقتنعين أنهم سيبقون في الحكم 500 سنة أخرى!

 فشل “الإخوان” في حكم مصر لقناعتهم الزائفة أنهم من القوة والتأثير بحيث يصعب هزيمتهم أو إطاحتهم، لكن انهيارهم كان سريعاً، وفي الوقت نفسه صادماً لهؤلاء المتأسلمين الذين طمحوا الى اتخاذ مصر نقطة انطلاق لحكم دول أخرى في المنطقة، لم يكن مرسي رئيساً لكل المصريين، وإنما كان بحكم تكوينه وظروف ترشيحه، مرشحاً احتياطياً بعد خيرت الشاطر، ممثلاً لجماعة “الإخوان” في الرئاسة، يحكم باسمها ويأتمر بقرارات مكتب الإرشاد ورؤيته من دون مراعاة لثوابت الدولة  واعتباراتها وفي مقدمها الحفاظ على المواطنة والوحدة الوطنية والأمن القومي المصري. حتى أن اعتقاداً ساد وقتها بأن المقر الرئاسي ينتظر دائماً القرارات والتوجيهات من بناية المقطم، حيث مكتب ارشاد الجماعة ومرشدها.

 لم تمتلك جماعة “الإخوان” وقيادتها رؤية واضحة لحكم مصر، ولم تكن قادرة بحكم تكوينها على تجسيد قيم الحداثة والدولة المدنية، ولم تكن لديها رؤية إصلاحية او تنموية لمصر يمكن من خلالها التعاطي الجاد والمؤثر مع المشكلات والتحديات الهائلة التي واجهتها مصر بعد الربيع العربي. ادعت الجماعة أن حكم “الإخوان” سيقوم على المشاركة لا المغالبة، وتشكيل ائتلاف وطني ليقود البلاد في مرحلة التحول الديموقراطي، ثم تنصلت عملياً وبشكل مباشر من هذا الوعد.

من فشل الى آخر، وكأن “الإخوان” يسعون وبمنتهى الجدية للصعود الى منصة الفشل، كان التناقض بين الالتزامات الوطنية ودواعي الأمن القومي وبين الالتزامات الدولية لجماعة “الإخوان” في إطار السعي لاستعادة دولة الخلافة، وبرز هذا التناقض في العلاقة الملتبسه مع “حماس” وقطر وتركيا، مقابل التوتر مع أغلب دول الخليج، كذلك التناقض بين شعارات رفض التبعية للولايات المتحدة وتحرير فلسطين وبين التفاهم الاستراتيجي مع واشنطن والتعاون معها لوقف إطلاق النار بين “حماس” وإسرائيل. وما تردد بقوة عن نية “الإخوان” التنازل عن اجزاء من سيناء لمصلحة إسرائيل لعقد تسوية للقضية الفلسطينية.

 اللافت هنا أن تذكر تلك الحقبة التاريخية والتطورات التي جرت في المنطقة بعدها يؤكد أن الظروف الداخلية في مصر وكذلك الظروف الإقليمية والدولية جعلت الزمن يتجاوز جماعة “الإخوان”. حتى أن مجرد التفكير في عودة التنظيم الى صفوف المعارضة في مصر ضرب من الخيال ووهم لا يعيشه إلا كل متغافل عن حقيقة الأوضاع على أرض الواقع.

 لم ينسَ الناس بعد إدعاء “الإخوان” أنهم مع مدنية الدولة، وفي الوقت ذاته الترويج بين صفوف التيار الإسلاموي أنه حكم إسلامي، في هذا الإطار جري التحالف مع السلفيين والجهاديين – بعضهم أقرب فكرياً لـ”القاعدة” – ما عزز التحالف الاستراتيجي مع واشنطن باعتبار أن حكم “الإخوان” قادر على استيعاب فصائل الإسلام السياسي والحد من نفوذ الجهاديين وعملياتهم في سيناء، وبالتالي ضمان أمن إسرائيل، والزعم أن حكم “الإخوان” قادر على لعب دور مؤثر في الاستراتيجة الاميركية الرامية لاشعال صراع سنّي – شيعي يحاصر إيران، لكن هذه التحالفات عمقت من الانقسام والاستقطاب الثقافي والسياسي، وأشعلت صدامات دموية محدودة ضد الشيعة في مصر. والمفارقة أن تحالف “الإخوان” والسلفيين انتهى نتيجة مخاوف السلفيين من انفراد “الإخوان” وهيمنتهم على مؤسسات الدولة وعدم إشراكهم في كعكة الحكم. 

أما تسرع “الإخوان” في محاولة السيطرة على مفاصل الدولة في ما عرف إعلامياً بمشروع التمكين او “الأخونة”، فكان القشة التي قصمت ظهر البعير وفضحت نيات التنظيم في مواجهة إصرار الشعب المصري على الحفاظ على بلده والاستماتة لتفادي ان تتحول مصر دويلات صغيرة او بقاعاً مشتتة، اذ عمدت الجماعة الى تولي كوادر “الإخوان” أهم المناصب في الدولة، وتسييرها بحسب أفكار الجماعة وبرامجها، وهو ما اعتبر ايضاً نوعاً من “أخونة” المجتمع، حيث امتدت تعيينات “الإخوان” او الموالين لهم الى الإعلام والثقافة والتعليم، بينما فشلت جهود “الإخوان” في اختراق المؤسسة العسكرية وأجهزتها الأمنية والقضاء، رغم محاولات “الإخوان” تغيير طبيعة السلطة القضائية من خلال إعداد مشروع قانون بخفض سن الإحالة الى التقاعد من 70 الى 60 عاماً، ما يعني عزل نحو 3500 قاضٍ. ولد هذا التسرع في ظل عدم توافر كوادر “إخوانية” مؤهله لشغل هذه المناصب معارضة واسعه معلنة وغير معلنه في مؤسسات الدولة وأفضت تلك الحالة الى حصول التنظيم على كأس الفشل الذريع في إدارة مصر أو حتى إدارة الجماعة ذاتها وتحديد خياراتها بدقة فكانت النتيجة هذا التشرذم الذي يلاحقها وهذا الشتات الذي اكتسبه قادتها ورموزها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى