أقلام وأراء

محمد خرّوب: قوة نووية لن تُهزَمَ في حرب تقليدية: إنذار روسي حاسِم

محمد خرّوب 23-1-2023: قوة نووية لن تُهزَمَ في حرب تقليدية: إنذار روسي حاسِم

فيما كانت أوساط عسكرية أميركية وأخرى «ناتوِيّة» تتحدث عن قرب إعلان روسيا «إلغاء» تسمية عمليتها العسكرية الخاصّة التي أطلقتها في 24 شباط 2022، والتوجّه نحو إعلان حرب شاملة، بعد انخراط الولايات المتحدة ودول حلف الناتو كذلك الإتحاد الأوروبي ومجموعة العشرين G20 في الحرب, على نحو بدت وكأنها لا تكترث أطلاقاً لكل التحذيرات التي أطلقتها روسيا على لسان رئيسها, فضلاً عن وزيري الخارجيتة والدفاع/ لافروف وشويغو، وتأكيدهم ان موسكو ماضية في تحقيق أهداف عمليتها, رغم هذه العدوانية الغربية, جاء تصريح نائب رئيس مجلس الأمن الروسي/ الرئيس السابق ميدفيدف, بأن القوى النووية «لا تخسَر» الصراعات الكبرى التي يتوقف عليها مصيرها, ليضع حدّاً لكل هذا العبث الأميركي الأطلسي/ الأوروبي, وليُعيد ضبط أسس الصراع وخطوطه الحمراء التي دأبت واشنطن وبروكسل وخصوصاً بريطانيا وفرنسا وألمانيا على ازدرائها والاستهتار بها، حدّاً بات فيه صقور حزب الحرب في البنتاغون كما جنرالات الناتو, يتحدثون عن تزويد أوكرانيا بأسلحة ثقيلة ومتقدمة لم يستثنوا فيها الطائرات المقاتلة ودبابات ابرامز وليوبارد الألمانية ويَعِدون بمزيد من صفقات الأسلحة القادرة على «إستعادة «شبه جزيرة القرم.

تصريح ميدفيدف الذي لا ينطق عن الهوى, والذي بات الأقرب الى بوتين وربما قبل شويغو ولافروف وباتروشيف ونارشكين)… خلطَ الأوراق وأشعل الأضواء الحمراء في البيت الأبيض كما في البنتاغون ومقر حلف الناتو في بروكسل, ناهيك 10 داونغ ستريت البريطاني والإليزية الفرنسي ومقر المستشارية الألمانية في برلين.

نقول: تصريح ميدفيدف الذي أطلقه عشيّة اجتماع الأعضاء » الدائمين» في مجلس الأمن الروسي برئاسة بوتين, وقبل يومين من التئام اجتماع «قاعدة رامشتاين الأميركية في ألمانيا، كان مقصوداً بذاته ولذاته خاصّة بعد أن بدأت تروج تصريحات أوروبية وأميركية استفزازية, وخصوصاً أوكرانية مُتغطرسة تتوعد بـ”هزيمة استراتيجية» لروسيا’ وأن الهدف من تسليم أوكرانيا المُتعاظم بأسلحة متقدمة إنما يراد من ورائه «لجم النزعة العدوانية/التوسعية لدى سيّد الكرملين، وكسر الهيبة (المُصطنعة..على ما يزعمون) للجيش الروسي, الذي روّج لهذا الهيبة/العظمة منذ انتصاره على النازية » بعد انتصاره في الحرب الوطنية العظمى.

حسمت روسيا أمرها إذاً، ولم تعد المسألة تقف عند تحرير ما تبقّى من جمهوريتي الدونباس (لوغانسك ودونيتسك) إضافة الى خيرسون وزاباروجية (بعد ضمِّها رسميّاً الى روسيا في 30 أيلول الماضي). ولم تعد ثمّة شكوك بأن الإنزلاق الى مواجهة روسيّة ــ أطلسيّة باتت أقرب الى الحدوث من أي يوم آخر، وهو الأمر الذي تجلّى في نتائج إجتماع وزراء ما بات يوصَف إجتماع قاعدة رامشتاين في ألمانيا أول امس 20/ 1، خاصّة في التصريحات التي أدلى بها وزير الدفاع الأميركي/ أوستن ورئيس هيئة الأركان المُشتركة/ميلي, عندما حرِص الجنرالان..المُتقاعد/اوستن والحالي/ ميلي, على عدم الإشارة مُطلقاً الى ما كان يطلقانه من تصريحات مُتغطرسة واستعلائية تقول: ان واشنطن بدعمها غير المحدود لأوكرانيا انما تريد إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا (إضافة بالطبع الى ما كان يطلقه بغرور بايدن وبلينكن وسوليفان ورئيس الـ CIA وليام بيرنز ونائبة وزير الخارجية/ ويندي شيرمان, بإلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا.

إذاً كرّر أوستن أكثر من مرّة أننا «نريد تقديم كل ما يحتاجه الجيش الأوكراني”, تماماً كما أعاد الجنرال ميلي ذكره دون ذكر العبارة الأميركية المُسّتفِزة إيّاها… ما عكس من بين أمور أخرى أن تصريحات ميدفيديف وتعقيبات ناطق الكرملين/ بيسكوف, قد عكست قلقاً حقيقيّاً لدى البيت الأبيض والدوائر الأميركية ذات الصلة.

وهو أيضاً تجلّى على ما يمكن وصفه بأعلى صُورِه في نتائج إجتماع قاعدة رامشتاين, عندما ربطت ألمانيا مسألة تزويدها أوكرانيا بدبابات ليوبارد2 الثقيلة, بـ”توافُق الحلفاء» الذين قال عنهم وزير الدفاع الألماني الجديد/ بيستوريوس بأنه «لا يوجد تحالف مُتماسك مُهتم بتزويد كييف بدبابات ليوبارد». ما أصاب واشنطن بخيبة أمل لم يتردّد وزير الدفاع/ أوستن بالقول ان بلاده ستُواصل » الضغط » على برلين كي تقوم بتزويد كييف بذلك الطراز من الدبابات، في الوقت ذاته الذي عكس فيه وزير الخارجية بلينكن نوعاً من التشاؤم عندما قال في كلمة بجامعة شيكاغو أول أمس/ الجمعة, أنه (من السابِق لأوانه الحديث عن «إنقسام» في التحالف الغربي الداعم لأوكرانيا).

إين من هناك…. إذاً؟.

(2)

في رد فعل أميركي سريع يعكس ارتباكاً أكثر مما يؤشر إلى إدراك ولو متأخر بأن صبر موسكو قد «عيل», وإن استمرار المعسكر الغربي بكل أجنحته وتحالفاته وخلافاته وبخاصّة في ظل السطوة الأميركية المُتجدّدة على أوروبا وحلف شمال الأطلسي/الناتو، والذي لخّصته المواقف والتصريحات الأميركية الأخيرة, في إشارة إلى أنه/الناتو, لم يكن مُوحداً في يوم من الأيام أكثر مما هو عليه الآن، ما يؤكد – في نظرهم بالطبع – فشل مساعي فلاديمير بوتين في إحداث شرخ في صفوف الحلف العسكري الذي يصل عدد أعضائه إلى «30» دولة ومُرشح لأن يصبح «32» دولة, إ?ا ما وعندما يتمّ قبول السويد وفنلندا إليه, رغم أنهما قدّمتا طلب الإنضمام للحلف في أيّار من العام الماضي, لكن تركيا وهنغاريا لم تُصادقا عليه حتى الآن.

نقول: بعد الانتقادات الحادة التي وجّهها نائب رئيس مجلس الأمن الروسي/ميدفيديف للمعسكر الغربي, خاصّة إشارته إلى أن «هزيمة قوة نووية في حرب تقليدية قد تشعل حرباً نووية»…. ما رآه البيت الأبيض الأميركي على لسان نائبة الناطقة باسمه/أوليفيا دالتون: إنه «خطأ خطير ومن الضروري تخفيف حِدّته»… الأمر الذي بدا فيه البيت الأبيض وكأنه قد فوجىء على نحو غير مسبوق, ليس في ما انطوى عليه تصريح ميدفيديف فقط, بل خصوصاً في ما انطوى عليه تفسير ناطق الكرملين لتصريح ميدفيديف, عندما قال: إن تصريحات ميدفيديف تتّفق تماماً مع عقيدة ?وسكو النووية». ما رفع منسوب الوضوح/التحدّي إلى مستوى أعلى, رغم أنها جاءت منسجمة تماماً مع ما كانت موسكو أكدته, على لسان بوتين وقادة روس غيره منذ انطلاق العملية العسكرية الخاصة في 24 شباط 2022.

تبرز أيضاً التصريحات اللافتة التي أدلى بها مسؤول الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي/جوزيب بوريل, عندما «ذكّر» مُستمعيه في الحفل الذي أقيم في مدريد حصل فيه/ بوريل على جائزة منتدى الاقتصاد الجديد, بالقول: إن روسيا بلد كبير وهي مُعتادة – أضاف – على مُواصلة القتال حتى النهاية. وأن تقِف على حافّة الهزيمة, ثم لا تلبث – استطردَ – أن تُعيد بناء كل شيء… فعلتْ ذلك مع نابليون، وفعلتْ الشيء نفسه مع هتلر، ومن السُخفِ – واصلَ – الاعتقاد بأن روسيا خَسِرت الحرب وأن جيشها غير كفؤ».

صحيح أن المسؤول الأوروبي أوردَ حقائق تاريخية, يصعب عليه وعلى غيره طمسها أو تجاوزها, رغم مُحاولات المعسكر الغربي وبخاصّة الولايات المتحدة, الطمس على حقيقة أن الجيش الأحمر السوفياتي هو الذي دحر النازية ورفع العلم الأحمر على مبنى الرايخ الألماني, وقام بتحرير «كل» دول شعوب أوروبا الشرقية من النازية والفاشية، إلاّ أنه – بوريل – أراد من وراء تلك, الدعوة إلى «ضرورة مُواصلة تسليح أوكرانيا», في انسجام وتماهٍ مع حزب الحرب في الناتو والاتحاد الأوروبي وصقور البيت الأبيض والبنتاغون الأميركيّين. رغم زعمه أن «الاتحاد الأ?روبي ليس طرفاً في الصراع الذي بدأ عام 2014 ولا يُريد – كما ادّعى – أن يُصبح طرفاً فيه، مُحاولاً – الاتحاد – حتى اللحظة الأخيرة تجنّب الصِدام المباشر».

يحتاج المُتابع والمُراقب كما المُحلّل والمُختصّ, التوقّف عند ما أوردته الطبعة الأميركية من American Greatness تحت عنوان «هزيمة أوكرانيا تجعل وجود الناتو موضِع تساؤل» والذي أورده موقع «الثقافة الاستراتيجية» على قناة تيلغرام (كما ترجمَه الصديق الدكتور زياد الزبيدي, المتابع بشغفٍ ومُثابرة للمشهد الروسي). إذ تقول: لقد ولّت الأيام التي كان يُمكن فيها لأوكرانيا الاعتماد على إمدادات عسكرية مُستقرة وموثوق بها من الناتو لقواتها المُسلحة على الجبهة. بعد عام من الصراع، تكاد–أضافت–ترسانات الأسلحة الثقيلة الغربية أن تك?ن قد استنفدت, وسيكون من المستحيل تجديد المخزونات في المستقبل القريب. هناك حقائق عسكرية – تُواصِل – تعمل الآن في أوكرانيا, يَرفض الساسة الحاِلمون في واشنطن الاعتراف بها. الروس–استدركتْ–يستعدّون للاختراق. قد يكون الوقت قد فات الآن لمحاولة منعهم، ويجب على الغرب الآن أن يمُد يده نحو الدبلوماسية الحقيقية, للتأكّد من أن الفرصة لم تضيع بعد».

*** استدراك:

سارعتْ الولايات المتحدة إلى تصنيف «مجموعة فاغنر» العسكرية الروسية الخاصّة, كــَ«منظمة إجرامية دوّلية», إثر تحرير المجموعة مدينة سوليدار الاستراتيجية, فيما تجاهلتْ وتتجاهل واشنطن المجموعة العسكرية الأميركية/الخاصة التي تحمل اسم «بلاك ووتر», والتي تجلّت ارتكاباتها الإجرامية في العراق وبخاصة في مدينة الفلّوجة. إضافة إلى دول وساحات عديدة, تتواضع أمام ارتكاباتها ما يتم إتهام «فاغنر» بها. علماً أن الأخيرة/فاغنر تأسست عام 2014.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى