أقلام وأراء

محمد صلاح: مصر: انضباط الجيش ونمطية الحكومة

محمد صلاح 20-12-2022م: مصر: انضباط الجيش ونمطية الحكومة

كثيرة هي تلك الصور النمطية في مصر رغم طموح بعضهم أن تتخطى البلاد كل المظاهر السلبية التي كانت سبباً في ثورة أطاحت نظاماً عتيداً امتدّ حكمه لنحو ثلاثة عقود، وأخرى وجهت ضربة قاصمة إلى أقدم جماعة دينية مارست السياسة لأكثر من ثمانية عقود، وأطاحت أحلامها في أن تتخذ من مصر مركز انطلاق للسيطرة على باقي دول العالم الإسلامي.

الأساليب النمطية تسيطر أيضاً على بعض مسؤولي الدولة في تعاملهم مع المشاكل الحياتية للناس، أو حتى في تعاملهم مع أزمات ومعضلات فرضتها ظروف مصر الداخلية أو قضايا إقليمية أو دولية، أو حتى في التعاطي مع قرارات الرئيس ومواقفه، فبعض المسؤولين كأنهم أدمنوا المبالغة في وصف الرئيس والإكثار من الإشادة بكل تصرف يقدم عليه وانتهاز كل فرصة لإثبات ولائهم له وتفادي التعليق على أزمات حقيقية يعانيها المواطن إلا بعد أن يدلي الرئيس بدلوه فيها ويحدد موقفه منها ورأيه في سبل حلّها.

أما هؤلاء الذين يطلق عليهم “النخبة السياسية” فلا تشعر أو تلاحظ أو ترصد تغيراً في أساليبهم النمطية إلا التحولات السياسية النمطية أيضاً من تأييد حسني مبارك إلى معارضته، ومن موالاة المجلس العسكري إلى الهجوم عليه، ومن معاداة “الإخوان” إلى التحالف معهم ثم الانقلاب عليهم، ومن تأييد عبد الفتاح السيسي إلى الضغط لنيل المكافآت!

عموماً ليس سراً أن مصر تمر بمعضلات تتعلق بحاجات المواطن واحتياجاته، وتحتاج إلى فترة من الوقت لتتخلص من غبار الماضي، لكنها أيضاً تحتاج الى رؤى غير تقليدية للتعامل مع أزمات تقليدية! ربما وضع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي نفسه في تحدٍ صعبٍ عندما اختار السير في طريق يحتاج الى ألف خطوة عليه وعلى المصريين أن يسيروا فيها لنهضة بلدهم، فضخامة المشاريع التي يتبناها والمستوى العالي الذي ظهر عليه بعضها عند انتهائها، رفعا من طموحات الناس في مصر بما جعلهم ينتظرون من الرجل إنجازات مماثلة في أمور تخص حياتهم خصوصاً فرص العمل وأسعار السلع وتطور الخدمات وإعادة هيكلة الاقتصاد.

خلال سنوات حكم السيسي لمس المصريون تحولات مهمة في أسلوب حكم الدولة وإدارتها، بما انعكس على أمور كانت تمثل لهم معضلات، فمشاريع الطرق وتطويرها، وحل الأزمة التي كانت طاحنة في توزيع الخبز والمواد الغذائية المدعومة، ومرور الصيف من دون انقطاع الكهرباء، إيجابيات تحققت، لكن ما ينتظره المصريون من السيسي كثير، وحجم الانجازات في المشاريع رفع من طموحاتهم خصوصاً بعدما تبينوا أن الحملات التي شنتها جماعة “الإخوان المسلمين” وحلفاؤها من دول وقوى إقليمية وجهات سياسية وحقوقية وإعلامية لم تؤثر في أي مشروع، كما أن المعركة ضد الإرهاب، والتي أيقن المصريون أنها تحتاج إلى وقت حتى ينكسر “الإخوان” تماماً وتنتهي التنظيمات الإرهابية المتحالفة معهم، لا يمكن أن تكون سبباً للركود، أو مبرراً للتوقف عن المضي في النهوض بالبلاد.

مهما كانت الأحداث والتفاعلات والأزمات التي مرت بها مصر كنتيجة لما جرى في 25 كانون الثاني (يناير) 2011 فإن الجيش المصري حمل البلد على أكتافه، ونجح في العبور به من مستنقع الربيع العربي. نعم وقعت أخطاء وحدثت ارتباكات، لكن كل القوى الفاعلة على الأرض والمؤثرة في مجريات الأمور في مصر أشادت بدور الجيش المصري في تلك الفترة وما بعدها، فالجيش استجاب للشعب وعزل “الإخوان”، تماماً كما استجاب قبلها للشعب أيضاً وضغط على مبارك حتى تخلى عن الحكم.

الطبيعي أن يعتمد السيسي على الجيش، ويعهد إليه الإشراف على المشاريع الكبرى وتنفيذ مشاريع أخرى، فتلك هي المؤسسة الأكثر انضباطاً وقدرة على تحمل الأعباء، وأيضاً هي الجهة التي حظيت بثقة الشعب رغم كل الشظايا التي طاولتها من الداخل والخارج من دون أن تؤثر في ولائها للدولة، لكن تطور مصر والنهوض بها يحتاج إلى عمل مؤسسات أخرى لا تزال تعاني أمراضاً ومعضلات تكاد تكون مستعصية.

البعض يعتبر أن السيسي يركب صاروخاً وأن الحكومة والأجهزة التنفيذية تركب الدراجة بينما الفترة الراهنة تحتاج من كل الأجهزة التنفيذية أن تستقل الصاروخ نفسه أو صواريخ أخرى. يحتاج الرئيس المصري إذاً إلى مشروع ضخم، لا يقل أهمية عن مشاريع الطرق والمدن الجديدة، لتطوير مؤسسات الدولة والبنية التحتية لها، ووضع حد للاهتراء الإداري والارتباك المؤسسي، واكتشاف القدرات الخلاقة لدى موظفي الدولة وتنفيذ القانون على الجميع من دون استثناءات. أمام الرجل معضلة كبرى تتمثل في اختياره لقادة المؤسسات ومسؤولي الأجهزة التنفيذية، فقطاع منهم محسوب على نظام مبارك، وهناك أشخاص آخرون مشهود لهم بالكفاءة، لكنهم تورطوا أثناء حكم “الإخوان” وخلطوا بين التعامل مع نظام يحكم مصر ينتمي إلى الجماعة وبين التعاون مع الجماعة ذاتها.

يمكن اعتبار أن أداء الجيش وإشرافه على المشاريع الكبرى طمأن المصريين على أن الدولة استعادت عافيتها، وتستطيع تبني مشاريع عملاقة، وتنفيذ مناسبات من الوزن الثقيل من دون وقوع ما يعكر صفوه أو “يعكنن” على الناس أو يؤثر بالسلب في فرحتهم. صحيح أن الجيش يعهد إلى شركات ومؤسسات في مجالات مختلفة بمهام في تخصصاتها، لكن تلك الشركات وهذه المؤسسات والجهاز التنفيذي كله وجب عليهم أن يعيدوا بناء أنفسهم مجدداً، لينهضوا بالبلد مع الجيش، وباقي مؤسسات الدولة، آن الأوان أن يركبوا الصاروخ ويتخلوا عن الدرّاجة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى