أقلام وأراء

محمد خروب: إيران «وسيطاً»: هل تحول دون اردوغان وغزو الشمال السوريّ؟

محمد خروب 5-07-2022 

على نحو لافت برزت في ثنايا المشهد الإقليمي/المُحتقن والمحمول على قراءات وتوقعات متناقضة وخصوصا ذات طابع تشاؤمي.. برزت وساطة إيرانية بين دمشق/وأنقرة يقودها رئيس الدبلوماسية الإيرانية/عبد اللهيان, الذي أثار تصريحه المُفاجئ وغير المسبوق خلال زيارته أنقرة, وقوله: إن «إيران تتفهّم هواجس تركيا الأمنية”, عاصفة من التفسيرات والتأويلات أقلها أن تصريحاً كهذا يشكِّل ضوءاً أخضر إيرانياً لأنقرة, للمضي قُدماً في تنفيذ عمليتها العسكرية التي وصفها أردوغان بأنّها عملية كبيرة, تستهدف من بين أمور أخرى إقامة منطقة أمنية تركية بعمق 30 كيلومتراً على طول الحدود السورية التركية الشمالية، إضافة إلى الهدف التركي الأخطر وهو إجراء تغيير ديموغرافي/بطابع عِرقي، أي منطقة أمنية هذه من «الكُرد».

وإذ أعلن عبد اللهيان في دمشق –ما بدا ردًا على تصريحه المثير في أنقرة- أنّ بلاده ترفض أيّ إجراء عسكري تركي في الشمال السوري, كونه يزعزع استقرار المنطقة، فإنّ السؤال المطروح.. هل لمس الوزير الإيراني تجاوباً تركياً كي يعود إلى دمشق للمرة الثانية خلال أقل من ثلاثة أشهر؟.

ثمَّة مؤشرات على أنّ تركيا التي عاد رئيسها من قمة الناتو الأخيرة «مُرتاحاً» وممسكاً بأكثر من ورقة يظن أنّه بات يتوفر عليها، إن لجهة «ترطيب» علاقاته مع إدارة بايدن التي أيّدت حصوله على صفقة طائرات/F16 لكن القرار الأخير يبقى في يد الكونغرس، أم خصوصاً في موافقته المشروطة على انضمام فنلندا/والسويد إلى حلف الناتو، بعد صدور تصريحات من البلدين تنفي رضوخها لمطالب تركيا في شأن تسليم المطلوبين الكُرد المتهمين بالإرهاب، ما دفع أردوغان إلى التلويح بالطلب من البرلمان عدم التصديق على انضمام البلدين الإسكندنافيين إلى الناتو.

العملية العسكرية/الكبيرة التي يهدد أردوغان بقرب حدوثها, تُواجه بمعارضة شديدة من روسيا كما الولايات المتّحدة. لكن أهداف موسكو مُتعارضة تماماً مع الأهداف الأميركية، خاصة أنّ إدارة بايدن لم تتنازل عن مخططها القديم الذي وضعته إدارة أوباما عندما حشدت حلفاً شيطانياً لتمزيق سوريا وتقسيمها إلى كانتونات طائفية/وعرقية. فيما الوجود الروسي العسكري جاء بطلب رسمي من الحكومة الشرعية، إضافة إلى أنّ موسكو تمارس ضغوطاً على قوات سوريا الديمقراطية/قسَد وذراعها السياسية/مسَد، لتسليم المنطقة المهددة بالاجتياح في كل من عفرين ومِنبج/ريف حلب الشمال الشرقي إلى الجيش السوري، حيث يمكن إسقاط ذريعة أردوغان لشنّ عمليته العسكرية, وهو مطلب روسي/سوري قديم، أدارت قيادة قسد ظهرها له بعدما صدّقت «نصائح» حليفها الأميركي وكانت النتيجة «خسارة» مناطق واسعة من البلدات والمدن التي باتت تحت السيطرة التركية وعملائها في ما يُوصف «الجيش الوطني».

طهران تنضم إلى مطلب الثنائي السوري/الروسي بأن تسلّم قسد بلدتي عفرين ومنبج للجيش السوري، كي لا تمنح أنقرة فرصة أخرى لقضم المزيد من الأراضي السورية, خاصة بعدما ثبت أنّ الأميركيين لن يدافعوا عنهم ولن يحولوا دون الاجتياح التركي/المتوقع, في ظل علاقاتها الآخذة بالدفء مع أردوغان, وحاجة واشنطن إلى تركيا في الوقت الراهن جراء الحرب في أوكرانيا.

فهل ثمة لدى إيران من الأوراق/الأسباب كي تتفاءل بنجاح وساطتها؟

القراءة الباردة لمشهد العلاقات الثنائية الإيرانية/التركية، فضلاً عن تعقيدات المشهد الإقليمي واحتقاناته تشي بأن لا فرصة أمام جهود كهذه، سوى إن اعتقدت طهران أنّ أنقرة التي بدأت سلسلة من الاستدارات اللافتة والمثيرة, في علاقاتها الإقليمية مع إسرائيل كما العربية مع السعودية ومصر وقبلها الإمارات يمكن البناء عليها, في ظل اقتراب معركة التحضير للانتخابات الرئاسية التركية/الربيع المقبل, وعلى ضوء المتاعب التي يواجهها اردوغان بتفاقم الأزمة الاقتصادية/والمالية, وارتفاع الأسعار وتدهور سعر صرف الليرة، ما أسهم في تراجع شعبيته والاحتمالات الماثلة لاتفاق أحزاب المعارضة الستة على ترشيح شخصية وازنة ومؤثرة لمنافسته. يمكن لكل هذه المؤشرات دفع أردوغان إلى إبداء نوع من المرونة تجاه دمشق وبخاصة عبر العودة إلى اتفاق أضنة (20/10/1998).

في السطر الأخير.. من السابق لأوانه الحديث عن اختراق إيراني يمكن البناء عليه لهدم حائط الصد الذي بناه أردوغان في مواجهة دمشق, كانت فيه تركيا على رأس الداعمين لكتائب الإرهابيين والقتلة الذين تدفقوا عبر الحدود التركية إلى سوريا، فضلاً عن الغزوات/الأربع التي شنّتها داخل سوريا, والتي باتت احتلالاً مصحوباً بعملية تتريك واسعة، بذريعة إبعاد خطر حزب العمال الكردستاني/PKK وذراعه/قوات سوريا الديمقراطية/قسد, رغم اعتراف أنقرة بوجود «تنسيق» سوري تركي استخباري/وليس بطابع سياسي. أضف إلى ذلك أنّ أردوغان غير معني بمنح طهران ورقة سياسية/دبلوماسية ثمينة, على شكل «نجاح» بترطيب العلاقات التركية/السورية.

 

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى