أقلام وأراء

محمد صلاح: سيناء: انهيار داعش

محمد صلاح 20-09-2022

لم ينل الخبر الاهتمام الذي يستحقه من الناس، ربما اعتبروه مجرد خبر رياضي يتعلق برياضة لا يهتم بها في مصر إلا أهل الصحراء خصوصاً في سيناء والواحات. مرّ الإعلان عن استئناف سباقات الهجن في شبه جزيرة سيناء بعد توقف دام 14 عاماً من دون أن يلتفت الناس الى مغزاه، فالتوقف كان بسبب تردي الأحوال الأمنية وانتشار الإرهاب وحملات الجيش والشرطة ضد الإرهابيين وصعوبة الانتقال ما بين المدن في سيناء وخطورة تجمع أعداد كثيفة من الأهالي في مساحات محدودة.

ما يزيد على عقد من الزمن لم تكن الحياة في سيناء طبيعية خصوصاً في الجزء الشمالي منها الذي لم تتوقف فيه أصوات الانفجارات وطلقات الرصاص إلا قليلاً، وجاء الإعلان قبل أيام عن موسم جديد لسباقات الهجن بعد معلومات ترددت بين الأهالي عن معركة تمكن خلالها الجيش من القضاء على آخر بؤر تنظيم “داعش” في شبه الجزيرة، ومن جهة أخرى بعدما ترسخ الهدوء وشعور الأهالي بعودة الحياة الى طبيعتها وانخفاض وتيرة العمليات الإرهابية بصورة كبيرة.
صحيح أن الإرهاب بدأ في مصر في العاصمة ومدن الوجهين البحري والقبلي لكنه استوطن شبه جزيرة سيناء بعد سقوط نظام حسني مبارك واستمر بعدها لسنوات، ويدرك المتابعون للظاهرة الإرهابية من بعد رحيل الرئيس جمال عبد الناصر أن العمليات الإرهابية أو الجماعات المنفذة لها لم تتركز في مكان واحد لفترة طويلة، وتنقّل الإرهاب من القاهرة إلى الوجه البحري وإلى الصعيد، وظلت سيناء دائماً في مأمن منه، وعندما اكتشفت أجهزة الأمن بعد اغتيال الرئيس أنور السادات في عام 1981 أن تنظيمي “الجهاد” و”الجماعة الإسلامية” ينتشران من أقصى الشمال إلى آخر نقطة على الحدود في الجنوب لم تكن سيناء من بين المناطق التي أصيبت بفيروس الجماعات الراديكالية، ولم يلجأ إليها أي من قادة أو عناصر التنظيمين.
وبينما بقيت القاهرة ومحافظات الوجه البحري مراكز لعناصر “الجهاد” احتفظ الصعيد بالمبادرة في احتضان “الجماعة الإسلامية” وعناصرها، لكن تلك المناطق ظلت قواعد ينطلق منها الإرهابيون لينفذوا عملياتهم في محافظات ومدن أخرى. وحين شعرت السلطات في العقد الأخير من القرن الماضي بمحاولات سيطرة “الجماعة الإسلامية” على أسيوط في الصعيد وإمبابة في القاهرة ورصدت تطور الجهاد في الزاوية الحمراء وعين شمس في القاهرة، لم يستمر الأمر طويلاً، إذ جرى تنظيف تلك المناطق سريعاً بحملات حصدت قادة وعناصر التنظيمين، اللذين دخلا في مراحل لاحقة في مبادرات سلمية تبين بعدها أنها كانت مجرد تطبيق لمبدأ “التقية”، بعدما فقد التنظيمان القدرة على مواجهة أجهزة الأمن ذات القدرات العالية.
في مدن شهيرة كالعريش والشيخ زويد وبئر العبد ورفح والحسنة عاد المواطنون المصريون الى منازلهم بعد تطهير المناطق المحيطة من بقايا الإرهابيين وكثرت زيارات المسؤولين تمهيداً لافتتاح مشاريع زراعية وصناعية كبرى، ولم تؤتِ حملة “الإخوان” ضد الإجراءات التي اتخذتها السلطات المصرية لتأمين الحدود مع غزة، ثمارها، ولم يفلح استخدام كلمات من الوزن الثقيل كـ”الإخلاء القسري” و”التهجير العمد” و”الحملة على الأهل في سيناء” في إقناع المجتمع الدولي أو حتى الشعب المصري في أن ما جرى هناك مخالف للقانون أو نتيجة لرغبة رسمية في التنكيل بأهالي سيناء، إذ جرت عملية تنظيف سيناء من الإرهابيين في سلاسة وهدوء، رغم أن التنظيم الدولي لـ”الإخوان المسلمين” جيَّشَ كل عناصره وآلياته وإمكاناته وقنواته لإشعال قضية نقل بعض المواطنين من منازلهم إلى مناطق أخرى أكثر أماناً إلى درجة تدويلها! فالمسألة تحدث في مصر وغيرها من الدول كل يوم، وكلما أرادت أي حكومة تشييد جسر أو شق طريق أو حفر نفق لتسهيل حركة المرور مثلاً فإنها تقوم بنزع ملكية أراضٍ أو نقل السكان من منازلهم من أجل المنفعة العامة، فما بالك بدولة خاضت حرباً ضروساً ضد الإرهاب!
غض نظام حسني مبارك الطرف عن الأنفاق، علم بها وتركها، راقبها ولم يغلقها. كانت وجهة النظر المصرية أن الفلسطينيين يعانون وأن استخدام الأنفاق لتهريب السلع والأغذية ضرر مقدم على المنفعة، وحتى إذا كان بعض السلاح يجد سبيله عبر الأنفاق إلى مقاتلي “حماس” في غزة، فإن الأمر غير مكروه، إذ سيستخدم السلاح في النهاية لحماية الفلسطينيين من البطش الإسرائيلي. وعندما كانت إسرائيل توجه اللوم إلى السلطات المصرية، فإن مبارك كان يصدر لهم دائماً عبارته الشهيرة “الأنفاق لها فتحتين وإذا كان في إمكانكم سد فتحتها من غزة فلتفعلوا”.
وكان ظهور “داعش” كتنظيم غير مصري استحوذ على مناطق ومدن وربما دول خارج مصر، تطوراً مهماً بعدما تسبب الربيع العربي في الصعود بالإسلاميين، خصوصاً “الإخوان”، إلى واجهة الأحداث وليقفز بهم إلى مقاعد الحكم، ووجد “الإخوان” في عناصر “داعش” حلفاء استراتيجيين أفضل من قوى المعارضة المصرية التقليدية من الليبراليين واليساريين. كانت المصالح متشابكة بين “الإخوان” و”داعش” في سيناء، فإسقاط الدولة يحيي أمل “الإخوان” في العودة إلى الحكم، وفي الوقت نفسه يمهد الطريق لـ”داعش” لبلع سيناء والفوز بها. “الإخوان” كفصيل اختار المضي في ارتكاب العنف لإسقاط الحكم حتى لو كان الثمن هدم المعبد على من فيه وتدمير البنية التحتية للدولة ونسف مؤسساتها، حتى لو كانت الخسارة تعني بالنسبة إلى “الإخوان” فقدان الجماعة ما تبقى لها من تعاطف بين القطاعات الشعبية.
عادت الحياة الى طبيعتها أخيراً في سيناء، وخرج الناس من بيوتهم ليتجمعوا حول مضمار سباقات الهجن بل وليتنقلوا ما بين مدن شبه الجزيرة في أمان، ويبدو أن ايقاع مشاريع التنمية سيزداد سرعة مع مرور الوقت. وبعدما تصدر ملف الإرهاب أجندة الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ سقوط نظام “الإخوان” نجح في الربط بين القضاء على قوى الإرهاب والتطرف بمقاربات دولية شاملة لا تكتفي بالحل العسكري وإنما بخطوات اقتصادية واجتماعية وثقافية ميدانياً، فجرى تقويض نشاط الفرع المصري لتنظيم “داعش” في شمال سيناء وخارجها، بعد ضربات أمنية ناجحة قُتل وأوقف خلالها مئات أو ربما آلاف من عناصر ذلك التنظيم الذي اكتشف أن سيطرته على سيناء أمر محال، ووصل به الحال أخيراً إلى مرحلة جعلت عناصره عاجزين حتى عن مغادرة شبه الجزيرة والترحال إلى مناطق أخرى، أو حتى دول أخرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى