أقلام وأراء

محمد صلاح: غياب الهلباوي ووهم الصراع لدى الإخوان

محمد صلاح 7-3-2023: غياب الهلباوي ووهم الصراع لدى الإخوان

جاءت ردود فعل أقطاب تنظيم “الإخوان المسلمين” الإرهابي على خبر وفاة القيادي السابق في التنظيم الدكتور كمال الهلباوي متوافقة وعكست طبيعة الخلافات المزعومة بين “الإخوان”، خصوصاً أن التنظيم كان انتفض بكل أقطابه ورموزه وعناصره ضد الهلباوي رداً على تأييده ثورة الشعب المصري ضد حكم “الإخوان” في 30 حزيران (يونيو) 2013.

ظل الهلباوي على مدى عقود يحظى بمكانة مهمة بين “الإخوان”، ورغم إقامته الدائمه في العاصمة البريطانية لندن لسنوات طويلة، إلا أنه لم ينقطع عن نشاط التنظيم وتفاعلاته وكذلك صداماته، ومنحته مكانته موقعاً مهماً كمتحدث باسم “الإخوان” في الخارج، وهو نجح في تكوين شبكة علاقات ممتده خارج مصر وخصوصاً في أوروبا استغلها للدفاع عن “الإخوان” والترويج لهم وكذلك بالطبع انتقاد، أو قل الهجوم، على أنظمة الحكم المتعاقبة في مصر. لكن الرجل تحول، أو هكذا بدت مواقفه، بعد وصول “الإخوان” الى حكم مصر، إذ تبنى خطاباً راصداً لأخطاء الجماعة وخطايا قادتها وصراعاتهم للفوز بالمقاعد وتسرعهم من أجل “أخونة” الدولة حتى على حساب مستقبل التنظيم وشعبيته.

لم يقل الهلباوي أبداً إنه تراجع عن اعتناق مبادئ الجماعة، بل إنه اعتبر أن قادة الجماعة تخلوا عنها وابتعدوا عن أفكار مؤسس التنظيم حسن البنا ، غير أن رؤيته تحققت بالفعل عندما توقع انحسار “الإخوان” ودخولهم في صدامات مع الشعب قبل الجيش أو الأجهزة السيادية الأخرى في الدولة. وأثناء الأحداث التي سبقت الإطاحة بحكم “الإخوان” وصف خروج الناس الى الشوارع والميادين للمطالبة برحيل محمد مرسي وإنهاء حكم “الإخوان” بـ “الثورة” ما أوقعه في صدام شديد مع قادة “الإخوان” واتباعهم.

وكما تشابهت ردود فعل “الإخوان” وأفعالهم ذاتها تجاه ما يحدث في مصر تشابهت أيضاً تجاه خبر وفاة الهلباوي، ففي حين تروج أوساط “الإخوان” والناشطون القريبون من الجماعة عن صدام محتدم داخل التنظيم، لم ينصف قيادي واحد من “الإخوان” الهلباوي أو أقر بصحة نصائحه أو اعترف بأن تحذيرات الرجل من مصير مهلك لـ”الإخوان” كانت في محلها، فهم وإن تصارعوا على المناصب والأموال والسلطة، اتفقوا دائماً على تقديم الأذى لمصر والمصريين، وصراعهم ليس من بين نتائجه المحتملة أي خيار يتعلق بالتهدئة، أو القبول بالأمر الواقع، وكأنما الصراع داخل الجماعة على التطرف أكثر!!.

طبيعي بالنسبة الى تنظيم يرفع راية الدين في مواجهة الحكم تعرض لأزمة حقيقية وإحباط هائل وفشل ذريع، بعدما استغل ما جرى في 25 كانون الثاني (يناير) 2011 وقفز إلى السلطة، لكنه لم يستطع البقاء وأزيح بفعل إرادة شعبية جارفة وجيش قوي استجاب للشعب، أن يعاني مشاكل داخلية، وأن يتفجر الصراع بين أجنحة داخله، وأن تتباين الآراء بين قادته وعناصره حول أسباب الفشل والإحباط والهزيمة، وكذلك سبل علاج ما جرى، وطرق استعادة النفوذ والهيبة والشعبية والعودة إلى واجهة الأحداث، لكن تلك الخلافات لم تصل أبداً الى حد الإقرار بالهزيمة او التراجع عن الأخطاء او التسليم بأن الشعب المصري رفض “الإخوان” وثار على حكمهم.

ويبدو أن الهدف الحقيقي من الترويج لحكاية الصراع تلك أن يقتنع الناس بأن المرشد الحالي محمد بديع وفريقه هم الحمائم، وأن البديل سيكون تولي الصقور قيادة الجماعة. في المقابل لا فرق لدى المصريين ما إذا كان الصراع داخل “الإخوان” بين إصلاحيين وراديكاليين، أو بين حمائم وصقور، أو بين وجهات نظر ترى أن الوصول الى الحكم يكون عبر البرلمان والانتخابات وبين فريق متشدد مُصر على نظرية المؤامرة الكونية التي تعرضت لها الجماعة، ومصمم على استمرار المواجهة مع الحكم، حريص على تحالفات أعمق مع جماعات العنف الديني كـ”داعش” وولاءات لجهات ودول خارجية، وإنما يعتقد المصريون أن الصراع، إنْ وجد، هو بين فريق متشدد وآخر أكثر تشدداً، أو بين شيوخ الجماعة من القطبيين وبين شبابها الثوريين!! وسواء انتصر هذا الفريق أم ذاك لا فرق، فالمغزى أن الجماعة تصر على التصعيد وتتوهم بفريقيها المتصارعين أنها ستسقط النظام بتكثيف الشتائم على مواقع التواصل الاجتماعي أو نشر الأكاذيب بين الناس، أو تصدير الإحباط لتشجيع الشعب على الثورة على النظام!!

نحن أمام حالة فريدة في التاريخ السياسي لتنظيم يخسر ويصدق أنه يربح، وجماعة فقدت شعبيتها التي كانت بالفعل واقعاً على الأرض، وتتوهم أن الجماهير خلفها وأن الناس ينتظرون إشارة من هذا المرشد أو ذاك ليغيروا النظام!! توعد “الإخوان” بإشعال مصر في مناسبات عدة منذ إزاحتهم عن الحكم، وبمرور الوقت ظهر أن قوتهم على الأرض تضعف شيئاً فشيئاً، وأن تأثيرهم يقل درجة ودرجات، وأن نجمهم يأفل يوماً بعد يوم، وحتى إذا استمرت دول تساندهم أو أجهزة استخبارات تدعمهم ووسائل إعلام عربية أو غربية تناصرهم، فإن واقع الأمور يشير إلى أن اللعب على وتر الفقر وسوء الخدمات وصعوبة المعيشة لن يدفع الناس كي يستجيروا بالرمضاء من النار، خصوصاً إذا كان الناس من الأصل لا يعتبرون أن هناك ناراً أخطر من نار “الإخوان”!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى