أقلام وأراء

محمد صلاح: مصر: التّعديل الوزاري وحرق الشّخصيات العامّة

محمد صلاح 16-8-2022م

هدأت الضجة حول التعديل الوزاري الذي أدخله رئيس الحكومة المصرية الدكتور مصطفى مدبولي على تشكيلته، والذي شمل 13 حقيبة وزارية، لكن بقيت أسئلة تتعلق بأسلوب اختيار الوزراء الجدد وأسباب مغادرة الوزراء الذين رحلوا، وما إذا كانت الظروف التي مرت بها مصر على مدى العقد الأخير قد أفرزت كوادر تتمتع بالكفاءة في مجالات مختلفة، ما يسهل على صانع القرار مهمة الاختيار، أم تظل أمامه محاذير وضوابط تجعل من العثور على شخص يصلح لموقع الوزير أمراً محفوفاً بالصعاب… وربما المخاطر.
بطبيعة الحال سخر تنظيم “الإخوان” الإرهابي من التعديل الوزاري، ووجه منصاته الإعلامية في اتجاه حرق الصور الذهنية عن الوزراء الجدد والانتقام من المغادرين، لكن المصريين الذين لم يتوقف جدلهم حول التغيير الوزاري لا ينتظرون من “الإخوان” أو حلفائهم أن يشيدوا بحكومة جديدة في مصر، تماماً كما لا يتوقعون منهم أن يعرضوا مزايا أي مشروع جديد أو أن يبتهجوا لميزة تحققت للشعب المصري في عهد عبد الفتاح السيسي. فـ”الإخوان” رغم الحالة التي صاروا عليها يصدقون أنهم سيعودون إلى القصر الرئاسي قريباً، وأن “الانقلاب” يترنح وأن الشعب معهم! لكن أكثر ما يثير غضب الجماعة ويقلقها ويعصف بآمالها في العودة إلى المشهد السياسي وجود شخصيات في الحكم تساهم في استقرار الأوضاع وتطور الاقتصاد والتغلب على المصاعب المحلية ومواجهة التحديات الإقليمية والدولية، لذلك تركز الجماعة وأحباؤها على الاغتيال المعنوي لكل من يرتبط بالحكم ومؤسساته.
حرق الشخصيات العامة بدأ مع نزول الناس إلى الشوارع والميادين في 25 كانون الثاني (يناير) 2011، واستمر على مدى السنوات التي أعقبت تنحي حسني مبارك عن الحكم، وبدا الأمر ممنهجاً، فكل شخص تولى منصباً تنفيذياً في عهد مبارك جرى اصطياده وتشويه سمعته، حتى لو لم يكن ممن اعتمد عليهم، أو كان من أركان الحكم، أو حتى لم يقترب من ابنه جمال، أو صار من نجوم الحزب الوطني الذي كان حاكماً.
كان الهدف واضحاً، لكن النخبة المصرية سارت خلف “الإخوان” من دون أن تدرك أن الجماعة تنفذ برنامجاً معداً سلفاً، خلاصته ألا يبقى أحد صالحاً للعمل العام سوى “الإخوان” ومناصريهم وداعميهم والمتحالفين معهم. بعد خلع “الإخوان” عن السلطة استمرت الآلة الإعلامية الضخمة للجماعة، والمدعومة من وسائل إعلام غربية، وقنوات فضائية عربية، ومواقع إلكترونية تقوم عليها لجان “إخوانية” تمارس التفاني في إتمام المهمة طلباً للجنة، وانضم إليهم “ثورجية” أدمنوا الاحتجاجات ورموزاً من النخبة ممن اعتبروا أنفسهم قادة للثوريين، خرجوا، في عهد السيسي، من دون مكافأة بموقع رسمي أو تنفيذي، تماماً كما طاولت الهجمات زعماء دول ورؤساء حكومات ومسؤولين عرباً وأجانب حلوا على مصر ضيوفاً باعتبار أنهم يطيلون في عمر الانقلاب، الذي كان يترنح، ولولاهم لسقط وعاد مرشد التنظيم إلى مقعده و”الإخوان” إلى السلطة. لكن التركيز الأكثر ظل على المصريين من صنّاع الرأي العام والمؤثرين فيه، حتى بات من يترشح لمنصب عام أو يشيد بمشروع أو قرار أو يذكّر الناس بفشل “الإخوان” يضع نفسه في مرمى منصات الاغتيال المعنوي والحرق السياسي.
حتى من يتجول، من ضيوف مصر، في المناطق الأثرية أو وسط العاصمة أو في شوارع خان الخليلي ويغني للناس تحت سفح الهرم أو على ساحل البحر الأحمر أو في جوار نيل القاهرة، اعتُبر من “الإخوان” أنه يضرب الصورة النمطية التي يحاولون ترسيخها، ويبشر العالم بأن مصر تتعافى، وأنها تخطت مرحلة الخطر، وأن مشكلاتها الآن تشبه المعضلات التي تعانيها شعوب أخرى لم تطلها شظايا الربيع العربي، وأن مقولات “الإخوان” من نوعية “الانقلاب يترنح” و”شعبية السيسي تنهار” كلها صارت غير مجدية. المعاناة لدى “الإخوان” وحلفائهم هنا مضاعفة، فزعماء العالم الذين يستقبلون الرئيس المصري أو يزورون مصر يتم اتهامهم بشراء مصر، أو تحقيق مصالحهم على حساب شعبها، أو خضوع الحكم في مصر لهم، أما رموز القوى الناعمة في العالم، فهم أكثر قسوة على “الإخوان”، إذ يفدون إلى مصر ويجولون فيها، وأسلحتهم تضرب أعداء الدولة المصرية من دون رصاص.
عموماً، يخطئ من يعتقد أن الحكومة المصرية بعد التعديل الأخير صار معها أطواق نجاة لتنشل بها مصر من الأزمات والمعضلات التي تعانيها، أو ستحل للشعب كل المشكلات التي تحيط به، فالمطلوب منها أن تضيء للناس أنواراً في نهاية النفق الذي يمرون به، وأن تمنحهم الأمل في إعادة هيكلة مؤسسات الدولة بما يكفل القضاء على الفساد، ووضع برامج ورؤى لتطوير الأداء المؤسسي بعد فهم المشكلات وليس الطرمخة عليها ورسم خطة واضحة للتعاطي معها وحلّها بأساليب علمية شفافة خالية من الأبعاد الشخصية أو المصالحية.
ليس مهماً هجوم “الإخوان” والناشطين على الحكومة أو سخريتهم من التعديل الذي أُدخل عليها، فكل ما جرى منذ ثورة الشعب المصري ضد حكم “الإخوان” في 30 حزيران (يونيو) 2013 وحتى الآن، وما سيحدث في المستقبل، لن يرضي ذلك التنظيم الإرهابي أو المتحالفين معه أو الداعمين له. نعم صار اختيار من يصلح لمنصب الوزير صعباً لكن تجدر الإشارة هنا إلى أن أعضاء الكتلة الشعبية الداعمة للرئيس عبد الفتاح السيسي كانوا الأكثر ترحيباً بالوزراء الجدد، رغم انتقادهم لرحيل وزيري التعليم الدكتور طارق شوقي والسياحة والآثار الدكتور خالد العناني.
وبغض النظر عن الأسماء التي تضمها تشكيلة حكومة مدبولي الآن، فإن مصر لم تكن تحتاج فقط إلى تغيير في الأسماء، بل الأهم تغيير في السياسات والرؤى وأساليب الإدارة وإعمال القانون، وهذا ما يأمله الناس.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى