أقلام وأراء

محمد صلاح: مصر: الأزمة الاقتصادية واستنساخ الماضي

محمد صلاح 17-1-2023: مصر: الأزمة الاقتصادية واستنساخ الماضي

لا أحد ينفي معاناة مصر من أزمة اقتصادية أثرت في قدرة المواطنين في تدبير أمورهم الحياتية. الرئيس عبد الفتاح السيسي تحدث كثيراً عن الأزمة وأسبابها وتوابعها، والحكومة أقرت بها وبررت سياساتها وتعثر حلولها. والمواطن نفسه بالرغم من تفهمه للظروف الدولية والإقليمية إلا أنه تحمّل تداعيات عواصف الربيع العربي ثم خسائر الإرهاب وسعي تنظيم “الإخوان” الإرهابي دائماً لتخريب المجتمع ونشر الفتن، ولم يستجب أبداً لدعاوى العصيان…

لكن الحالة المصرية صارت محل تجاذبات سياسية لتصفية الحسابات أو الصيد في المياه العكرة. يختصر مشهد قصير الحالة ويظهر موازين القوى بين الأطراف التي كانت فاعلة على المسرح السياسي بعدما توارت وانتهى زمنها، وأسباب فشل دعوات التظاهر واتساع الفجوة بين “الإخوان” ومن يعتبرون أنفسهم ثواراً من جهة، والحكم وفئات الشعب من جهة أخرى. فبعد فشل الدعوات الكثيرة للثورة وآخرها في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي كثفت مواقع “الإخوان” الكثيرة على شبكة الإنترنت وروّجت القنوات الداعمة للجماعة، وسوّق الناشطون و”الثورجية” لمقطع فيديو يظهر سيدة باعتبار أنها “سيساوية” أي مؤيدة للرئيس المصري بهدف الإيحاء أن عزوف الناس عن المشاركة في التظاهرة الاحتجاجية ضد حكم السيسي يعود إلى أنهم: إما مُنعوا بواسطة السلطة عن المشاركة، أو أنهم عملاء للحكم تم شراؤهم أو مرضى جرى غسل أدمغتهم!
يظهر المشهد السيدة تدافع عن السيسي وتشيد بسياساته وتطلب من المصريين تحمل أعباء الحياة وترفض الشكاوى من ارتفاع الأسعار أو ندرتها. الهدف كان السخرية من السيدة! والاختصار المُخل الذي هو أسلوب اعتمدته منصات “الإخوان” لتغييب الحقيقة وخداع الناس وتوسل تعاطف من وسائل الإعلام والجهات الأجنبية مع التنظيم الإرهابي وعناصره، لم ينطلِ على الناس الذين صار من بينهم أيضاً من يملك مهارات إظهار المشهد المصوّر كاملاً لتلقي السيدة التقدير والإشادة من الجماهير.
هكذا وعلى مدى سنوات، مقابل كل حملة لـ”الإخوان” لنشر الفوضى أو للتزييف والتزوير وترويج الفبركات يأتي رد فعل الناس في الشوارع وامتعاضهم أو اعتراضهم بطرق مختلفة، من بينها بالطبع رفع علامات النصر أو صور السيسي أو توجيه عبارات وهتافات مؤيدة للدولة مقابل شعارات “الثورجية” و”الإخوان” المضادة التي تغطي مواقع التواصل الاجتماعي.
يكفي أن تطالع ردود فعل وسائل إعلام “الإخوان”، من قنوات وصحف ومواقع إلكترونية، على كل عملية إرهابية وقعت في مصر أو أي دولة عربية، أو حتى في أوروبا، لتدرك مدى تعاظم المصالح بين “الجماعة” والتنظيمات الإرهابية، وسعي “الإخوان” الدائم إلى استثمار تداعيات الإرهاب لنشر الفوضى، وإفشال خطط التنمية، والإساءة إلى كل مشروع ناجح، وحرق كل شخص يفند أفكارهم أو يتصدى لأفعالهم.
المؤكد أن فشل الدعوات المتتالية من “الإخوان” للثورة يفترض أن يمثل علامة فارقة بالنسبة لقوى محسوبة على المعارضة لا تزال تماهي “الإخوان” وتنضوي تحت توجهاتهم، تستوجب أن تقف عندها لتعيد حساباتها وتفنيد أخطائها وتعديل مساراتها وتحديد الطرق التي ستسير فيها في المستقبل لتقترب من الناس، لكن ردود فعل تلك القوى حتى الآن لا تبشر بأن شيئاً من هذا سيحدث. وبينما تأكد أن تنظيم “الإخوان” لم يتعلم الدرس، تماماً كما هو حاله منذ خُلع عن الحكم بثورة الشعب عليه في 30 حزيران (يونيو) 2013، فالأخطاء نفسها تتكرر والاستقواء بالخارج لا يزال خيار الجماعة ومركز ثقلها، والانفصال عن الشعب في الداخل بأفعال منفرة مستمرة والرغبة في إسقاط الدولة ومؤسساتها والثأر صار هدفاً لا ينافسه أي هدف آخر.
أما القوى المتحالفة مع التنظيم و”ثورجية” الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي وأصحاب الحناجر الفولاذية والوجوه المحروقة، فمستمرون على أسلوبهم الذي يزيد من الفجوة بينهم وبين الشارع، ولا تزال محاولات استنساخ الماضي تجري وسط فشل ذريع تماماً، كما المتسول الذي يجول الشوارع مردداً نداءه: “ساعدوا العاجز”.
لم يطلب معارض واحد درس سلبيات يوم الثورة الفاشل، لكن هناك ذرائع ومبررات وحجج أو “تلاكيك” كالحملة على السيدة التي رفعت حذاء ابنها الشهيد فوق رأسها، وعلى صدرها صورة للسيسي، أو تلك التي رفعت علم دولة دعمت بلدها وساندتها في مواجهة دول أخرى سعت إلى إسقاطها، أو إجراءات الأمن التي فرضتها الشرطة وكأن المطلوب من المناضل أن تُهيئ له الشرطة وسائل نضاله!
“الإخوان” فشلوا في الحكم ثم فشلوا في المعارضة و”الثورجية” عجزوا عن أن يكونوا جزءاً من الدولة وهم الآن يشكون تقصير الحكم في إمدادهم بالمتظاهرين!
تعافت مصر من مرض الربيع العربي، وتدرك أن تفشي ذلك الفيروس في بلدان عربية أخرى يهدد بعودة المرض إليها مرة أخرى، ويدفع المصريون ثمن نجاتهم من مصير دول أخرى عصفت بها الاضطرابات، وعندما ظهرت لديها العوارض نفسها اتبعت طريق العلاج نفسه، واعتقدت أن في الغرب طبيباً، وأن لدى الأميركيين “علاجاً” فأصبحت لا تعيش سوى الموت، لكن المواطن المصري لم يعد معنياً بالسياسة وتقلباتها ويتمنى استنساخ الماضي فقط لتخفيف الضغوط وتقليل الأعباء ومساعدته في الصمود لمواجهة ظروف الحياة، ولم يعد يهتم كثيراً بأرقام يطلقها رموز الحكومة حول تحمل الدولة المصاعب ليبقى هو عند الوضع الذي عليه الآن. هو يريد الخروج منه حتى لو عاد الحكم الى استنساخ الماضي الذي كان من أسباب ما يعانيه اليوم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى